المشاهد نت

“وفاة أطفال بأدوية فاسدة” بين يدي القضاء

السلطات في صنعاء تحيل وفاة أطفال بعد حقنهم بأدوية منتهية إلى النيابة

الحسين اليزيدي – صنعاء

أُحيل ملف قضية الأطفال الذين فارقوا الحياة بسبب حقنهم بأدوية فاسدة خاصة بالسرطان في مستشفى الكويت بصنعاء، إلى النيابة العامة، حسب أحاديث مع أهالي الضحايا لـ”المشاهد”.

تلقت عائلات الأطفال الضحايا بلاغًا من وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء، أنه بإمكانهم متابعة سير القضية في النيابة العامة. قال أقارب الضحايا في حديث خاص مع “المشاهد”، في 19 أكتوبر، إن الوزارة اتخذت هذه الخطوة استجابةً لمطالب ذوي الضحايا بالكشف عن أسباب وفاة أطفالهم، وتسليم المتسببين إلى القضاء.

وقعت الحادثة التي راح ضحيتها أكثر من 20 طفلًا، في مطلع شهر أكتوبر، وذاع خبرها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد أسبوعين من وقوعها. لم تعد القضية الآن هامشية، ولم يعد بالإمكان حلها إداريًا في مكتب المستشفى أو وزارة الصحة العامة.

يُصنف القانون اليمني الخطأ الطبي جريمة جسيمة إذا نجمت عنه وفاة المريض. تنص المادة 241 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لسنة 1994: يعاقب بالدية المغلظة أو الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت.”

يرى أقارب الضحايا أن القضاء قد يكشف الحقائق، ويزيل بعض الحزن الذي استقر في بيوتهم منذ أن حلت المصيبة. يتكلم محمد سويد (50 عامًا)، عم أحد الأطفال المتوفين (هاشم، 13)، بصوت حزين ونبرة غاضبة، ويتساءل عن سبب عدم الإفصاح عن المتسببين بوفاة أولادهم.

ويعتقد سويد أن كل التصريحات التي جاءت على لسان المسؤولين في وزارة الصحة، لم تكن كافية للإجابة على أسئلته بشأن الأدوية منتهية الصلاحية التي قضت على 29 طفلًا، بمن فيهم هاشم.

لم يكن هاشم في وضع صحي حرج قبل أخذ جرعة الدواء الخاصة بالسرطان، حسب سويد، بل كان يستعد لمواصلة حياته التعليمية والتسجيل في الصف السابع من التعليم الأساسي، لاسيما بعد التحسن الملاحظ في التقارير الطبية الأخيرة، وتجاوزه مرحلة الجرع الكيماوية. لكن سويد لا يعلم شيئًا عن سبب قرار الأطباء بعودة استخدام دواء الحقن الكيماوي الذي ذهب بهاشم إلى الموت.

التهرب من المسؤولية

بالرغم من فداحة الخطأ الطبي الذي قتل عشرات الأطفال في مكان واحد، لا ترى الجهات المعنية في صنعاء أنها تتحمل جزءًا من المسؤولية، حيث قالت وزارة الصحة العامة، في بيان لها في 13 أكتوبر، إن الحصار الذي يفرضه التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، تسبب في تأخير الأدوية في المنافذ، مما فتح بابًا لتهريب الأدوية التي تسببت بوفاة الأطفال في مستشفى الكويت بصنعاء.

اعترفت الوزارة في بيانها بعدم قدرتها على تأمين الأدوية الحيوية، الأمر الذي دفع الآباء إلى شراء تلك الأدوية من صيدلية نيو فارما (صيدلية خاصة)، والتي باعت دواء منتهي الصلاحية. بعد ذلك، قام اخصائيو وحدة أورام الدم في مستشفى الكويت، بحقن الحالات دون فحصها والتأكد من سلامتها.

بعد ظهور هذه الحادثة إلى العلن، قامت وزارة الصحة بإغلاق صيدلية نيو فارما، لكن أطباء وصحفيين ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، لا يعتقدون أن هذا الإجراء كافٍ، ويتهمون الوزارة بالتهرب من المساءلة، واستخدام الحصار كغطاء لضعف دورها الرقابي على الأدوية المهربة.

إقرأ أيضاً  مبادرات مجتمعية لمساعدة الفقراء في رمضان

مصادر طبية في مستشفى الكويت ترى أن ضعف الرقابة وقلة الخبرة الطبية تسببت بمقتل الأطفال بعد حقنهم. يقول مصدر طبي في المستشفى، فضل عدم ذكر اسمه، إن أطباء قليلي الخبرة -وبدون رقابة من قبل الطبيب العام الذي لم يكن موجودًا حينها- قاموا بحقن الأطفال بدواء منتهي الصلاحية من الصنف (Methotrexate 50 MG/2ML).

في سبتمبر 2022، أصدرت الهيئة العليا للأدوية في صنعاء تعميمًا بعدم استخدام تشغيلات هندية الصنع من الصنف: (Methotrexate 50 MG/2ML). لكن التعميم لم يمنع الصيدليات والأطباء من بيع واستخدام ذلك.

أشار المصدر الطبي في مستشفى الكويت إلى أن مثل تلك الأدوية يجري فحصها، ولا يتم حقن الحالات إلا بعد اطلاع المراقب العام في المركز عليها للتأكد من صحتها. وأضاف: “حاول الأطباء تلافي الحادثة، وجرى نقل الحالات إلى العناية المشددة، لكن للأسف كانت تصل الحالات وقد وافاها الأجل. ومازال البعض إلى حد الآن -من الحالات التي تم حقنها- يعاني المضاعفات”.

رفض مدير مستشفى الكويت أمين الجنيد، الإدلاء بتصريح عن الحادثة، قائلًا إن الوزارة أوضحت كل شيء في بيانها، وأنهم لا يتحملون أية تبعات عن الحادثة، كون الدواء مهربًا، وأن المستشفى قدم لهم الخدمة فقط.

حزن قاتل

بدأ صراع الطفل هاشم مع المرض منذ سنتين، ولم ييأس الأب في البحث عن العلاج طوال تلك الفترة. لكن ما إن فارق هاشم الحياة بسبب جرعات من أدوية ملوثة في مستشفى الكويت في صنعاء، لم يستطع الأب استيعاب الفاجعة، ولم يجد طريقًا للتغلب على الحزن.

في حديث خاص مع “المشاهد”، قال سويد إن والد هاشم كان مصابًا بالسكر، وتدهورت حالته الصحية سريعًا بعد الفاجعة. عقب ثلاثة أيام من رحيل الطفل، لفظ الأب أنفاسه الأخيرة، وذهبا من هذه الحياة معًا، وكان دفنهما في نفس اللحظة.

فاتن (11 عامًا) كانت أحد الأطفال الذين غادروا الحياة بسبب جرعة علاج فاسدة. أسرتها الآن في حزن وحسرة، ولا تعرف كيف تتغلب على تلك المحنة. قبل موت فاتن، كان أبوها يتوقع أن تنجو ابنته من السرطان، وكان يبشره الأطباء أن حالتها مستمرة في التحسن بسبب ضعف الخلايا السرطانية واستجابة جسمها للأدوية. تلك الآمال تبخرت بعد أن ودعت فاتن الدنيا بفعل جرعة من الدواء المهرب.

يجرّم القانون اليمني تهريب الأدوية، حيث يُعاقب كل من يقوم بتهريبها بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن 30% ولا تزيد عن 50% من قيمة البضاعة المهربة مع مصادرتها. وفي حالة التكرار تتضاعف العقوبة، ويستثنى من ذلك الدواء المجلوب لغرض الاستخدام الشخصي للمريض.

يطالب آباء الضحايا بلا هوادة بالكشف عن سبب وفاة أطفالهم، وإحالة المتسببين إلى المحاكمة، وإنزال أكبر العقوبات بالقتلة. ومازال والد فاتن يسأل مرارًا: “لماذا قتلوا ابنتي؟”، مع وصول القضية إلى النيابة العامة، قد يجد السائل جوابًا.

مقالات مشابهة