المشاهد نت

بائعو الفل في عدن.. طقوس الحب والروائح العطرة

عدن – عبداللطيف سالمين

على قارعة الطريق في إحدى شوارع الشيخ عثمان القديمة، تحديداً في شارع الذهب “المشهور بشارع الحب”، يقف الخمسيني “الحاج سعيد”، حاملاً في يديه، عقودًا من الفل.

“شُكّت” تلك العقود بعناية وطرق مختلفة ممزوجة بالورود الصناعية، وفي نهاية كل عقد كومة من نبات البعيثران والمشموم، ما ملأ المكان بالروائح الزكية والعطرة، وأضفى على الشارع نصيبًا من اسمه الذي أخذه من طبيعة المدينة القديمة المنفتحة على الحب والحياة.

يتشمم الحاج سعيد شذى بضاعته الجذاب بين الفينة والأخرى؛ ليتأكد أن تلك الرائحة التي تصلح في الأعراس وجلسات الأنس والفرح لم تنتهِ صلاحيتها بعد؛ جراء حر المدينة اللاهب.

ما إن يمر أحدهم على الحاج سعيد، حتى يفرح وتتهلل أسارير وجهه، كلما أستوقفه المارة بمختلف أعمارهم من النساء والرجال والشباب وحتى الأطفال الذين يرسلهم كبار السن؛ ليبيع لهم بعض تيجانه الزهرية البيضاء قبل أن يصيبها الذبول.

يلتقط الحاج سعيد أنفاسه، وبابتسامته البشوشة وبيده المتمرسة يوزع باقات الفل، بعد أن عبئت في أوراق الصحف والدفاتر، وأضيفت عليها النباتات العطرية الأخرى المرافقة، كالمشموم والبعيتران.

ارتفاع الأسعار

مرت من سيدة تبدو من ملامحها أنها قد أكملت ربيع عقدها الرابع من عمرها، وعلامة الغضب بادية عليها، وهي تتمتم بكلمات لا يُفهم منها غير “لا جعله خميس لو هم كل أسبوع بيسووا بنا كده، ويرفعوا السعر”، بلهجةٍ دارجة.

استوقفنا السيدة أم أحمد “كما عرّفت بنفسها” واستفسرنا عن سبب إنزعاجها؛ لتخبرنا بدورها، عن استيائها من الكمية الصغيرة التي ابتاعتها بمبلغ ألف ريال يمني، رغم أنها تأخذ اضعافه كل يوم.

وعن سبب تقليل كمية الفل تقول أم أحمد: “لأنه يوم الخميس، ليلة الحب والغرام، يستغلوا الوضع وكثرة الطلب من العشاق والأزواج ليضاعفوا السعر، غير مكترثين أقلها بمن هم زبائن دائميين، لا تحلو ليلتهم إلا بأزهار الفل.

الظروف تغيرت

بائع الفل، لم تفارق الابتسامة وجهه قط، رغم استياء زبونته المفضلة، بحسب قوله، وردًا على سؤالنا عن سبب ارتفاع السعر يوم الخميس بالذات، قال بعفوية: “شوفوا شعري كيف امتزج لونه بالفل، سنين وأنا ألف بيوت الشيخ عثمان والمنصورة ودخلت مدارسها وأعراسها، بالنسبة للكثيرين أنا اكثر من مجرد بائع، وأحيانا أكون مستودع الأسرار والحكايات.

ويتابع: “زمان كان اللي ما معه أعطيه من عندي، أما الآن الظروف تغيرت والحال صعب، نحن نكسب لنا باليوم خمسة ألف حق يومنا وأروح لي إلى لحج، ولازم اشتغل ولو كان الأمر يعود لي لطرقت كل الأبواب ونثرت الفل على شوارع المدينة”.

إقرأ أيضاً  عادات وتقاليد العيد في المحويت

أسطورة الحب

وبحسب حديث المواطن احمد محمد (54 عامًا)، يعد الفل، نبات عطري، يتهافت عليه سكان منازل عدن، وبات ضيفًا حاضرًا، ورفيقًا لأعراسهم ولياليهم المليئة بالعشق والمسرات.

ويكثر الطلب عليه بصورة كبيرة كل يوم خميس، كونه يوم مرتبط بالمناسبات الاجتماعية كالأعراس والعادات والطقوس العائلية، خاصة بأهالي المدينة.

ويضيف: توارث الأهالي تقاليد أجدادهم في شراء الفل يوم الخميس أسبوعيًا؛ لإهدائه للزوجات في المساء تعبيرًا عن الحب والمودة، وكذلك للأقارب أو تقديمه للعرسان في حفلات الزواج.

تميمة الافراح

ولطالما اعتبر الفل أسطورة الغرام، وجزء من طقوس حفلات الزواج، والمناسبات الأخرى في الأعراس وحفلات أعياد الميلاد، ومؤخرًا بات تميمة حفلات التخرج لطلاب الجامعات، بحسب ما اكده صاحب أحد محلات بيع الفُل في جولة الفل الشهيرة بمديرية كريتر.

وكشف البائع أن “مبيعات ذلك النبات العطرى تزداد يوم الخميس أكثر من بقية الأيام الأخرى؛ نظرًا لإقبال الناس على شراءه بكميات أكثر من أي يوم أخر في الأسبوع”.

موروث غنائي

ويؤكد أهل مدينة عدن أن الفل أحق بـ”الفلنتاين” وعشاقه، هذا ما قاله الشاب الثلاثيني “نور الدين” في حديثه عن شاعرية الفل، فإن الفل وليس الورد هو زهرة العشق وأهله.

مؤكدًا على حديثه بأغنية الفنان محمد محسن عطروش “بائع الفل” الذي “راح” إلى “البندر” في شهر نيسان (نسبةً إلى فصل الربيع)، “يشتي” يبيع الفل لكل ولهان، فضيع قلبه وفله وأصبح ولهان، وكل ذلك حدث له في مدينة “الشيخ عثمان”.

ويضيف: كما أن الفنان محمد مرشد ناجي “المرشدي” قال في أغنية الورد والفل، على لسان الفل:” الفن لي والتفنان، نشوتي ليل داني، ما ترى الزف بعدي عصر في بعض الأحيان، كل عاشق شراني”.

بيئة التكاثر والأفات

وكشف الخبير الزراعي علي صالح، من محافظة أبين، ان نبات الفل يأتي من شجيرة معمرة مستديمة الخضرة ويصل ارتفاعها إلى حوالي مترين، أزهارها متجمعة في القمة، بيضاء ناصعة، تظهر في الربيع وحتى نهاية الخريف، معدل نموها بطيء نسبيًا، ويكاد يتوقف خلال فصل الشتاء.

لافتًا إلى أن تكاثره يكون بواسطة البذور والعقل والترقيد والتطعيم.

أما عن حشرات مثل البق الدقيقي، والمن، وبقع الورق، والحشرات القرمزية، فهي تعتبر من أشهر الآفات التي تصيب الفل، بحسب ما أكده صالح.

كما أشار إلى إمكانية مقاومة هذه الآفات بطرق طبيعية حيوية مثل تربية حشرة الدعسوقة أو بنت المطر، والحرص على الري المنتظم دون إغراق يجنب النبتة الإصابة بعفن الأوراق.


تم انتاج هذه المادة بالتعاون مع مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

مقالات مشابهة