المشاهد نت

من ذاكرة الجائحة.. ضحايا شائعات كوفيد-19

أودت الشائعات بحياة المرضى ومنعتهم من الوصول للمرافق الصحية

عدن – سماح عملاق

أصيبت أم عصام ببعض أعراض كوفيد – 19 في صبيحة 13 من مايو/آيار 2021، فأسعفها زوجها إلى مستشفى جبلة الجامعي، في محافظة إب، وسط اليمن.

رفضت مذعورةً الدخول للعناية المركزة، وزاد خوفها حينما ذكر الطبيب إمكانية حجرها الصحي، لتتوفى أم عصام بعد يومين من إصابتها بضيقٍ في التنفس كأحد أعراض حساسية مزمنة، حسب تقرير طبيبتها المختصة.

عصام الحاج (22 عامًا)، يصف مرض والدته بـ”النفسي”، عقب انتشار الشائعات حول المرض، ويوضح لـ”المشاهد”: “قبل وفاة أمي بأسبوع تقريبًا ظهرت شائعة تقول إن الأطباء يحقنون المصابين بما تسمى “إبرة الرحمة”؛ مما جعل معظم الناس يفضلون الموت في منازلهم، وكانت أمي إحدى هؤلاء”.

شائعة “إبرة الرحمة”

في 19 من يونيو/حزيران 2020، نشر (استشاري القلب في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا)، الدكتور حسين علي الويس، عبر صفحته بـ”الفيسبوك” ما نصه: “قبل أيام سرت إشاعة سخيفة عن تخلص الحوثيين من المرضى المشتبه بإصابتهم بالفيروس عن طريق “إبرة الرحمة”.

ويضيف: “نشأت الإشاعة بمستشفى جبلة في إب ثم مستشفى الكويت في صنعاء، قبل أن تعمم على جميع مناطق سيطرة الحوثيين”.

ويشير الدكتور الويس إلى أنه تجاهل الإشاعة في البداية على اعتبار أنها ستتلاشى مع مرور الوقت، لكن هذا لم يحصل.

وأبدى الدكتور الويس أسفه تجاه مرضى فضلوا المعاناة والموت في بيوتهم بدلًا من طلب العون الطبي في المستشفيات، وربما كان أكثرهم يعانون من أمراض قابلة للتعافي لو تلقوا العناية المطلوبة.

فعليًا، بعد وفاة أم عصام في مدينة جبلة انتشرت الشائعة أكثر وشملت مستشفى الكويت في صنعاء، لتعمم بعدها على مناطق سيطرة الحوثيين كاملة، واصفة سياسة جماعة أنصار الله (الحوثيين) تجاه المرض بـ”التصفية الجماعية لأجل الصالح العام”!.

ساد الخوف بعد سريان الشائعة لتشمل سكان مناطق حكومة عدن، وفي هذا الشأن يسرد الطبيب العام بكلية الطب في جامعة تعز، الدكتور هشام فاروق قصة وصول مريضة عمرها 30 عامًا) إلى الإسعاف بالمستشفى الجمهوري في تعز، وتم تحويلها الى قسم العناية القلبية، غير أن المريضة رفضت رفضًا قاطعًا، ورغم محاولة زوجها إقناعها، لكن دون جدوى.

وأضاف فاروق بأن المريضة توفيت، وقال زوجها إن زوجته كانت تقبل يده و قدمه كي لايدخلها العناية المركزة خوفًا من “إبرة الرحمة”، وفق تصريحه لـ”المشاهد”.

الوثيقة السرية

<strong>من ذاكرة الجائحة.. ضحايا شائعات كوفيد-19</strong>
ساهمت حملات التوعية في حماية الأرواح وطرق التعامل مع الوباء

حسب التحقق الذي أجرته منصة صدق المختصة بكشف الشائعات في اليمن فإن الوثيقة المتداولة باعتبارها تعميمًا سريًا من وزير الصحة في حكومة صنعاء، الدكتور طه المتوكل تبين أنها مزورة. وزعمت الوثيقة المزورة أنها موجها لإجازة استخدام إبرة من نوع (Lethal injection) للمشتبهين بالإصابة بكوفيد_19 في المستشفيات؛ لما فيه الصالح العام، حد وصف الوثيقة المزيفة.

وحسب تحقق قامت به معدة التقرير عن الوثيقة نفسها فإن وسائل إعلامية معادية لسلطة صنعاء روّجت هذه الوثيقة، نسبت غالبيتها مصادرها إلى “مصادر محلية مجهولة الهوية”، أو “تفضل عدم ذكر اسمها خوفًا من التصفية”؛ الأمر الذي يُفقدها مصداقيتها لغياب أدلة قطعية تؤكد التعميم ياستخدام هذه الحقنة المميتة في مستشفيات مناطق اليمن الشمالية.

لكن الوثيقة انتشرت بعنوان “سري للغاية” قبل أيام قليلة من اتهامات وزير الإعلام في حكومة عدن معمر الإرياني، لحكومة صنعاء بالتصفية الجماعية للمصابين المشتبه بهم، وكان ذلك في 19 مايو/آيار 2020، لينتشر الخوف بين المواطنين.

الإرياني قال في بيانه: إن “سلطات الحوثيين ترتكب جرائم إعدام جماعي بحق كل مشتبه بإصابته بفيروس كوفيد – 19، عبر ما تسمى (حقن الرحمة) ودون الخضوع للفحوصات اللازمة للتأكد والتدخل العلاجي”.

فيما نفت وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء، بعد يومين، اتهامات حكومة عدن للجماعة بتصفية الحالات المشتبه إصابتها بفايروس الجائحة في مناطق سيطرتها شمالي البلاد، وأكدت مصادر طبية أن تلك الاتهامات عبارة عن “توظيف سياسي للصراع ولاعلاقة لها بالواقع”.

شائعات اللقاح

 قبلت حكومة صنعاء -تحت الإلحاح الدولي- قبول 10 آلاف جرعة من لقاح “استرازيكا” استقطعتها منظمة الصحة العالمية في أبريل/نيسان 2021 لصالح شمال اليمن من إجمالي حصة حكومة عدن، وقد تعذر تسليمها عقب اشتراط الحوثيين توزيعها بمعزل عن إشراف المنظمة.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أدهم عبدالمنعم خلال ندوةٍ عبر الانترنت مع أطباء يمنيين، بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2021، إن “سلطات الحوثيين تراجعت لتطلب بعد ذلك ألف جرعة فقط، لـ500 طبيب، شريطة تطعيمهم تحت إشرافهم الخاص”.

إقرأ أيضاً  مواطنون يشتكون من عدم قدرتهم على التحويل المالي

ورغم أن مدة صلاحية اللقاح انتهت قبل توزيعه كاملًا وحصره على الكادر الطبي والمقربين منهم حسب تصريحات المصادر الطبية والمحلية، إلا أن تعامل معظم مواطني شمال اليمن مع الفيروس -باعتباره مؤامرة أمريكية تستهدف شعوبا بعينها- تأثرًا بخطب زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي عبر قنواتهم في مارس/آذار 2020 قد نشر شائعات أخرى غريبة.

ومن تلك الشائعات أن اللقاح عبارة عن شريحة مغناطيسية في جسد الشخص مما يجعله عرضةً لضربات الطيران التي تقصف المدنيين في شمال اليمن عبر دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

ومنها أيضًا تسبب اللقاح بالموت بعد عامين تقريبًا من أخذ اللقاح، وأن اللقاح يتسبب بالعقم مدى الحياة، والزهايمر المبكر والجلطات والضعف الجنسي وغيرها من الأمراض، مما له صلة بنظرية المؤامرة التي تروج لها وسائل الإعلام التابعة لجماعة الحوثي؛ وما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي بين المواطنين وأكثرها استخداما في اليمن الفيسبوك.

متضررون

من بين المتضررين من هذه الشائعات هم الخط الدفاعي الأول ضد المرض من العاملين في القطاع الصحي، واحدهم هو الأستاذ المساعد في قسم العلاج النفسي بجامعة تعز، الدكتور سامي الصلوي.

يقول لـ”المشاهد”: “اختلفت طرق تعاطي المجتمع اليمني مع هذه الشائعات، البعض تعامل معها بلامبالاة خاصة في بداية ونهاية الجائحة، وبعضهم أخذها على محمل الجد وساهم في نشرها، وهناك من قابلها بالاستنكار والرفض وهي الفئة الواعية”.

ويؤكد الصلوي أن هذه الشائعات انتشرت بفعل البلبلة الناتجة عن تضارب المعلومات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي؛ لتؤثر بشكل كبير على الفئات الأقل ثقافةً ووعيًا بالمرض، لاسيما في بداياته.

الصلوي أشار في حديثه إلى تعامل بعض أفراد المجتمع اليمني مع المرض كنوع من العار “الوصمة” الملتصق بجميع أقارب المصاب؛ ليشعروا بأنهم منبوذون وغير قادرين على البيع والشراء والتعامل مع الآخرين.

وهو ما أثر بالفعل على نفسية الفرد والمجتمع ليعيشوا في أجواء قاتمة من الشك والحذر والعزلة الاجتماعية ضد من لايبالون ولايصدقون بوجود الجائحة فعليا، يقول الصلوي.

ويضيف: إن الأكثر تضررًا من هذه الشائعات هم خط الدفاع الأول ضد المرض من العاملين في القطاع الصحي، خوفًا من نقل العدوى إلى مجتمعاتهم، لاسيما بعد أن أغلقت المستشفيات أبوابها تجاه المشتبه بإصابتهم كنوع من الاحتراز وحفظ السمعة كيلا تفقد عملاءها الهاربين من العدوى.”

وقد فقد المواطن مشير الشرعبي زوجته بينما كان يتنقل بها بين أربعة مستشفيات رفضوا استقبالها بسبب اشتباهها بالإصابة، بعد وفاة زوجة مشير ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخط تجاه سلوك الأطباء آنذاك.

“بعد ذلك تعاونت مكاتب الصحة والشؤون الاجتماعية مع المنظمات التي عملت على التوعية، لتتلاشى هذه الشائعات تدريجيًا”.

“وكان من نتائج هذه التوعية، تراجع حدة تنمر المجتمع اليمني على العاملين في مراكز العزل والمصابين أوالمشتبه بإصابتهم؛ ليكتسب المجتمع اليمني والقطاع الصحي وعيًا لابأس به، وافتتحت مراكز للعزل الصحي في عدة مستشفيات بكل مدينة،” وفقًا لحديث الدكتور سامي الصلوي.

عواقب وخيمة

لمثل هذه الشائعات الكثير من العواقب الكارثية، منها ما تحدثت عنه رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في اليمن، كارولين دوكارم، بأن القلق الأكبر تجاه المرضى الذين يفضلون المعاناة في منازلهم بعيدا عن العلاج الطبي، أن حالتهم تتدهور إلى حد كبير”.

فيما تقول العاملة في إحدى مراكز الحجر الصحي الدكتورة رنا مكرد، “إن المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها لها تأثير مميت قد ينافس أي جائحة وربما زادت ضحاياها عن المرض نفسه.”

وتواصل: “وهذا يدل على تأثير الجهل سلبيًا على مجتمعاتنا، وقد تجاوزت الدول هذه الجائحة بالوعي والعلم مثل إيطاليا التي عصف بها كوفيد – 19، وكانت من أكثر الدول تضررا”.

وأضافت “أن القطاع الصحي في بلادنا لم يقم بدوره كما يجب، بل كان دوره منقوصًا من حيث حملات التوعية والتجهيزات، لاسيما في بداية الجائحة، وقد أصبح أكثر تنظيمًا لاحقًا، لكن بعد أن دفع الثمن غاليًا من سمعته ومكانته وثقة المجتمع اليمني به مع الأسف.”

مقالات مشابهة