المشاهد نت

طلاب وأولياء أمور يتباهون بتمزيق الكتاب المدرسي

تعز – هبة التبعي

ينتشر فيروس سلوكي بين الطلبة يتمثل بتمزيق كتب الدراسة بعد الانتهاء من الاختبارات، في استهتار كبير وصارخ بالكتب ومسيرة عام دراسي كامل قضاها الطلاب بالدراسة والمتابعة والتحفيز والاستفادة مما هو مخزون في بطون الكتب من علم ومعرفة.

اجتياز الاختبار، يعني انتقال الطالب إلى مستويات أعلى، ولا يعني التخلص من كل المعلومات السابقة، إلا أن لهذا السلوك دوافع نفسية وتربوية وتعليمية.

عوامل نفسية لدى الطالب

يقول محمد المعمري، طالب في الإعدادية لـ”المشاهد”: “دائمًا أتخلص من كتبي فور الانتهاء من الاختبار، لأني لا أريد رؤيتها أبدًا في العطلة”.

ويضيف محمد أن العطلة هي وقت استراحة من الجهد والتعب والمذاكرة، ووجود الكتب يسبب له اكتئابًا، ويفسد متعة العطلة.

“وجود الأوراق والدفاتر والكتب الفائضة في المنزل دون الحاجة إليها، يشكل ازدحامًا ومظهرًا لا يروق لنا في المنزل، لذا نرى أن حرقها أو رميها بالقمامة هي طريقة مناسبة للتخلص منها”، تفيد أم محمد.

وتضيف: “المدرسة لا تعطي أبناءنا الكتب، أو تعطيهم بعضها ممزقة.. ونقوم بشراء الكتب كاملة لأبنائنا.. فلم نعيدها للمدرسة؟!”.

ظاهرة تفاقم عجز توفير الكتاب المدرسي

تعاني المدارس من عجز كبير في توفير الكتب، خصوصًا في السنوات الأخيرة، لأسباب عديدة، لكن ظاهرة تمزيق الكتب تفاقم هذا العجز.

تقول مسؤولة الكتب في مدرسة الفجر الأهلية ملك الشرعبي: “تعاني المدارس من عجز في توفير الكتب نظرًا لارتفاع سعره وانخفاض جودته، وقد يتمزق بعد فترة قصيرة من تسليمه للطالب، ليستخدم كتابين في كل فصل. ظاهرة تمزيق الكتاب تفرض عجزًا آخر على المدرسة”.

وتضيف الشرعبي أن تمزيق كتب المدرسة بعد الاختبارات أو قبلها يعود إلى عدة أسباب، أهمها هو التربية الأسرية المبنية على عدم احترام العلم ووسائله، وإشعار الطالب بمدى أهميته، وكذا أهمية التعاون المجتمعي.

“هذا بفلوسي وأنا حر فيه”، هكذا يقول الطالب عند تمزيق الكتاب، بناء على أفكار يزرعها بعقولهم الأهل، توضح الشرعبي.

كما ترى في إشارة لافتة إلى أن تعقيد الاختبارات له دور كبير في هذا السلوك، وكأن الاختبار تحدٍّ مع الطلاب، مما يجعلهم يشعرون بالغضب من المادة، ويقدمون على تمزيق الكتب.

الظاهرة تمتد إلى طلاب الجامعة

ولا يقتصر الأمر على طلاب المدارس، إذ تنمو الظاهرة لترافق البعض إلى أروقة الجامعة. وفي نقاش لمحررة “المشاهد” معها حول الظاهرة، تقول لمياء الشرعبي، وهي كاتبة وطالبة إعلام في جامعة تعز:” أقوم برمي أو تمزيق الكتب والملازم بعد الاختبار، عدا ملازم مقرري اللغة العربية والإنجليزية، لأنها مقررات تعتمد على الفهم، وأحتاجها باستمرار للسنوات المقبلة، وليست كمقررات الحفظ البقية”.

وتضيف أن العملية التعليمية التي يتلقاها الطلاب في المدارس والجامعات، تسبب لهم ضغوطًا نفسية، فيقومون بالانتقام منها بالتمزيق والحرق، خصوصًا الكتب التي تقوم على أسلوب الحفظ.

“أنا شخصيًا لا أتقبل المقررات التي تبنى على الكلمات المتراصفة، والتي أفرغها عند خروجي من قاعة الاختبارات”، تواصل الشرعبي.

إقرأ أيضاً  مركز القلب بتعز... نجاح طبي في زمن الحرب 

هذا السلوك أصبح عادة بالنسبة لها منذ مرحلة الإعدادية، حيث كانت تستخدم مع صديقاتها أسلوب الحرق للشعور بالمتعة والتباهي، كما تقول.

دور الإرشاد التربوي

يحتاج هذا السلوك إلى خطط علاجية متمثلة بفرق تحمي كتاب المدرسة، وتمنع من تفاقم حرقه وتحويله إلى كارثة مقلقة في الميدان التعليمي والتربوي، حسبما يفيد سمير عبدالله.

يقول الموجه التربوي سمير عبدالله لـ”المشاهد” إن هذا السلوك يأتي كرد فعل ناتج عن حشو المناهج بالموضوعات المتعددة غير المهمة، وضغط الاختبارات، ما يولد شعور الكراهية للتعليم، ويدرك الطالب أن لا فائدة منه، وأن النجاح في متناول اليد”.

“عندما يشعر الطالب أنه مجبور على الدراسة من قبل الأهل، ولا تتولد لديه أية رغبة حقيقية بالتعليم، بالإضافة إلى تحول المدرسة إلى مؤسسة مادية وفساد تربوي، وعدم وجود الإرشاد التربوي، وقبول المدارس دراسة المنازل مع ضمان النجاح، كلها أسباب مباشرة تجعل الطالب يرى أن لا فائدة من التعليم، ولا قيمة للكتاب”، يضيف الموجه.

ويؤكد أن تطور التكنولوجيا ووفرة الإنترنت الذي يوفر أية معلومة دون الحاجة للكتب، شجع الطالب على الاستغناء عن الكتاب، بالإضافة إلى توفر الملخصات المختصرة التي يعدها الأستاذ للطلاب، وتساعد أيضًا في تشجيع الطالب على تمزيق كتبه.

ويوضح وجهة نظره التربوية: “إذا أحب الطالب أستاذه فسيحب مادته، ولن يقطع كتابها حتى بعد الانتهاء من اختباره، بل سيكون ذكرى طيبة بالنسبة له، لذا الأستاذ له الدور التربوي الأكبر المستدعي هذا السلوك”.

التقليد الأعمى

وفي حديث لـ”المشاهد” يقول المرشد النفسي محمد عامر: “حسب نظرتي السيكولوجية لهذا السلوك، فإنه يستند إلى تفسرين؛ أولهما نظرية النمذجة، وتعني تقليد الطلاب لمن هو أكبر منهم بدون أن يدركوا الدوافع”.

يبرهن عامر تفسره الأول بحدوث هذا السلوك بشكل جماعي وفردي، ووجوده عند طلاب المستويات الدراسية المتوسطة أكثر من غيرهم، ويعود ذلك لسن المراهقة الممثلة لطلاب هذه المرحلة الذين يتمتعون بالتمرد على كل ما حولهم بسبب التغيرات الجسدية والنفسية التي تصاحب سنهم.

ويطرح تفسيره الثاني بـ”الإحباط واليأس الذي يعيشه المجتمع بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية والنفسية”.

ويضيف: “بهذه الفترة العصيبة أصبح التعليم والمتعلم والمدارس والجامعات يرون أن التعليم عبء وضياع للوقت، وليس شيئًا أساسيًا، وتمزيق الكتاب يعبر عن الاستياء العام نحو التعليم، خصوصًا حينما أصبح حظ غير المتعلمين أفضل من المتعلمين في مجال العمل”.

ويوضح أن “المجتمع يعكس الاهتمامات ليقوم بعد ذلك الأفراد بالبناء عليها، فلو اهتم المجتمع بالعلم والمتعلمين ستجد الطلاب يقدسون العملية التعليمية بكل مكوناتها”.

ويشدد عامر على ضرورة معالجة الأمر من خلال التركيز على هذه الظاهرة ونبذها، والتطرق لمعالجة الإحباط من خلال رفع الوعي لدى المجتمع، وتوضيح أن التعليم هو أول الحلول للأوضاع السياسية والاقتصادية والمجتمعية والمستقبل ككل، فكل هذه السلوكيات ما هي إلا آثار لهذه الظاهرة، ولن تحل الآثار حتى تتم معالجة المشكلة الأساسية.

مقالات مشابهة