المشاهد نت

الشارع يحتضن الفقراء والباحثين عن عمل

صنعاء منازل على الرصيف - المشاهد

المشاهد – صنعاء – نجيب العدوفي

ينام عبدالله فوق دراجته النارية، فهو بلا مأوى ولا يجد الدخل الكافي لإعالة أسرته في أحد الأرياف، وتوفير مسكناً يأوي إليه في المساء ويحجب عنه صقيع العاصمة صنعاء.

الشارع يحتضن الفقراء والباحثين عن عمل
غرفة النوم المتنقلة على الدراجة النارية – المشاهد

 دراجة نارية.. غرفة نوم متنقلة”

تحت جسر جولة تعز وسط العاصمة صنعاء يأوي عبدالله بدراجته النارية في وقتٍ متأخر من الليل، ويقول لـ”المشاهد”: “عندما يشتد البرد وأشعر بأني غير قادر على تحمله أعود إلى هذا المكان لكي أنام”.

يحمل عبدالله فوق هذه الدراجة لحافه الذي يتغطى به من البرد، فهذه الدراجة باتت غرفة نومه المتنقلة، وعن سبب النوم على ظهر الدراجة، يقول عبدالله: “أخشى من أن تتعرض دراجتي النارية للسرقة، فهي مصدر الرزق الوحيد لأسرتي التي تنتظر مني لقمة العيش”.

 

برد الليل وحر الشمس

بالقرب من عبدالله ينام شخص آخر على الرصيف، ويلف جسده النحيل بقطعة مهترئة من السُجاد، حاولنا الاقتراب منه، وكان الوقت في الثامنة صباحاً، للحديث معه، إلا أنه لم يرد إلا بصعوبة، وكل ما قاله لنا: “اتركوني أنام”، ويقول مالك متجر للأغذية في ذات المنطقة التي ينام فيها هذا الشخص لـ”المشاهد” إن هذا الشخص ينام حتى تشتد حرارة الشمس في الـ11 صباحاً، ويصحو ويلف سجادته التي يتغطى بها ويضعها بجوار أحد أعمدة جسر جولة تعز، ثم يذهب ويعود بعد الثالثة عصراً وبيده شيئاً من الأكل والقات، ثم يتناول الأكل ويبدأ بمضغ القات إلى حين تهدأ حركة الشارع ثم ينام.

مسكناً من القماش

شخص آخر في شارع الزبيري بالعاصمة صنعاء يتخذ من الرصيف مكاناً يأوي إليه كل مساء، ووضع هذا الشخص لنفسه مسكناً من القماش وهو أشبه بخيمة صغيرة تتسع له فقط، وتستند إلى سور أرضية فارغة.. ويقول أحد المارة لـ”المشاهد”: “أمر يومياً من جوار هذه الخيمة، لكني لم أرى أحداً، ويبدو أن صاحبها يخرج منها باكراً ويعود إليها في وقتٍ متأخر.

الباحثون عن عمل ينامون على الرصيف

الشارع يحتضن الفقراء والباحثين عن عمل
فقراء ينامون على الرصيف – المشاهد

 

الآلاف من الفقراء في العاصمة صنعاء بلا مأوى، وينامون على أرصفة الشوارع، ويقول المواطن حسان عبدالكريم لـ”المشاهد”: “النوم على الأرصفة بالشكل الذي نراه الآن لم يكن بهذا الحجم خلال الفترات السابقة، وكان من ينامون في العراء هم من المشردين، لكن خلال العامين الأخيرين زادت حدة الفقر، فأغلب من ينامون على الأرصفة هم من الباحثين عن عمل، ومن لا يستطيعون النوم في “اللوكندات”، والفنادق وغيرها، فأوضاعهم المعيشية صعبة”.

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

التبول في الشوارع

لا مكان أمام من ينامون على أرصفة الشوارع لقضاء حاجتهم إلا في الشوارع وبجوار الأماكن التي ينامون فيها، الأمر الذي يثير المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة، من جانبه محمد الشرعبي –مالك صيدلية بجوار جسر جولة تعز- يقول لـ”المشاهد”: “عادة ما يتبول هؤلاء الذين ينامون على الأرصفة في الشارع أو بداخل قنينات المياه والعصائر، كما أنهم يقضون حاجتهم في الشارع، مما يبعث روائح كريهة، ناهيك عن الأمراض الناجمة عن هذه الفضلات”.

 

الشارع يحتضن الفقراء والباحثين عن عمل
عمال في احد شوارع صنعاء – ازياد نسبة الفقراء بسبب الحرب – المشاهد

الفقر يقذف بالآلاف إلى الشوارع

الحرب زادت من أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل الذين لا يجدون مأوى سوى الشارع، وتشير البيانات التي حصل عليها “المشاهد” إلى أن نسبة الفقر بلغت ما نسبته 80% من إجمالي عدد السكان، وفي ذات السياق كانت دراسة اقتصادية للباحث في قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية -نبيل الطيري- قد حذرت من التطور المتواصل للحرب والصراع الذي سيؤدي إلى تفاقم حالة العجز عند الأسر التي لم تعد قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من مأكل ومأوى وصحة وتعليم، وتشير الدراسة التي حصل “المشاهد” على نسخة منها إلى أن انتشار الفقر المدقع يهدد الأمن الغذائي لقطاعات وشرائح واسعة من السكان، فضلاً عن زيادة أعداد الناس الذين يكابدون حاليا للبقاء على قيد الحياة أغلبهم استهلك المدخرات التي جمعها.

غياب الرعاية الاجتماعية

منذ بداية الحرب لم تستلم الحالات المسجلة في معاشات الضمان الاجتماعي التي يبلغ عددها 1.5 مليون حالة أية رواتب، وتقول البيانات الرسمية التي حصل عليها “المشاهد” إن الإعانات النقدية توقفت كلياً منذ بداية 2015، ما يعني تضرر 1.5 مليون حالة من الفئات الأشد حرماناً في المجتمع، منهم 34% من المسنين، و27% من العاطلين من العمل، وتمثل النساء اللاتي لا عائل لهن حوالي 24% من إجمالي عدد الحالات.

الفقر بين الأجيال

تقول تقارير التنمية البشرية إن الفقر في اليمن يتسم ببعد قوي يتعلق بانتقاله عبر الأجيال، فالفقراء من الأسر الفقيرة تعاني الحرمان الناجم من التدني الشديد والمستمر في القدرات، خاصة في مرحلة الطفولة، نتيجة التغذية السيئة، وانتشار الأمراض، وانعدام الحصول على التعليم، ويتوقف مدى انتقال فقر الإباء إلى الأبناء على مدى استثمار الآباء في تنمية قدرات أطفالهم، وهي معدومة في كثير من الأحيان، مما  لا يزيد من فرصة توارث الفقر بين الأجيال.

مقالات مشابهة