المشاهد نت

هل يؤول اليمن الى النموذج الصومالي؟

تعبيرية

تعز- عبدالعالم بجاش

الكثير من المتشابهات بين تجربتي الحرب الأهلية في كل من الصومال واليمن، بخاصة في المآلات؛ أمراء الحرب، الانقسامات، والتقسيمات اللاحقة جغرافيًا.

يبدو الصومال في حالة تعافٍ نسبية، بعد حرب مدمرة، لكنه لم يغادر بعد مربع الفشل، بعد حرب مريرة خرج منها الصومال منقسمًا إلى مناطق متعددة، تحاول الحكومة الصومالية في مقديشو المدعومة دوليًا، النهوض بعد حرب قوضت البلاد.

وقياسًا بتلك الحرب يبدو اليمن في وضع أصعب، حيث يعيش حربًا أشد ضراوة لأسباب أكثر خطورة ومعضلة، هي أبرز سبب لاندلاع معظم الحروب في العالم: العنصرية.

اندلاع الحرب

اندلع النزاع في الصومال بسبب حكم ديكتاتوري مثله نظام محمد سياد بري، واشتعلت الحرب بعد الإطاحة بنظام سياد بري في يناير 1991، غير أن البلاد انزلقت في اقتتال وحرب أهلية متشعبة امتدت لعقدين، ولم تنتهِ بعد، بحصيلة قتلى قدرت بين ٣٠٠ ألف ونصف مليون قتيل، ونزوح قرابة مليون ونصف المليون شخص. وفي اليمن قوضت الحرب التي أشعلتها جماعة الحوثي التي انقلبت على السلطة عام ٢٠١٥، والمستمرة حتى الآن، قوضت الديمقراطية كليًا في البلاد. ويقارب عدد القتلى منذ بدء القتال حتى 2022، حوالي 377 ألف شخص، وأكثر من أربعة ملايين نازح داخليًا وخارجيًا، حسب الأمم المتحدة.

وصفت الأمم المتحدة عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سجل نظام سياد بري في الصومال الذي استمر 21 عامًا، بأنه “أسوأ سجلات حقوق الإنسان في أفريقيا”.

وفي يناير ١٩٩٠، أصدرت لجنة مراقبة أفريقيا التابعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تقريرًا بعنوان “الصومال: الحكومة في حالة حرب مع شعبها”.

تعود جذور النزاع ضد نظام سياد بري إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث نشأت في الصومال مقاومة عشائرية تمكنت من إسقاط نظام بري عام ١٩٩١.. واندلاع الحرب بين الفصائل المعارضة التي أسقطت النظام.

نظرة إلى الوراء

كان الصومال واحدًا من البلدان التي تعرضت للاحتلال الأجنبي وسياسات التفرقة والتمزيق. يقع الصومال في القرن الإفريقي، تحده من الغرب إثيوبيا، ومن الشرق المحيط الهندي، ومن الشمال خليج عدن، ومن الشمال الغربي جيبوتي، ومن الجنوب الغربي كينيا. يقدر تعداد سكان جمهورية الصومال ذات النظام الجمهوري الائتلاف، بـ16مليون نسمة عام ٢٠٢١، وفق بيانات البنك الدولي. ويبلغ عدد أفراد جيشها ٢٠ ألف فرد فقط.

كان الصومال مسرحًا ممتدًا لصراعات الحرب العالمية الثانية التي امتدت تداعياتها إلى بلدان كثيرة، وكان هناك ما يسمى الصومال البريطاني، ويشمل زيلع وبربرة، والصومال الإيطالي، ويشمل عصب وبنادر ومصوع نسبة لمناطق النفوذ والسيطرة.

كان الصومال البريطاني هو هدف غزو إيطاليا عام ١٩٤٠، وكانت بريطانيا احتلت الصومال عام 1883، باستيلائها على ميناءي زيلع وبربرة، وذلك بعد عقود على احتلالها عدن عام 1839، وتطلعها إلى احتلال الصومال، وقد انتهى الاحتلال البريطاني للصومال عام 1960.

أما إيطاليا فقد قامت بغزو الحبشة عام ١٩٣٥، وقامت قواتها بمشاركة وحدات صومالية بشن هجوم بري على الصومال البريطاني، في مطلع أغسطس ١٩٤٠، خلال معارك شرق أفريقيا كجزء من الحرب العالمية الثانية، وتمكنت القوات الإيطالية في الشهر نفسه من الاستيلاء على مدينة بربرة، وسقوط الصومال بقبضتها خلال أسبوعين.

في العام التالي شنت بريطانيا هجومًا معاكسًا من أراضي كينيا، وتمكنت من استعادة الصومال إلى سيطرتها الاستعمارية بحلول مارس من العام نفسه.

استمر الصومال منقسمًا إلى شطرين البريطاني والإيطالي رغم تقلص التواجد الإيطالي في منطقة القرن الإفريقي، بنهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يتبقَّ سوى ١٠ آلاف فرد من القوات الإيطالية في المنطقة، وقد “أبقت بريطانيا على سيطرتها على شطري الصومال البريطاني والإيطالي كمحميتين بريطانيتين”، إلى جانب تقسيمات أخرى: الصومال الفرنسي جيبوتي، والصومال الإثيوبي وضم إقليم هرر وأوغادين ومناطق أخرى، والصومال الكيني وضم إقليم إنفدي.

واستمر الشطر الشمالي من الصومال “الصومال البريطاني” محمية بريطانية حتى عام 1960، حيث تم إعلان استقلاله عن بريطانيا، وبتفويض من الأمم المتحدة عام ١٩٤٩، سيطرت إيطاليا على الصومال الإيطالي، ومنحتها حق الوصاية بشرط حصوله على الاستقلال التام في غضون عشر سنوات.. خلال تلك الفترة حصل الصوماليون في الصومال الإيطالي على “الخبرات اللازمة والتثقيف السياسي والقدرة على الحكم الذاتي، وهي المزايا التي افتقدها الصومال البريطاني الذي كان مقدرًا له الوحدة مع الشطر الإيطالي من الصومال لتكوين دولة موحدة”.

تم الإعلان رسميًا في ٢٦ يونيو 1960، عن استقلال الصومال البريطاني عن المملكة المتحدة، “أعقبه بخمسة أيام استقلال الصومال الإيطالي، وفي نفس اليوم أعلن رسميًا قيام دولة الصومال الموحدة بشطريها البريطاني والإيطالي، وإن كانت بحدود قامت كل من بريطانيا وإيطاليا بترسيمها”.

تم تشكيل أول حكومة صومالية وطنية وجمعية وطنية مؤقتة واختيار رئيس للبلاد ورئيس للوزراء، وتم تنظيم اقتراع شعبي على الدستور الجديد للصومال عام ١٩٦١، تمت الموافقة عليه بالإجماع. كانت هناك عوائق الوحدة التي تمت بين شطري البلاد عقب الاستقلال، يشبه ذلك الخطوات التي تمت بها الوحدة بين شطري اليمن عام ١٩٩٠، رغم وجود عوائق.

نزاعات عشائرية مبكرة

منذ توحيد شطري الصومال عام ١٩٦٠، ظهرت الخلافات العشائرية، و”استمرت الصراعات القبلية والخلافات بين العشائر الصومالية منذ اللحظات الأولى للوحدة نتيجة للآثار التي تركتها دول الاستعمار في نفوس أبناء الشعب الواحد، والفرقة التي عانى منها الشعب الصومالي طوال فترة الاستعمار”. أما الشطر الثالث من الصومال فقد أصبح مستقلًا باسم جمهورية جيبوتي.

وفقًا للدراسات التاريخية “أصبح الصومال ثلاثة أقسام: فرنسي وإيطالي وبريطاني، استقل الجزءان الإيطالي والبريطاني عام 1960، وكونا جمهورية الصومال المتحدة، واستقل الصومال الفرنسي عام 1977 مكونًا دولة جيبوتي، وكانت جيبوتي قد أصبحت تحت سيطرة وحكم فرنسا منذ عام 1862، وسميت أرض الصومال الفرنسية”.

كانت الانقسامات متجذرة في الصومال، ففي شماله الشرقي هناك جمهورية أرض الصومال المستقلة من جانب واحد وغير المعترف بها دوليًا، وهناك إقليم أوغادين ذو الغالبية الصومالية، والذي قدمته بريطانيا لإثيوبيا نهاية القرن التاسع عشر، نظير خدماتها لصالح الاستعمار البريطاني، وقد حدث نزاع بين الصومال وإثيوبيا عام 1964، تطور إلى نزاع مسلح.

وهناك جزء آخر من الصومال قدمته بريطانيا لكينيا للسبب نفسه في تلك المرحلة، وقد “حدث نزاع حدودي بين الصومال وكينيا عام 1963”.

سياد بري.. نقلة تعليمية واضطرابات

عام ١٩٦٧، في عهد عبدالرشيد شارماركي، رئيس الصومال، اختار محمد الحاج إيجال رئيسًا للوزراء، سيصبح إيجال رئيسًا لجمهورية أرض الصومال لاحقًا، فيما تنتهي حياة شارماركي باغتياله نهاية ١٩٦٩، لتصعد عقب ذلك حكومة عسكرية تستولي على السلطة بانقلاب عسكري بقيادة اللواء صلاد جبيري والفريق محمد سياد بري وقائد الشرطة جامع قورشيل، ليتولى سياد بري رئاسة البلاد وقورشيل رئيسًا للوزراء.

هكذا صعد محمد سياد بري إلى الواجهة، وقام بنقلة نوعية للبلاد على صعيد التعليم، حيث “أقام الجيش الثوري برامج تشغيل واسعة النطاق لتشغيل الأفراد، كما أطلق حملات ناجحة لمكافحة الأمية بالبلاد في المناطق المأهولة بالسكان والمناطق النائية على حد سواء، وكان لهذه الإجراءات أثر فعال في الارتقاء بمستوى إجادة القراءة والكتابة بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت نسبة إجادة القراءة والكتابة بين الصوماليين من 5% إلى 55% بحلول منتصف العقد الثامن من القرن الماضي. وبالرغم من هذا استمرت الاضطرابات في عصر بري، والصراعات على السلطة، الأمر الذي دفعه لاغتيال ثلاثة من وزرائه دفعة واحدة كان على رأسهم اللواء صلاد جبيري نفسه”.

خلال السنوات من عام 1977م وحتى 1991، حدثت ثلاثة نزاعات مسلحة: الحرب ضد إثيوبيا (1977-1978)، والقتال بين الحكومة والحركة الوطنية الصومالية في شمال غرب الصومال، والنزاع بين الحكومة والقوات التحريرية العشائرية خلال الفترة (1989- 1990).

اندلاع الحرب الأهلية

طوال فترة حكمه تبنى سياد بري سياسة شيوعية ماركسية، وحكم البلاد بقبضة حديدية ألبت عليه أطرافًا كثيرة، بما في ذلك العشائر، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية.

تولى محمد سياد بري السلطة في 21 أكتوبر 1969، بانقلاب عسكري، وأطيح بنظامه من السلطة بانقلاب عسكري يوم 26 يناير 1991، لتندلع في إثر ذلك الحرب الأهلية التي كانت مؤشراتها قد بدأت من العام السابق.

وقد اشتعلت الحرب بظهور حركات التمرد في شمال الصومال وجنوبه، والتي سعت لإسقاط النظام العسكري للجنرال محمد سياد بري.

وقد “فشلت جميع الجهود لإقامة حكومة دستورية في البلاد، حيث أعلن الإقليم الشمالي انفصاله تحت مسمى جمهورية أرض الصومال، ودخلت بقية الأقاليم والمحافظات في حرب أهلية مريرة”.

في العام ١٩٩٠ تأجج النزاع باشتعال الخلافات بين رفاق السلاح والمجموعات العشائرية المتمردة التي أطاحت بنظام سياد بري، على النفوذ.

أدت سيطرة النظام القبلي العشائري إلى بروز النزاع بين مجموعتين إحداهما كانت بزعامة محمد فارح عيديد الذي توفي عام ١٩٩٦، وخلفه نجله حسين عيديد، أما المجموعة الأخرى فكانت بزعامة علي مهدي محمد.. اشتعلت الحرب بين المجموعتين، وأدت إلى دمار واسع في الصومال وترويع السكان.

عملية إعادة الأمل

كان من نتائج الحرب بين جماعة عيديد وجماعة مهدي، نشر الخراب في الصومال، حيث تعطلت كثير من الأعمال والإنتاج، كما تفشى الفقر بشكل واسع، وانتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعة، ما دفع المجتمع الدولي للتدخل عبر إمداد السكان بالمعونات الغذائية والطبية، لكن المعونات الإغاثية كانت تنهب، وكان نهب المساعدات وتفاقم الوضع الإنساني سببًا لقيام الأمم المتحدة، وبدور أمريكي بارز، بإرسال قوات حفظ السلام ضمن عملية أطلق عليها “عملية إعادة الأمل”.

حدث الأمر نفسه في التجربة اليمنية، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية عن “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل”. والسعودية عضو في رباعية دولية تضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والإمارات، تعد طرفًا رئيسيًا تولت ملف اليمن عقب انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران، على السلطة الشرعية اليمنية، في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، واشتعال الحرب مطلع عام ٢٠١٥، وهو ما دفع لتدخل عربي عبر الإعلان عن التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وهو تحالف عسكري بقيادة السعودية ضم ٩ دول، وحظي بقبول دولي، ضمن مهمة إنهاء الانقلاب الحوثي، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦.

تركز الدور الأممي في الصومال، بخاصة منذ الثالث من ديسمبر ١٩٩٢، حيث وافق مجلس الأمن الدولي على القرار رقم 794، الذي تم بموجبه تكوين قوة حفظ سلام بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وسميت “يونيتاف”، بهدف إحلال السلام والعمل فى مجال الإغاثة الإنسانية، ثم استبدالها بقوات إفريقية.. جاء قرار مجلس الأمن “بعد تقارير عن موت 30 ألف مدني صومالى بسبب المجاعة في أقل من سنة”.

أخفقت قوات حفظ السلام الدولية في مهمتها في الصومال، والهادفة لوقف النزاع والسيطرة على الجماعات المتصارعة، ما دفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى سحب معظم القوات عام ١٩٩٥. وكانت قوات الأمم المتحدة قد وصلت إلى الصومال أوائل العام 1993، “وقد كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قد وافق على إرسال الجنود الأمريكيين إلى الصومال على أساس أنها مهمة إنسانية قصيرة المدى كما قال: “لينهوا المجاعة ويرحلوا”، ولكن تم إقناع خليفته بيل كلينتون أن يمدد مهمة قواته حتى إقامة حكم مدني في الصومال”.

بعض المصادر التاريخية تقول إن “مهمة الأمم المتحدة انتهت في 3 مارس 1995، بفشل ذريع، دون استتباب الأمن، ولا عودة الحكومة”.

في اليمن مايزال التحدي الراهن هو استتباب الأمن واستقرار الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في العاصمة المؤقتة عدن. إذ مايزال استقرار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة، أمرًا تكتنفه مخاطر الهيمنة من طرف واحد هو المجلس الانتقالي الجنوبي حليف الإمارات العربية المتحدة، والحاكم الفعلي لعدن.

وبعد سبع سنوات من الحرب الأهلية اليمنية، جمد التحالف العربي عمليًا تدخله العسكري المباشر، وجمد طلعاته الجوية بعد الإعلان عن هدنة برعاية الأمم المتحدة، بدأت في أبريل ٢٠٢٢، وتم تمديدها مرتين حتى ٢ أكتوبر، حين رفضت جماعة الحوثي تمديد الهدنة مجددًا لستة شهور.

جهود حل النزاع في الصومال

في الصومال، اتفقت أطراف النزاع عام 1997، على عقد اجتماع في القاهرة بهدف التوافق على إقامة حكومة انتقالية في البلاد. وتم عقد مؤتمر الصلح في 22 ديسمبر من العام نفسه، والاتفاق على جملة نقاط منها وحدة الصومال، تلى ذلك خوض الأطراف صراعًا بسبب تنصل أطراف من بعض الاتفاقات التي تم إبرامها.

في اليمن، عُقدت جولات متعددة للمشاورات السياسية بين أطراف النزاع، وتعثرت معظم الاتفاقيات، بخاصة الاتفاقيات التي تمت مع جماعة الحوثي التي تنصلت من معظم الاتفاقيات، وينظر إليها حتى يومنا باعتبارها الطرف المعرقل لجهود السلام وفق مجريات الصراع وتصريحات عدة أطراف.

بالعودة إلى الصومال، وخلال الأعوام من عام ١٩٩٧ وحتى ٢٠٠٠، استمرت الجهود السياسية لحل النزاع بالطرق الدبلوماسية، لتجتمع الفصائل الصومالية المتنازعة في أكتوبر ٢٠٠٠، في جيبوتي، وتتفق على اختيار عبده قاسم صلاد حسن رئيسًا للبلاد، وعلي خليف خليف رئيسًا للوزراء.

المحاكم الإسلامية في الصومال

أدى انسحاب معظم قوات حفظ السلام إلى بروز المحاكم الإسلامية، وسيطرتها في الصومال، مما أثار المخاوف من توسعها.

وذكرت بعض المصادر أنه “بعد انسحاب الولايات المتحدة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، قامت حرب أهلية قبلية شرسة استمرت زهاء الأربعة عشر عامًًا متواصلة، أصبح خلالها نظام المحاكم الإسلامية هو النظام الأقوى في الصومال. وبدأت المحاكم في فرض سيطرتها بعد الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة الصومالية”.

يعتقد بعض الباحثين أن بروز المحاكم الإسلامية قد “أدى إلى جذب الانتباه الدولي إلى الصومال مرة أخرى، وسعت العديد من الأطراف الدولية، منها اليمن، إريتريا، إثيوبيا والولايات المتحدة، إلى التدخل في شؤون الصومال؛ إما لوقف تقدم المحاكم الإسلامية خوفًا من تحولها إلى بذرة جهاد على نسق حركة طالبان، أو للحفاظ على مصالحها التاريخية فى الصومال”.

حرب ٢٠٠٦- ٢٠٠٩

كانت أعنف معارك الحرب الأهلية الصومالية في جنوب الصومال مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بينما تراجعت حدة القتال في شمال الصومال منتصف التسعينيات، بخاصة خلال عامي ١٩٩٧ و١٩٩٨، حيث شهد الشمال”إعلان حكومتين ذاتيتي الحكم”، وبحلول عام ٢٠٠٠ تم تشكيل حكومة وطنية انتقالية استمرت حتى العام ٢٠٠٤، حيث تم إعلان حكومة اتحادية انتقالية. في العام التالي عاد النزاع وتصاعد بخاصة في الجنوب، بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٧.

مرحلة التفتت والفوضى

تفتت الصومال منذ وقت سابق لسنوات الصراع واندلاع الحرب، وقبل الإطاحة بنظام سياد بري، حيث أعلن قيام عدة دول ذات حكم ذاتي أو انفصالية. بدأت هذا المسار ما سميت دولة أرض البنط، تلتها بعد سنوات إعلان انفصال وقيام دولة الصومال الجنوبية الغربية، ودولة أرض الجوبا.. مشهد من التمزقات، تصاعدت خلال وجود الحكومة الفيدرالية الانتقالية.

إن اليمن في الوقت الراهن، مهدد بالانزلاق إلى مشهد مماثل لما حدث في الصومال أثناء النزاع، ما يجعل لتجربة الحرب والنزاع الصومالي أهمية كبيرة وإرشادية بالنسبة لليمنيين لتلافي منزلقات مشابهة.

ففي الشمال الشرقي للصومال أعلن عام ١٩٨٨، وقبل اندلاع الحرب الأهلية، عن قيام دولة أرض البنط، من قبل عشيرة هارتي، وهي فرع من قبائل دارود، باعتبارها “دولة منفصلة ذان حكم ذاتي”، أبدت استعدادًا للمشاركة في تشكيل حكومة دستورية جديدة بدستور جديد.

أما دولة «الصومال الجنوبية الغربية» فقد أعلنت انفصالها عام ٢٠٠٢، وقيام الحكم الذاتي في مناطق باي وباكول وجوبا الوسطى وجدو وشبيلا السفلى وجوبا السفلى، بفعل جيش الراحانيين الذي تأسس عام ١٩٩٥، والذي أسس للانفصال وإعلان حكم ذاتي على تلك المناطق، وكانت سيطرته الفعلية فقط على باي وباكول وأجزاء من جدو وجوبا الوسطى، مشهد شبيه بوضع المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لإقامة دولة الجنوب العربي في جنوب وشرق اليمن حاليًا على حدود عام ١٩٩٠. يسيطر حاليًا المجلس الانتقالي في اليمن على عدن، أبين، لحج، شبوة، وسقطرى، ويسعى لاستكمال سيطرته على حضرموت والمهرة.

إقرأ أيضاً  غروندبرغ يعقد اجتماعات في العاصمة واشنطن

دولة الصومال الجنوبية الغربية الناشئة عام ٢٠٠٢، سارعت لإعلان انفصال حكمها على المناطق الست وإعلان مدينة بيدوا عاصمة. لم تكن الدولة الناشئة تحت نفوذ جيش الراحانيين وحدهم، وأصبحت الدولة الناشئة “مركزًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية منذ فبراير 2006”.

وكانت الحكومة الفيدرالية الانتقالية عقدت عام 2004 مؤتمرًا في العاصمة الكينية نيروبي “لرسم الخطوط العريضة للدستور الصومالي الموحد الجديد، وأعلنت مدينة بيدوا عاصمة لها”.

شهد العام ٢٠٠٦ إعلان انفصال مناطق أخرى في الصومال وإقامة ما سميت دولة أرض الجوبا أو الجوبالاند، وحكم ذاتي على أراضي مناطق جدو وجوبا الوسطى وجوبا السفلي داخل الصومال الجنوبية الغربية، وأعلنت حكمًا ذاتيًا، وأنها لا تسعى للاستقلال عن دولة الصومال، وتريد الوحدة تحت اتحاد فيدرالي يضم كل مناطق الحكم الذاتي بالصومال.. في ذلك العام جرى استئناف الاقتتال والصراعات العشائرية والقبلية.

تحول إعلان الحكم الذاتي وسيلة للعديد من المناطق لتحاشي ابتلاعها، وللحفاظ على فرصها في شراكة ندية على ما يبدو.

جمهورية أرض الصومال

في الفترة ما بعد ١٩٩٥، أنشأت الأمم المتحدة مكتبًا في كينيا لمتابعة الوضع في الصومال، وفي الحالة اليمنية الراهنة هناك مكتب في الأردن لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.

وباشرت الأمم المتحدة في إسناد مهمة السيطرة على الوضع في الصومال إلى الاتحاد الإفريقي، وفي ١٩٩٩ قدم الرئيس الجيبوتي عمر جيلة خطة سلام، وفي مارس ٢٠٠٠ تم تكوين حكومة صومالية انتقالية كانت ضعيفة وبلا سلطة فعلية على الارض، مع بروز نزعة الانفصال لمناطق وأقاليم الصومال، وإعلان قيام عدة دول فيه.

من بين الكيانات التي أعلنت حكمًا ذاتيًا أو سعت للاستقلال، كانت بونت لاند أو جمهورية أرض الصومال.

أعلنت بونت لاند استقلالها من جانب واحد عام ١٩٩٨، وأعادت إعلان انفصالها المؤقت عام 2002، وأدى ذلك لاستقلال الصومال الجنوبية الغربية.

ومنذ 1998 وحتى العام ٢٠٠٦، تصاعدت نزعة الانفصال والاستقلال، وبلغ الانقسام ذروته في الصومال.

عودة الحرب ٢٠٠٦

عام 2006 اندلعت معارك عنيفة بين تحالف قادة مقديشو العسكريين المعروف باسم “تحالف حفظ السلام ومكافحة الإرهاب”، وجماعات مسلحة موالية لاتحاد المحاكم الإسلامية، والأخير اتهم الولايات المتحدة بخرق اتفاقية حظر بيع السلاح المفروض على الصومال للفصائل المتحاربة هناك، بشكل مخالف لقوانين الأمم المتحدة.. وصفت تلك المعارك بأنها الأعنف، وسقط مئات المدنيين ضحايا.

خسر تحالف حفظ السلام ومكافحة الإرهاب المعركة، وسيطر اتحاد المحاكم الإسلامية على مقديشو في يونيو ٢٠٠٦، وانتهت المعركة بسقوط مدينة جوهر الجنوبية دون قتال، وهي آخر المدن الحصينة التابعة للتحالف، وإعلان نهاية جيش حفظ السلام، وفرار فلوله شرقًا أو نحو إثيوبيا التي أعلنت عزمها التدخل عسكريًا لحماية مدينة بيدوا التي تتمركز فيها الحكومة الفيدرالية الانتقالية. وفي ٢٠ يوليو وصلت القوات الإثيوبية إلى الصومال، فيما أرسل اتحاد المحاكم الإسلامية عربات خارج الصومال نحو الحدود الإثيوبية.. وفي ٢٥ سبتمبر “اندفعت مليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية نحو ميناء كيسمايو، وهو آخر الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية الانتقالية”، فيما اجتاحت القوات الإثيوبية والصومالية بيورهكبا في أكتوبر، وردًا على ذلك أعلنت المحاكم الإسلامية الحرب على إثيوبيا.

ومع إعلان المحاكم الإسلامية بدعم من إريتريا الجهاد ضد إثيوبيا بعد إعلان الأخيرة دخولها رسميًا في الحرب، و”تركزت قواتها حول بيدوا، اندلع القتال بين المحاكم الإسلامية من جهة والحكومة الصومالية الفيدرالية والقوات الإثيوبية من جهة أخرى، وعانت المحاكم الإسلامية من سلسلة من الهزائم في العديد من المعارك، وانحسرت قواتها إلى مقديشو، وهزمت نهائيًا في معركة جوهر في ٢٧ ديسمبر 2006، واستسلم كبار قادتها، وبعد معركة جيليب في 31 ديسمبر 2006، سقطت كيسمايو في يد الحكومة الصومالية الفيدرالية، منهية بذلك عهد المحاكم الإسلامية.. ودخل الصومال بعدها في دوامة كبيرة من حرب غريبة أطرافها كثيرة، سقط فيها مئات المدنيين”.

في يناير 2009 سحبت إثيوبيا جنودها من الصومال، ليتولى آلاف الجنود من وحدات الاتحاد الإفريقي مهمة مساعدة الحكومة الصومالية الضعيفة على فرض سلطتها، غير أن انسحاب إثيوبيا أدى إلى سقوط النصف الجنوبي من الصومال في أيدي فصائل الإسلاميين مجددًا، وتكبدت الحكومة وقوات الاتحاد الإفريقي هزيمة في عدة مناطق رئيسية. وفي مايو من العام نفسه “هاجم الإسلاميون العاصمة مقديشو، واستولوا على معظم المدينة، لكنهم فشلوا في إسقاط الحكومة التي بقيت تسيطر على بضعة كيلومترات مربعة من المدينة”.

أول حكومة مركزية منذ اندلاع الحرب

خلال عام ٢٠٠٦، سيطرت القوات الإثيوبية على معظم مناطق جنوب الصومال، فيما انقسم اتحاد المحاكم الإسلامية إلى عدة جماعات متطرفة، أبرزها حركة الشباب التي استمرت في حربها ضد الحكومة الصومالية الاتحادية التي أعلنت عام ٢٠٠٤، و”قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي المكلفة بالسيطرة على البلاد. تصدر الصومال مؤشر الدول الهشة السنوي لست سنوات بين عامي 2008 و2013.. وفي أكتوبر 2011 دخلت القوات الكينية جنوب الصومال، ضمن عملية أطلق عليها ليندا نشي لمحاربة حركة الشباب المتطرفة، ولإنشاء منطقة عازلة داخل الصومال، وتم دمج القوات الكينية رسميًا داخل القوة المتعددة الجنسيات في فبراير 2012، كما تم إنشاء الحكومة الاتحادية في الصومال في أغسطس 2012، لتشكل أول حكومة مركزية دائمة في البلاد منذ بداية الحرب الأهلية”. ولأول مرة يتم وصف الصومال بأنه دولة هشة، وأنها تحقق بعض التقدم نحو الاستقرار.. في اليمن قال رئيس وزراء الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، معين عبدالملك، في أكتوبر ٢٠٢٢، إن اليمن لأول مرة منذ اندلاع الحرب عام ٢٠١٥، يحقق نموًا بنسبة ٢%، بحسب البنك الدولي.

تحالف إعادة تحرير الصومال

كان من نتائج انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال، خسارة الحكومة الصومالية سيطرتها على مناطق واسعة، وتم توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين مجموعة إسلامية منشقة تحت قيادة شيخ شريف شيخ أحمد، هي تحالف إعادة تحرير الصومال، باعتباره ممثلًا للإسلاميين المعتدلين والحكومة الفيدرالية الانتقالية.

عقب ذلك “انفصل تنظيم الشباب عن اتحاد المحاكم الإسلامية، رافضًا اتفاق السلام، وسيطر على مناطق تشمل بيدوا. استمرت مجموعة إسلامية أخرى هي أهل السنة والجماعة التي تحالفت مع الحكومة الانتقالية، ودعمت من قبل إثيوبيا، في مقاتلة تنظيم الشباب، وسيطرت على مدن مثله”.

حصلت المعارضة الإسلامية المعتدلة ممثلة بتحالف إعادة تحرير الصومال، على 200 مقعد في البرلمان الصومالي، وانتخب زعيمه، شيخ أحمد، رئيسًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية، نهاية يناير 2009.

استمرت الحرب الأهلية ضد تنظيم الشباب لسنوات تالية، وماتزال الحرب غير منتهية بشكل رسمي.

مجاعة ونهب المساعدات الإغاثية

وفقًا للمصادر التاريخية “كثير من المساعدات الإنسانية التي قدمت للصومال إما نهبت أو نقلت أو بيعت أو لم تصل لمستحقيها. فبتحكم أمراء الحرب في كيف يتم توزيع الطعام كانوا يقوون أنفسهم ويزيدون شوكتهم في مناطق نفوذهم”.

هذا المشهد يتكرر في الحالة اليمنية، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نهب الانقلابيين الحوثيين للمساعدات الإغاثية في مناطق سيطرتهم وتحكمهم بالمساعدات الإغاثية المقدمة للشعب اليمني.

في يوليو 2011، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا وجود مجاعة في جنوب الصومال، توفي قرابة ٣٠٠ ألف صومالي بسبب المجاعة التي تفاقمت بسبب عرقلة الجماعات المسلحة دخول المساعدات الإغاثية إلى البلاد.

تقسيم الصومال ومخاوف تكراره في اليمن

كان من نتائج الحرب هجرة وتهجير معظم سكان الصومال.. وتقسيم البلاد إلى خمسة أجزاء هي الحكومة المركزية الرسمية في مقديشو والمدعومة دوليًا، وجمهورية أرض الصومال المنفصلة رسميًا بإعلان ذاتي من جانبها، وغير المعترف بها دوليًا، وبلاد بنط شبه المستقلة لم تعلن انفصالها، والصومال الجنوبية الغربية شبه مستقلة ولم تعلن انفصالها، وجوبا لاند وولاية أرض جوبا وإقليم أوغادين الخاضع لهيمنة وسيطرة إثيوبيا.

إن أسوأ سيناريو تمضي باتجاهه الحرب الأهلية اليمنية، هو النموذج الصومالي، في ظل إصرار جماعة الحوثي الانقلابية على عرقلة جهود السلام، وفرض نهجها العنصري وتوجهها الإمامي لإعادة تكريس نظام حكم سلالي مرفوض من غالبية أبناء الشعب اليمني.

كما أن وجود جماعة عنصرية موالية لإيران تسيطر على صنعاء ومعظم مناطق شمال اليمن، عزز نزعات ترى الخطر والتمزق قائمًا نتيجة أفعال جماعة الحوثي نفسها، وتكريسها عمليًا للانفصال من خلال فرض انقسام نقدي أدى لوجود عملة وطنية بقيمتين مختلفتين، وتغيير المنهج الدراسي، وتغيير التاريخ باعتمادها التقويم الهجري، وبالتالي تعطي مبررًا للمجلس الانتقالي الجنوبي للمطالبة بتسريع انفصال الجنوب عن الشمال على حدود ١٩٩٠.

الصومال اليوم.. هل انتهت الحرب؟

ماتزال الحرب غير منتهية في جنوب الصومال، الصراع المسلح لايزال مستمرًا منذ عام ٢٠٠٩، بين قوات الحكومة الانتقالية الفيدرالية الصومالية التي حصلت على اعتراف دولي عام ٢٠١٣، والمدعومة من الاتحاد الإفريقي وقوات حفظ السلام، وبين فصائل إسلامية على رأسها حركة الشباب الإسلامية. تتوزع خارطة السيطرة عسكريًا حاليًا في سيطرة الحكومة الفيدرالية وحلفائها على مقديشو العاصمة وجزء كبير من أراضي البلاد، وهناك أجزاء من الصومال تحت سيطرة حركة الشباب وحلفائها، وجزء من الصومال تحت سيطرة دولة صومالي لاند أو جمهورية أرض الصومال، ومنطقة متنازع عليها بين صومالي لاند ودولة أرض النبط.. حسن شيخ محمود المنحدر من قبيلة هوية، هو رئيس الصومال العاشر، انتخبه البرلمان الصومالي في ١٥ مايو ٢٠٢٢، وهو رئيس حزب السلام والتنمية.

بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال تعهدت مؤخرًا بمواصلة دعم عملية السلام في البلاد، بالتعاون مع القوات الصومالية، رغم الهجمات المتزايدة لحركة الشباب الإسلامية، التي ماتزال تشن هجمات تستهدف مقار حكومية وفنادق ومطاعم وقوافل تجارية وغيرها.

في مارس ٢٠٢٠، أعلنت الحكومة الصومالية سداد جميع المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، بعد حصولها على قرض قصير الأجل من النرويج.

وكانت الحكومة طرحت أول مناقصة للتنقيب عن النفط عام ٢٠١٩.. تطمح الحكومة لبناء الاقتصاد دون اللجوء للمساعدات الأمريكية.

منطقة أوغادين أو ما يطلق عليها “الصومال الإثيوبي” مايزال تحت الاحتلال الإثيوبي، ومنطقة إنفدي الصومالية، وتسمى الصومال الكيني، تحت الاحتلال الكيني حتى الآن.

تقاسم عشائري للسلطة

يتم تقاسم السلطة على أساس عشائري، وفق اتفاق عقدته في جيبوتي عام ٢٠٠٠، والذي حدد صيغة ٤.٥، وهي صيغة توزيع الحصص الأربع من مقاعد مجلس النواب والشيوخ الصومالي، بالتساوي على العشائر الأربع الكبرى، وهي: دارود وديى وهوية وديحل وميريفلي “الراحانيون”، فيما نصف حصة للمجموعة الخامسة، وتشمل جميع العشائر والإثنيات الأخرى، وهي: المدغتن واليبر والبانتو والجاريروين والحمراويون والبراوين والبنادريون.

وفي ٢٠٢٠ طرح قانون انتخابي على البرلمان يشرع لحق الاقتراع العام، حيث تطمح بعض القوى لعقد انتخابات عامة مباشرة، وتعارض ذلك قوى سياسية تقول إن ثمة عوائق، منها الضعف المؤسسي للبلاد. واندلعت أزمة دستورية حادة في فبراير ٢٠٢١، عاد معها شبح الحرب الأهلية بعد عشر سنوات من الاستقرار النسبي، واضطرت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات إلى البقاء بنظام الانتخابات غير المباشرة، مع إدخال بعض التعديلات.

دور إماراتي يثير القلق في الصومال واليمن

تواجه الحكومة الصومالية تحديات، أبرزها الانتقال إلى نظام الانتخابات المباشرة، والتهديدات الإرهابية التي تمثلها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، والمسيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، وتشن هجمات متكررة على العاصمة مقديشو، بالإضافة إلى تحديات أخرى اقتصادية، وملف دولة أرض الصومال صومالي لاند، في ظل مفاوضات متعثرة بين مقديشو وحكومة صومالي لاند لحل أزمة معقدة وقائمة منذ ٣٠ عامًا. يعتقد أن إثيوبيا لعبت دورًا عام ٢٠١٦، يمهد الطريق لنيل جمهورية أرض الصومال الاعتراف الدولي، وذلك من خلال دورها الوسيط لتوقيع اتفاقية ملزمة قانونيًا بين حكومة جمهورية أرض الصومال والإمارات العربية المتحدة، لتطوير ميناء بربرة.

وتزامنًا مع فرض نفوذ الإمارات في عدن وسواحل جنوب وشرق اليمن، وقعت موانئ دبي العالمية مع حكومة أرض الصومال اتفاقية لتطوير وإدارة ميناء بربرة لمدة ٣٠ عامًا، وتواردت الأنباء أن إثيوبيا لها وجود في إدارة الميناء، وحصلت على حصة ١٩% في الصفقة. تلك مخاوف الحكومة في مقديشو، أما الحكومة المحلية في هرجيسيا عاصمة صومالي لاند التي تنعم بالاستقرار، فقد وجدت مصلحتها في تطوير مينائها بربرة عبر الاتفاق مع شركة عالمية تعمل في مجال الموانئ العملاقة، هي شركة موانئ دبي العالمية.

ومنذ مشاركة الإمارات في تحالف دعم الشرعية في اليمن منذ عام ٢٠١٥، بسطت أبوظبي نفوذها فعليًا، وعبر المجلس الانتقالي الجنوبي، ومكونات أخرى تدعمها، على معظم الموانئ والمدن الساحلية اليمنية، بما في ذلك سقطرى، وهناك مخاوف واسعة تعم البلاد من سياسة الإمارات لتعزيز الانقسام ودعم توجهات انفصال الجنوب، والأخطر من ذلك استماتتها للهيمنة على سقطرى والوصاية عليها، ومباشرة أنشطة ثقافية واقتصادية في المجتمع السقطري تهدف لربطها بالهوية الإماراتية، ما يثير مخاوف الساسة في اليمن من أطماع أبوظبي. رغم سيطرة الإمارات على معظم موانئ ومنافذ اليمن، لم يشهد أي ميناء تطويرًا يذكر حتى اليوم.

دروس من التجربة الصومالية

على مدى ٢١ عامًا، يحاول الصومال جاهدًا الخروج من نفق الحرب التي لم تنتهِ، وسط استمرار لآثار الحرب ونتائجها الكارثية التي أدخلت البلاد في نفق الدولة الفاشلة، وتسببت في مجاعة وتهجير السكان إلى مخيمات نزوح غارقة في البؤس وفقر وفاقة وجفاف وأمراض، كما خلفت مدنًا مدمرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ونهب للمساعدات الإغاثية أو منع دخولها ووصولها إلى السكان المستحقين لها.

إن الجوانب الكارثية للحرب تبدو مشهدًا مكررًا مألوفًا في الحرب الأهلية اليمنية الأكثر شدة وضراوة من الحرب الأهلية الصومالية، وبينما تعود محركات النزاع في الصومال إلى العصبية القبلية العشائرية، فإن جذور ومحرك النزاع في اليمن يعود إلى العنصرية التي تنتهجها جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وسعيها لفرض نهج التفرقة والتمييز العرقي على غالبية الشعب اليمني.

ومثلما كان الصومال ساحة لصراع له بعد دولي، كذلك هو اليمن ساحة لصراع دولي أشد وأعتى أحد أطرافه إيران ونظامها المعروف بتطرفه ونزعته التوسعية وأطماعه في الهيمنة على المنطقة عبر مليشيات شيعية، ونظرته لليمن باعتبارها ساحة معركته المتقدمة ورأس حربة مشروعه للهيمنة وبسط النفوذ.

إن الدرس الأهم من تجربة الحرب الصومالية هو سهولة إشعال حرب وصعوبة إنهائها، وفيما تسنى لجماعة الحوثي، بدعم قوي من إيران، إشعال وتفجير الحرب مطلع عام ٢٠١٥، يصعب حتى الآن إيقاف هذه الحرب التي ألحقت دمارًا كبيرًا باليمن، ومزقت كيانه الاجتماعي، ودفعت بالبلاد إلى الفشل والفقر والأوبئة، مع خسائر بلغت أضعاف خسائر الحرب الصومالية خلال ثلث فترة تلك الحرب التي طالت لعقدين. في حين تستمر الحرب اليمنية للعام الثامن بخسائر مضاعفة حتى الآن على صعيد الضحايا، بخاصة في صفوف المدنيين، وتبعات الحرب، وأخطرها زراعة قرابة مليوني لغم من قبل طرف واحد، هم الحوثيون.

لم ينجح الصومال حتى الآن في تجاوز آثار الحرب، رغم خفوت حدتها للحد الأقصى، ويحاول بصعوبة تجاوز الفشل، ما يضع اليمن أمام تحديات مضاعفة لتجاوز الحرب وآثارها الكارثية على البلاد والأجيال. إن أعظم تحدٍّ اليوم، بالإضافة إلى وقف الحرب وإنهائها، هو معالجة آثار حرب عبثية، دمرت اليمن على مختلف المستويات، وستبقى آثارها لزمن طويل.

مقالات مشابهة