المشاهد نت

الكهرباء في اليمن.. أزمة “مزمنة”

تعز – مبارك اليوسفي

تعتبر الكهرباء إحدى أهم الخدمات الضرورية والأساسية لأي مجتمع، وهي حقٌ لا غنى عنه، لكن الوضع في اليمن أصبح مختلفًا، إذ أصبحت الكهرباء فقط لمن استطاع إليها سبيلًا، فعلى ما يبدو أن المواطن اليمني قد نسي حقه بالحصول على الكهرباء بعد ثماني سنوات من الحرب والصراع الذي تسبب بإخراج الكهرباء الحكومية عن الخدمة طوال تلك السنوات. إذ تسببت الحرب المشتعلة منذ مارس/ آذار 2015، بإخراج الكهرباء الحكومية عن الخدمة، ومنذ ذلك الوقت ظلت صنعاء ومدن يمنية أخرى في ظلامٍ دامس لسنوات، فيما كان المواطنون يبحثون عن أي بديل مؤقت، وظل أمل الكثير بعودة التيار الكهربائي الحكومي، غير أنه لم يعد.

وعلى مر السنوات ظلت الكهرباء في اليمن أبرز مشكلة تواجه المواطنين، فيما فشلت الحكومات المتعاقبة في إيجاد أي حلول لتلك المشكلة، وعجزت الدولة عن توفير الكهرباء إلى مختلف المناطق، لاسيما القرى والمناطق النائية، فيما كانت معظم المدن اليمنية قد تم توصيل الكهرباء إليها، غير أن القدرة الفعلية للكهرباء الحكومية لم تكن قادرةً على تغطية احتياج تلك المناطق بالكامل، وكانت تلجأ مؤسسة الكهرباء إلى قطع الكهرباء على بعض المناطق لساعات من أجل سد فراغ المناطق الأخرى التي تقوم بتغطيتها.
وفي الواقع تكمن مشكلة النقص الحاد في اليمن، وبحسب دراسة نشرت في يونيو عن وضع الكهرباء في اليمن، بعنوان:

مراجعة لوضع الطاقة الحالي في اليمن والتحديات والاستراتيجيات وآفاق استخدام أنظمة الطاقة المتجددة. في أن الدولة لم تستطع تلبية احتياجات السكان للطاقة الكهربائية، فقد كانت سعة الطاقة المركبة في اليمن عام 2009 حوالي 1.6 جيجا وات، وكان هناك حاجة إلى 0.25 جيجاوات من أجل تغطية كامل المناطق التي وصلت إليها الكهرباء. وقد وصل احتياج الكهرباء في 2020 إلى حوالي 3.5 جيجاوات.
وكانت تسببت المظاهرات المناهضة للنظام عام 2011، بانخفاض الطاقة الكهربائية الحكومية إلى 70%، وذلك بسبب مغادرة بعض الشركات والعاملين الأجانب في شركات الطاقة، ومن جهة أخرى فإن عمليات استهداف أبراج الكهرباء وأنابيب النفط في السنوات التالية، بالإضافة إلى اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015، فاقم المشكلة، وتسبب بإخراج الكهرباء عن الخدمة.
وبحسب الدراسة، فإن الكهرباء الحكومية كانت غطت حوالي 11% من قطاع الصناعة والزراعة، و17% من الأماكن التجارية، و55% من المنازل الحضرية في المدن والأماكن القريبة لها، بينما لم تصل سوى 3% في القرى والأرياف، و11% في أماكن أخرى، وتعتبر هذه الإحصائية هي لجميع الأماكن التي كانت مغطاة بالكهرباء.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن النفط شكل حوالي 98.4% من مصدر الطاقة في اليمن، في العام 2000، وكانت في تلك الفترة تعتمد الكهرباء الحكومية والخاصة على مشتقات النفط لإنتاج الطاقة، وفي وقتٍ لاحق تراجعت تلك النسبة، لاسيما بعد دخول محطة مأرب الغازية في الخدمة، إذ تراجعت النسبة إلى 76% من حيث اعتماد الكهرباء على المشتقات النفطية، وشكل اعتماد الكهرباء على الغاز الطبيعي حوالي 16% من إجمالي الطاقة.
وتمتلك اليمن 4 محطات رئيسية لتوليد الكهرباء، تعتبر محطة مأرب الغازية هي أكبر المحطات، كونها تولد طاقة كهربائية قدرها 350 إلى 400 ميجاوات، تليها محطة الحسوة الغازية في عدن بقدرة تصل إلى 200 ميجاوات، ومحطة المخا في تعز بقدرة تصل إلى 160 ميجاوات، ومحطة رأس كتنيب في الحديدة بقدرة تصل إلى 150 ميجاوات، وهناك أكثر من 20 محطة كهربائية أخرى في مناطق مختلفة من اليمن تولد أكثر من 700 ميجاوات، بحسب وزارة الكهرباء والطاقة

بحسب وزارة الكهرباء والطاقة، وتنتج جميع المحطات الكهربائية حوالي 1600 ميجاوات.

وتعتمد الكهرباء بشكل أساسي في اليمن على محطات توليد الطاقة التي تعمل بالنفط، بنسبة 45% من إجمالي الطاقة، بينما تعتمد 32% من إجمالي الطاقة على الطاقة البخارية لتوليد الكهرباء، فيما تشكل نسبة 22% اعتمادها على الغاز الطبيعي.

وتسببت الهجمات العسكرية في اليمن منذ العام 2015 بخسائر فادحة على قطاع الكهرباء، إذ انخفض معدل توليد الطاقة الحكومية، والذي كان يشكل حوالي 60% في 2014، إلى حوالي 10% عام 2017، وقد تعرضت كثير من محطات توليد الطاقة في مناطق مختلفة للتدمير الكلي أو الجزئي، فيما ساءت حالة البعض بسبب الإهمال وعدم الصيانة لسنوات.
وكان تم إعادة تشغيل بعض محطات الكهرباء المعتمدة على مادة الديزل في بعض المدن من أجل توليد الكهرباء بعد سنوات من إيقافها، وبهذا الصدد يقول الصحفي والباحث الاقتصادي رشيد الحداد إن إعادة تشغيل تلك المحطات تكرس الفشل، ولا تعتبر حلًا لمشكلة الكهرباء، وذلك بسبب تكاليف تشغيلها الباهظة، ويرى أن الحل يكمن في إعادة تشغيل محطة مأرب الغازية، والعمل على استكمال المرحلة الثانية لتطوير المحطة، وهو أنسب حل لمشكلة الكهرباء، إذ إن محطة مأرب يمكن أن تغطي معظم المدن بعد استكمال مرحلتها الثانية.
في العام 2016 امتلأت الأسواق اليمنية بأنظمة الطاقة الشمسية، والتي كانت في ذلك الوقت البديل الأكثر رواجًا، وتوجه محمد البعداني وغيره كثير من الناس لشراء منظومات الطاقة الشمسية. يقول البعداني إنه لجأ إلى استخدام الطاقة الشمسية لأنها بديل مهم في تلك الفترة، إذ إنه كان يظن أنه بهذا الحل سيحل المشكلة، غير أن البضائع الرديئة التي ملأت الأسواق جعلته يعدل عن الفكرة بعد تجربتها لسنوات دون أية فائدة.
ولجأ كثير من الناس في تلك الفترة إلى الطاقة الشمسية، إذ بلغت قدرة الكهرباء التي تنتجها الطاقة الشمسية في اليمن في نهاية العام 2016، نحو 300 ميجاوات، بحسب تصريح لموقع الطاقة للدكتور محمد الشعبي، مدير الطاقة المتجددة بوزارة الكهرباء والطاقة في الحكومة المعترف بها دوليًا، رئيس مركز أمناء المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
في الصدد ذاته، لجأ المزارع صالح المطري إلى شراء منظومة شمسية كلفته نحو 5 ملايين في ذلك الوقت، من أجل استمرار نشاطه الزراعي المعتمد على المياه بعد ارتفاع أسعار الديزل، غير أن القدرة الكهربائية التي تنتجها منظومته الخاصة غير كافية، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، حسب قوله.

إقرأ أيضاً   " مضغ القات" مع السكر أوساط اليمنيين

الكهرباء التجارية بديلًا آخر

في وقتٍ آخر، حلت محطات كهربائية تجارية محل الكهرباء الحكومية في عدة محافظات، فيما عادت الكهرباء الحكومية في أجزاء قليلة في مدنٍ عدة، لكن المحطات التجارية باتت المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة، وهي معتمدة على استهلاك مادة الديزل ومحكومة باستقرار أسعاره.
الجدير بالذكر أن بعض تلك المحطات قامت باستخدام كابلات الكهرباء الموجودة في الشارع، والتي تعود ملكيتها لمؤسسة الكهرباء الحكومية، وهذا ما اعتبره البعض تعديًا على الممتلكات العامة، بالمقابل فقد نجحت هذه المحطات بتوصيل التيار الكهرباء إلى أماكن عدة، وأصبحت صنعاء ومدن أخرى مضيئة، غير أن المستهلك يجب عليه دفع أسعار باهظة مقابل الخدمة.
ويشكو مواطنون من ارتفاع متكرر لأسعار الكهرباء التجارية، بالإضافة إلى دفع المستهلك رسوم اشتراك شهرية لأصحاب المحطات مضافة على فاتورة الاستهلاك. وبحسب استطلاع أجراه معد التقرير عن أسعار الكهرباء الحكومية والتجارية في عدة مدن، فإن أسعار الكهرباء في مناطق سيطرة انصار الله (الحوثيين) تتراوح بين 400 و500 ريال للكيلووات الواحد، بينما يدفع المستهلك أيضًا مبالغ تتراوح بين 1600 و2500 قيمة اشتراك تدفع شهريًا، بينما تتراوح أسعار الكهرباء الحكومية في المناطق ذاتها بين 250 إلى 350 ريال للكيلووات الواحد و 500 ريال شهريا تدفع بالاضافة الى فاتورة الاستهلاك، بينما يدفع المستهلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا بين 800 و1000 ريال للكيلووات من الكهرباء التجارية، فيما تتواجد الخدمة الحكومية في بعض المناطق هناك برسوم رمزية. وكان سعر الكيلووات من الكهرباء الحكومية حتى 2014 ما بين 6 و9 ريالات فقط.
وبالمقارنة مع أسعار الكهرباء في دول العالم، فإن موقع GlobalPetrolPriceshttp://GlobalPetrolPrices المختص برصد أسعار الطاقة والكهرباء في العالم، يشير في رصده الأخير إلى أن دولة برمودا تعتبر أغلى دولة في العالم من حيث سعر الكهرباء، إذ يدفع المواطن هناك 0.412 دولارًا للكيلووات الواحد، ولم يذكر الموقع اليمن بسبب عدم وجود بيانات صحيحة يمكن أن يعتمد عليها، وبسبب توقف منظومة الكهرباء الحكومية. وتعتبر اليمن أغلى من برمودا بحوالي ضعفين، إذ يدفع المواطنون حوالي دولار واحد للكيلووات، وهو ما يعني أن اليمن هي الدولة الأغلى عالميًا من حيث أسعار الكهرباء المنزلية.

أنتجت هذه المادة بالتعاون مع شبكة صحفيي البيانات في اليمن

مقالات مشابهة