المشاهد نت

“الحوثي” يثير سخط “سائقي الباصات”

أكثر من 30 ألف باص صغير في مدينة صنعاء - أرشيفية

صنعاء – ميار الحسني

تصاعدت الإجراءات التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد سائقي الباصات الصغيرة “دباب” في مدينة صنعاء؛ الأمر الذي فاقم من معاناتهم في ظل غياب قانون مروري يحميهم من قرارات الجماعة.

فقرارات تغيير وضع الكراسي لمنع تقابل الركاب، تغيير وضع كراسي الباصات من وضع التقابل إلى وضع التوالي، بحيث تكون كراسي الركاب خلف بعضها البعض، تحت مبرر حماية الأخلاق العامة.

مما شكل همًا جديدًا أمام السائقين يتطلب منهم مبالغ مالية لا يستطيعون توفيرها أو مواجهة أعباءها.

فلم يعد البحث عن لقمة العيش أمرًا متاحًا، فأصبح همهم الوحيد الخلاص من الإجراءات المرورية الصادرة مؤخرًا من شرطة المرور في صنعاء، والتي زادت الطين بلةً؛ ليصبح سائقو الباصات بين نيران الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد جراء الحرب من جهة، ونيران ابتزاز جماعة الحوثي لهم في كل مكان يمضون إليه، من جهةٍ أخرى.

وأمام الرقم الكبير لعدد الباصات في مدينة صنعاء، والذي يصل إلى 32 ألف باص، وفق إحصائياتٍ رسمية، فقد أدى القرار الجديد إلى إصابة العديد من السائقين بنوبات خوفٍ متزايدة.

المشاهد” رصد معاناة سائقي الباصات الصغيرة  والأضرار التي لحقت بهم جراء هذه الإجراءات التى وصفوها بـ”التعسفية”.

من مصدر رزق إلى عبء

سائق الباص الخمسيني عبدالواسع محمد، كان يعمل موجهًا في وزارة التربية والتعليم بصنعاء، دفعته ظروف الحرب في ظل انقطاع الرواتب منذ ثماني سنوات إلى التخلي عن منصبه التربوي.

حيث قام ببيع قطعة أرض كان يمتلكها في قريته لشراء باص صغير يعمل عليه منذ الصباح الباكر وحتى وقتٍ متأخرٍ من الليل؛ ليوفر لأسرته قوت يومهم.

وبتأثر، يقول عبدالواسع لـ”المشاهد”: “رضينا بالهم والهم مارضي بنا”، فمن أين لنا الحصول على 30 ألف ريال يمني لتغيير وضع كراسي الباصات، فبالكاد نستطيع توفير قوتنا اليومي من عملنا على الباصات.

ويضيف: جماعة الحوثي لم تترك لنا مجالًا للعيش، فبين فترة وأخرى تصدر قراراتٍ تعسفية تجاهنا، ولا نعرف متى يكتفون ويتركوننا في حالنا.

إجـراءات عشـوائية

الموظف السابق محمد محجوب، (45) عامًا، ترك وظيفته هو الآخر بسبب انقطاع مرتبه، ليبيع كل ما يملك ويشتري باصًا صغيرًا لتوفير لقمة العيش والهروب من الجوع، حد وصفه.

وتابع محجوب لـ”المشاهد”: لكن جماعة الحوثي لا يريدوننا أن نعيش بدون معاناة، ففي كل مرة تقر شرطة المرور إجراءات عشوائية تقلل من حصولنا على قوت يومنا وتوفر لهم مصدر رزق جديد”.

ابتـزاز ممـنهج

بنبرةٍ يمتزِج فيها الأسى بالغضب يتساءل محمد جابر، سائق باص: متى تتوقف جماعة الحوثي عن الابتزاز الممنهج لأصحاب الباصات؟.

وأضاف، ألا يكفيهم أننا نتحمل 12 ألف ريال يمني قيمة الغاز الذي نشتريه كل يومين من السوق السوداء كوقود للباصات، والجبايات اليومية بواقع 100 ريال للذي يقوم بتحميل الركاب، و200 ريال يمني لمندوب الحوثي المدجج بالسلاح، ورسوم يومية ندفعها لنقابة باصات النقل، إضافةً إلى 6 ألف ريال شهريًا تفرض علينا.

السائق جابر واصل حديثه بالقول: لم يكتفوا بذلك، بل أصدرت إدارة المرور مؤخرًا إجراءاتٍ بتغيير وضع الكراسي الخاصة بالركاب، ما يتطلب منا دفع مبالغ مالية تتراوح ما بين 20 – 25 ألف ريال يمني.

وأوضح: الأمر ليس بالهين، ويتطلب ميزانية مادية خاصة للقيام بهذا التعديل داخل باصاتنا، عامًا بأن أجرة الراكب في كل مشوار بـ100 ريال فقط.

ويزيد غاضبًا: “لايبدو أن جماعة الحوثي ستترك  لنا مجالًا للعيش نحن وأبنائنا”.

إجـراء ظـالـم

ويؤكد المواطن عبدالقادر جابر، (34) عامًا، الموظف في إحدى الشركات الخاصة لـ”المشاهد”، أن اختيار الباصات كوسيلةٍ لطلب الرزق هو انعكاس للوضع الاقتصادي المتدهور والمتدني في البلاد.

ولهذا فإن الإجراءات التى تقوم بها جماعة الحوثي من حين لآخر وتطبقها على أصحاب الباصات الذين بالكاد يتمكنوان من الحصول على قوتهم اليومي بعيد تمامًا عن أدنى معايير الإنسانية.

وتتفق معه المواطنة سعاد الجبل، (31) عامًا، التي تصف هذه الاجراءات بـ”الظالمة” تجاه أصحاب الباصات، مستنكرةً الإجراءات التي أقرتها جماعة الحوثي، مؤكدةً أنها لا تجد أي ضرورة لمثل هذا الإجراء.

مـهـلــة مـحـــددة

فيما كشف شرطي المرور فتحي محمد (اسم مستعار) لـ”المشاهد” عن تلقيهم أوامر مشددة من شرطة المرور بمدينة صنعاء للقبض على أصحاب الباصات الصغيرة، وذلك بعد انتهاء الفترة المحددة التى منحت لهم من أجل تغيير وضع الكراسي.

وأشار إلى أن تلك الأوامر رافقها التأكيد على استنادها إلى التعاليم الدينية والهوية الإيمانية، بحسب وصف شرطي المرور.

ووصف فتحي هذا الاجراء بـ”الغوغائي” لعدم مراعاته حالة سائقي الباصات وظروفهم المعيشية المتدنية، وبحثهم المرير عن لقمة العيش، وهذا الإجراء مكلف جدًا بالنسبه لهم، فقد قرر بعضهم بيع باصاتهم وشراء دراجة نارية والعمل عليها هروبًا من النهب والنصب الذي يتعرضون له من قبل إدارة  شرطة المرور من حين لآخر، حد قوله.

وتابع ممتعضًا: نحن بدورنا لا نملك شيئًا سوى تنفيذ التوجيهات والأوامر الموجهة لنا رغم عدم موافقتنا عليها، حيث بقيّ على انتهاء المهلة المحددة أسبوعًا واحدًا فقط.

تكـلــفة باهـضـــة

وبحسب عامل الحدادة مجاهد السامعي، فإن هذه التوجيهات تتطلب جهدًا كبيرًا، وتكلف صاحبها مبالغ باهظة خاصةً مع ارتفاع أسعار الحديد واللحام).

واضاف لـ”المشاهد” أن تكلفة نقل مقاعد الباص تكلف ما بين 25 – 30 ألف ريال، دون حساب تكلفة التنجيد، وهذا العمل نقوم به خلال 6 ساعات، حيث نقوم بفصل الكراسي نهائيًا من الباص، ونضيف لها قطع من الحديد ثم نقوم بقص الكرسي الأمامي حتى يتسنى للركاب الصعود المقاعد الخلفية.

ويكمل حديثه: في حالة وجود كرسي صغير الحجم داخل الباص، وهذا أمر نادر الحدوث نقوم بنزع المقعد من مكانه وتغيير اتجاهه فقط دون قص، وهذه العملية تكلف 15 ألف ريال فقط، وننجزه خلال 3 ساعات.

ويختم: “يتردد علينا الكثيؤ من أصحاب الباصات يسألون عن تكلفة تغيير المقعد في باصاتهم، ونادرًا ما تجد شخص يقبل بالتكلفة، ويتركنا نبدأ بالعمل، فأغلبهم يشكون ضيق الحال وقلة المال ثم ينصرفون”.

آثــار اجتماعية

تتسبب الضغوط النفسية لاي صاحب مهنة بإصابته بأمراض جسدية ونفسية، وهذا الامر يترتب عليه آثار اجتماعية خطيرة، وفق مختصين.

الدكتورة إلهام الكميم أخصائى علم نفس بجامعة صنعاء، تؤكد ل-“المشاهد” أن سائقي الباصات وأصحاب المهن العادية في بلادنا بالكاد يجدون مكسبًا يوميًا يُشبع جوع أسرهم.

وتضيف: “تحت هذه الضغوط التي تُفرض عليهم من حين لآخر من قبل المسؤولين من الطبيعي جدًا أن تفقدهم الرغبة في العيش، كما أنها السبب الرئيسي لإصابتهم بالاكتئاب والقلق الدائم، وقد يصاب البعض منهم بارتفارع ضغط الدم والنوبات القلبية التي قد تؤدي إلى وفاتهم”.

وتابعت: كما أنهم يجدون صعوبة في التركيز وفقدان الذاكرة وضعف القدرة على اتخاذ القرارات، إلى جانب انفعالاتهم الدائمة؛ نتيجة وجود مصدر تهديد في عملهم.

وتختم بالقول: نجدهم في حالة شعور دائم بالحزن، وقد يصل الامر للعدوانية واللامبالاة، وعدم احترام الأنظمة والقوانين المفروضة عليهم.

مقالات مشابهة