المشاهد نت

اليمنية سبيع: رسم الجداريات أوصلني للعالمية

توجت الفنانة هيفاء سبيع في أكتوبر الماضي بجائزة سيدز لجداريتها التي تناقش قضايا مجتمعية رئيسية كالسلام وحقوق الإنسان

ذمار – بشرى الجرادي

“سننجو معًا”.. عبارةٌ دأبت الفنانة اليمنية هيفاء سبيع، على تضمينها في رسوماتها، لتبعث برسالة مفادها: “أن النساء اليمنيات قادرات على العطاء والتضحية رغم ما ألحقته بهنّ الحرب”.

ولم يكن ذلك قولًا أو رسمًا على جدارٍ ما، بل أثبتته هيفاء عمليًا، مؤكدةً أن المرأة اليمنية قادرة على صنع المعجزات من بين ركام الحرب، والانطلاق إلى العالمية؛ كما أن بإمكانها حصد الجوائز ومجاراة نساء العالم في مضمار النجاح لتناله بكل تميز.

إلى العالمية

هيفاء سبيع، فنانة يمنية من مدينة ذمار (وسط اليمن)، اشتهرت بالرسم على الجدران، لتدعم عبر لوحاتها الفنية قضايا حقوق الإنسان والوصول إلى التعليم والسلام والاستقرار، بخاصة بعد أحداث الربيع العربي.

وسبيع واحدة من النساء اليمنيات اللاتي تحدين ظروف الحرب، وجعلت من ريشتها منطلقًا ووسيلةً لنقل معاناة اليمنيين، وصوتًا للإنسانية، فوصلت بإبداعاتها إلى العالمية، لتحصد من بين منافسات أخريات جائزة “سيدز” العالمية، قبل أن تترشح لجائزة البينيسي اليابانية.

كما حصلت على ترشيح لسباق الفوز بمعرض بينالي سنغافورة، في العام 2019، لجائزة البينيسي اليابانية للعام ذاته، كأول من يرسم على جدار متحف سنغافورة.

في أكتوبر حصلت هيفاء على جائزة “سيدز” العالمية للعام 2022، والمقدمة من صندوق الأمير كلاوس لدعم الفنون والثقافة، المدعوم من وزارة الخارجية الهولندية.

عوامل التميز

<strong>اليمنية سبيع: رسم الجداريات أوصلني للعالمية</strong>
جدارية المرأة الحامل-عدن-2020-صفحة هيفاء سبيع على الفيسبوك

يقول مراد، شقيق هيفاء، واصفًا عوامل نجاحها: “إنها إنسانة عصامية تعمل بصمت، لا تحب الضجيج، وتكتفي بتطوير مهاراتها وإبداعها والانهماك في عملها، وهذا ما يميزها، ويجعلنا ندعمها ونقف إلى جانبها كأسرة”.

ويضيف مراد، وهو فنان تشكيلي أيضًا، لـ”المشاهد”: “هيفاء تعي جيدًا القضايا التي تتناولها، وكل هذا يجعلني دائمًا أقول عنها إنها امرأة حكيمة، إلى جانب كونها فنانة”.

بدوره، يقول الناشط السياسي فاهم الجبوبي، وهو زوج هيفاء: “إن ما يشعر به المرء تجاه من يحبه أكثر بكثير من أن يُكتب أو يُقال”.

وما يخص هيفاء كفنانة تشكيلية، يقول الجبوبي، “منذ عرفت هيفاء الصديقة والرفيقة والإنسانة المبدعة والمثابرة والشغوفة والمحبة للرسم، وهي تقوم بترجمة ما تحمل من مشاعر إنسانية نحو المجتمع، وتُسخّر موهبتها من أجل قضايا المجتمع اليمني والقضايا الإنسانية ككل”.

ويضيف، في حديثه لـ”المشاهد”: هيفاء إنسانة شديدة الملاحظة والتركيز على كل التفاصيل، ليس أي تفاصيل، بل كل ما له علاقة بالرسم والفن، حتى إنني أشعر أنها خُلقت لترسم!

ويتابع: حب هيفاء للرسم ليس له مدى، وهذا ما أشاهده دومًا، وتحاول دائمًا ابتكار طرق وأساليب جديدة في رسمها، ليس من أجل الإبهار، بل من أجل إيصال رسالتها الإنسانية للناس ولصناع القرار، على أمل إيجاد حلول ومعالجات لما تحمله رسالتها الفنية من أوجاع تتعرض لها شريحة النساء والأطفال.

يقول الجبوبي إن “هيفاء ليس لديها وقت معين أو ظروف خاصة تمنعها من الرسم، فقد خرجت للرسم وهي حامل، لتبدع جدارية بعنوان “سننجو معًا”، وهي الجدارية التي رسمت فيها نفسها وهي حامل بطفلتنا “نادين”، على جدار بمدينة خور مكسر في عدن”.

ويضيف: “كلما خرجنا في نزهة خارج المنزل، أجدها دائمًا تركز على جدران الشوارع العامة بحثًا عن مكان مناسب لرسم جدارية تجسد فيها قضية معينة، وأجد نفسي لاإراديًا أبحث معها، حتى إنني أخطئ طريقي أو نتجاوز المكان الذي نريد”.

مدرسة الشغف

لم تتعلم الفنانة هيفاء، الرسم في مرسم، ولم يشرف عليها محترفو الرسم، وإنما تعلمت ذلك من خلال متابعتها -منذ الصغر- لمجلات فنية، ومشاهدة لوحات لفنانين كبار، وفق حديثها لـ”المشاهد”.

لوحات عدنية

<strong>اليمنية سبيع: رسم الجداريات أوصلني للعالمية</strong>
حملة العنف ضد المرأة-عدن- يناير 2020-صفحة هيفاء سبيع على الفيسبوك

تحدّت هيفاء كل الصعوبات وظروف الحرب التي وقفت أمامها كفنانة وكزوجة وأم وربة منزل.

تقول: رغم معاناتي وما مررت به أثناء حملي بطفلتي نادين، إلا أنه كان لدي رغبة في أن أرسم تجربتي خلال فترة الحمل، وبالفعل رسمت وأنا في الشهر السادس من الحمل، وكنت أركز في رسومات الجداريات على قضايا النساء والأطفال خصوصًا، والقضايا الإنسانية بشكل عام.

أبدعت هيفاء عددًا من اللوحات الفنية على جدران شوارع عدن، وهي الرسومات التشكيلية التي تحاول من خلالها إيصال رسالتها الفنية والإنسانية إلى العالم.

وعن سبب اختيارها للرسم على الجداريات، تقول هيفاء إن ذلك كان بعد مشاركتها في حملتين لشقيقها الفنان مراد سبيع: “لوّن جدار شارعك”، و”الجدران تتذكر وجوههم”، وأيضًا مشاركتها بفعالية “الفن المفتوح”، عام 2012.

وإضافة إلى ذلك، تقول إنها تشعر أن الرسم في الشارع يصل إلى عدد كبير من الناس بمختلف فئاتهم، بخلاف اللوحات في المعارض التي تعد حكرًا على فئة معينة ممن يرتادون هذه المعارض.

إقرأ أيضاً  الهروب من البشرة السمراء.. تراجيديا لا تدركها النساء

وعن شعورها وهي ترسم، تقول: “أشعر من خلال الرسم على الجداريات أنها ستصل بشكل أعمق وأسهل إلى المارة، إضافة إلى أن ذلك يتيح للناس مشاركتي في الرسم والحديث أثناء طرح فكرة معينة حول قضية قد لا أفكر بها، وذلك قد يساعدني في أخذ فكرة عما يجول في خاطر الناس من قضايا يعانون منها”.

تحديات وإرادة

انطلقت هيفاء، في مسيرتها الفنية، منذ طفولتها، مدفوعة بالتشجيع والدعم من أسرتها، بداية من والدها ووالدتها، وإخوانها، وصديقاتها، وهو ما ساعدها على جعل ريشتها تتحدى الصعوبات، وتواجه كل التحديات، وتحقق النجاح.

وتقول لـ”المشاهد”: رغم أن انطباعات الناس حولي كانت مشجعة، إلا أني واجهت عديدًا من التهديدات بالقتل والسجن بسبب تطرقي لمواضيع حساسة، ناهيك عن بعض الكلمات المسيئة لي والسب والشتائم، وهو ما جعلني قوية لمواصلة مشواري الفني وإيصال رسالتي.

وتكشف أن التهديدات لم تطلها وحدها، بل تجاوزتها لتصل إلى أسرتها، معتبرةً إياها -إلى جانب المعوقات الاقتصادية، وتغيرات الوضع الأمني والاجتماعي والسياسي- نتاجًا طبيعيًا للحرب التي أثّرت عليها وعلى أسرتها والمجتمع بشكل جذري.

وعن الدعم الرسمي، تقول سبيع: لم أتلقَّ دعمًا من أية جهة يمنية سواء حكومية أو غيرها، وكل ما قُدم لي هو عرض من إحدى الجهات في سلطة الأمر الواقع، ولأنها “فعالية حرب”، رفضتها، لأن جميع أعمالي مناهضة للحرب.

وعن طريقة حصولها على المال، توضح: هناك من يستخدم صورًا من أعمالي كأغلفة كتب ولأغانٍ، وفي العديد من الدراسات، وهذا يساعد في تمويل أنشطتي، إضافة إلى ما تقدمه أسرتي من دعم، وهذا ما جعلني أصل لهذه المرحلة من النجاح.

التتويج

وحول مشاركاتها الداخلية والخارجية، تقول الفنانة هيفاء: لم أقم بالكثير من المعارض، وأغلب أعمالي أنفذها على جدران الشوارع، ومنها مشاركتي في حملتي شقيقي الفنان مراد سبيع.

وأطلقت هيفاء ثلاث حملات فنية بدايةً من عام 2017، الأولى بعنوان “ضحايا صامتون”، والثانية “حمامة السلام من أجل اليمن”، وحملة النساء والحرب”، إضافة إلى معرض في 2017 بصنعاء، من تنظيم الأمم المتحدة.

وتقول إن “هذه الحملات تناقش قضايا اليمنيين في ظل الحرب عمومًا، والنساء والأطفال بشكل خاص”.

وعن مشاركاتها الخارجية، تشير إلى مشاركتها بمعارض جماعية مختلفة، منها معرض في بينالي سنغافورة عام 2019، بعنوان معرض “الحرب والبشر”، وهو أبرز حدث فني في سنغافورة يقام كل ثلاث سنوات.

وتضيف سبيع: كان لي الشرف بأني أول فنانة ترسم على جدران متحف الفن السنغافوري، ورشحت لجائزة البينيسي اليابانية، والوصول لهذه المرحلة لوحده إنجاز كبير.

وعن هذه التجربة، تقول: “رسمت على مساحة 22 مترًا في إطار معرض الحرب والبشر، الذي رسمت خلاله تسع جداريات تحكي عن اليمن”.

وكان ذلك منطلقًا لتتوّج هذا العام (2022) بالجائزة العالمية الثانية، وهي جائزة “سيدز”، التي تمنح لفنانين وفنانات ومصورين وصحفيين وكتاب من حول العالم.

وتقول هيفاء إنها سعيدة بالحصول على هذه الجائزة من بين مجموعة من الفنانين المتقدمين حول العالم، معتبرة هذا النجاح “إهداء لجميع اليمنيين واليمنيات”.

رسالة الجدران

الفن في نظر هيفاء، رسالة مهمة، فهي تعتقد أن للريشة قدرة على إيصال ما لا تقدر على إيصاله الآلات والكلمات، وقد تختصر رسمة واحدة آلاف العبارات حول قضية معينة.

وتؤكد أن واجب كل فنان أن يهتم بقضية اليمن، وأن يتفاعل بفنه مع القضايا التي تخص المجتمع اليمني، بما فيها القضايا الحساسة التي تخص النساء والأطفال.

وتضيف: ما نمر به كيمنيين ليس بالسهل أبدًا، صحيح نحن شعب قوي ومكافح ومناضل، إلا أنه يجب علينا كفنانين أن نُسخّر الفن في مناقشة هذه القضايا وإيصال رسائل مهمة للمجتمع المحلي والدولي لإيضاح عبثية الحرب، وضرورة أن تتوقف ليعيش الشعب اليمني بسلام وبشكل لائق، كما تعيش بقية الشعوب في العالم.

وعن رسالتها للمرأة اليمنية تقول: ثابري وناضلي وكافحي لأجل حلمك وحقوقك.. صحيح نحن كنساء مخلوقات لطيفة، لكن داخلنا قوة كبيرة لو وُجهت بطريقة صحيحة ستزيل كل العوائق، وستصل كل امرأة إلى مبتغاها.

وعلى المستوى الشخصي، تطمح لأن تواصل الفن وتنجز الكثير من الأعمال تتطرق فيها لمزيد من القضايا الحساسة في اليمن.

وفي ختام حديثها لـ”المشاهد” تمنت هيفاء لكل امرأة يمنية ولكل نساء العالم، أن ينعمنَ بالسلام والأمان وتحقيق الأحلام.. متمنّيةً أن يحل السلام في اليمن، ويعم الفرح والسرور في قلوب اليمنيين الذين يعانون من ويلات الحرب منذ سنوات.

مقالات مشابهة