المشاهد نت

“الإفلات من العقاب” يفاقم الجرائم ضد الصحفيين

عدن – خليل مراد

في مساء التاسع من فبراير من العام الماضي، زرع مجهولون متفجرات أسفل سيارة الصحفي محمود العتمي وزوجته رشا الحرازي.

انفجرت السيارة وهما في الطريق أثناء ذهابهما للمستشفى للاطمئنان على وضع جنينها. ماتت الصحفية رشا وتقطعت أشلاء قبل أن تصل للمستشفى لوضع ما في رحمها ونقل زوجها للمستشفى وهو بحالة صحية سيئة.

يرجع الصحفي محمد خالد، في حديث لـ”المشاهد”، تزايد حدة الانتهاكات ضد الصحفيين إلى “إفلات المجرمين من العقاب، حيث أصبح المجرمون يستخدمون أساليب مرعبة ووحشية تجاه الصحفيين دون خوف من أحد، ​مما جعل المئات من الزملاء الصحفيين ينزحون إلى مناطق داخل أو خارج اليمن، خوفًا على حياتهم، أو بحثًا عن مصدر دخل بمخاطر أقل، بعد أن تحولت مهنة الصحافة إلى مهنة شبه محظورة أو غير محمية على الأقل، ما لم تمارَس تحت مظلة وتوجهات أحد أطراف الصراع”.

ويضيف خالد أن اليمن تعتبر واحدة من أشد بيئات العمل الصحفي خطورة في العالم، فالعديد من الصحفيين قتلوا وهم يمارسون عملهم الصحفي، والبعض حكم عليهم بالإعدام، ومن جهة أخرى يعاني الصحفي ضغوطًا نفسية وجسدية كثيرة نتيجة الانتهاكات المتكررة.

قضايا حبيسة الأدراج

بعد نحو ستة أعوام ماتزال قضية مقتل الصحفي الاستقصائي محمد العبسي حبيسة الإدراج دون محاسبة الجناة أو التوصل لمرتكبي الجريمة.

في الوقت الذي تقوم الجهات القضائية المعنية بالتحقيق، والتي تتبع جماعة الحوثي، تقوم في الوقت نفسه بعرقلة القضية دون التوصل لمعرفة الجناة الحقيقيين، حسب حديث قبول العبسي، شقيقة الصحفي محمد، لـ”المشاهد”.

قتل العبسي مسمومًا بغاز أول أكسيد الكربون، في الـ20 من ديسمبر 2016، حسب تقرير فريق متابعة قضية الصحفي العبسي، وأخذ عينة من جثمانه وفحصها بالأردن في الخامس من فبراير 2017. أعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين أن الصحفي العبسي قتل مسمومًا بغاز أول أكسيد الكربون، حيث وجدت مادة “الكاربوكسي هيموغلوبين” في الدم بنسبة تشبع 65%، التي تعتبر قاتلة.

إلى جانب ذلك، قالت قبول العبسي إن أسرتها تعرضت للكثير من المضايقات والتهديدات، مما اضطرها للسفر خارج اليمن خوفًا من بطش جماعة الحوثي.

كما تعرض قبر الصحفي للعبث أكثر من مرة، من خلال شطب بعض ملامح القبر، وتلطيخ القبر بالطين، ومن ثم تدميره، بهدف الضغط عليهم للتنازل عن القضية التي مازالت منظورة لليوم دون أية نتائج.

وحول نتائج التحقيقات في قضية مقتل الصحفي العبسي، تقول شقيقته ورئيسة منظمة قرار للإعلام والتنمية المستدامة، قبول العبسي: “بعد أكثر من خمسة أعوام، ورغم كل المطالبات بفتح تحقيق دولي ومحاسبة مرتكبي جريمة اغتيال شقيقي الصحفي محمد العبسي، إلا أن القضية ظلت طي النسيان، وحاولوا تمييعها، لتضاف قضيته إلى جانب قضايا أخرى كثر، وبقيت مجرد أرقام ترصد كانتهاكات”.

إقرأ أيضاً  «بسمة العيد 3» تُواسي الأطفال المحتاجين بعدن

وأضافت أن “التغاضي والسكوت عن قضايا اغتيال الصحفيين والصحفيات، وعدم الجدية في متابعة قضايا الانتهاكات التي يتعرضون لها، تجعل حياة الآخرين في خطر مستمر دون رادع”.

انتهاكات مستمرة

تزايدت الانتهاكات ضد الصحفيين في اليمن منذ اندلاع الحرب عام 2015، بشكل كبير، وأغلب هذه الانتهاكات لا يلقى مرتكبوها العقاب، وفي هذا كان مرصد الحريات الإعلامية قد وثق نحو 2,438 انتهاكًا منذ العام 2015 حتى أكتوبر 2022. https://www.facebook.com/100064388515514/posts/pfbid02jyDsrRSwqo66ESNk1FHKG42p8f5Pys6rRtpayuawP1X5pQUwtWvrgQLAtv58PKQNl/

تنوعت الانتهاكات بين 475 حالة اعتقال، و1000 صحفي سرح من عمله، و153 انتهاكًا ضد مؤسسات إعلامية، و758 انتهاكًا توزعت بين تهديد واعتداء وإيقاف عن العمل وملاحقات وغيرها، كل هذه الانتهاكات مرت دون محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا، حسب التقرير.

يقول التقرير “إن جميع الأطراف المسيطرة في اليمن مارست أنواعًا مختلفة من الانتهاكات الموثقة للحريات الصحفية، بهدف التضييق على حريات الرأي والتعبير، وبدرجات متفاوتة، حيث ينظر كل طرف للصحفيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير من منظوره الخاص”.

ويشير إلى “أن جماعة الحوثي أكثر الأطراف انتهاكًا لحرية الصحافة، بإجمالي 1830 انتهاكًا، و243 انتهاكًا مارستها أطراف تابعة للحكومة اليمنية، و37 انتهاكًا مارستها قوات التحالف بقيادة السعودية، أما تنظيم القاعدة فقد سجل ضده 27 انتهاكًا، و106 انتهاكات سجلت ضد مجهولين، و196 انتهاكًا سجل ضد متنفذين وأطراف أخرى”.

تراكم الإفلات من العقاب

تقول المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، هبة عيدروس، لـ”المشاهد” إن أسباب إفلات المجرمين عن انتهاكات الصحافية من العقاب لغياب الإرادة السياسية وضعف السلطة القضائية، وغياب الإجراءات الفاعلة تجاه مرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي مقدمتهم النساء والأطفال والصحافيون والصحافيات”.

وتضيف: “يجب أن نسعى ونعمل على تأسيس مبدأ عدم الإفلات من العقاب من خلال النص عليه صراحة في أية تسوية سياسية مستقبلًا، وأن يتم تعديل القوانين الجنائية العقابية والإجرائية، وعكس النصوص الدولية في القوانين الوطنية، عدا تلك الماسة بالأسس والمبادئ الإسلامية”.

إنهاء الإفلات من العقاب

وبالتزامن مع اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب ضد الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي تحييه الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر نوفمبر من كل عام، طالبت 33 منظمة حقوقية المجتمع الدولي بضرورة تكثيف جهوده لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين، وعدم إفلاتهم من العقاب، وترسيخ أسس المساءلة القانونية لضمان تمكين الصحفيين من ممارسة عملهم بكل حرية.

وطالبت المنظمات بإسقاط أحكام الإعدام التي أصدرتها المحكمة الجزائية بصنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، قبل أكثر من عامين، بحق أربعة صحفيين محتجزين لديها منذ 2015، وهم: “عبدالخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري”.

مقالات مشابهة