المشاهد نت

مخاوف من تصعيد مرتقب في اليمن

تحركات ميدانية وعسكرية تنذر بتصعيد جديد في اليمن بعد إنتهاء مونديال قطر

عدن – سامي عبدالعالم

تصعيد إيراني متوقع في المنطقة باستخدام اليمن، عقب انتهاء مونديال قطر 2022. باحثون ومراقبون للشأن الإقليمي يرون أن التطورات والمجريات الراهنة تشير إلى تصعيد وشيك، خاصة بعد زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، وانعقاد ثلاث قمم مع الصين؛ سعودية، خليجية وعربية.

ميدانيًا، أصدرت جماعة الحوثي “أنصار الله” بيانًا عسكريًا، مساء الجمعة 16 ديسمبر الجاري، اتهمت فيه قوات التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، بارتكاب خروقات لما سمتها الهدنة، وذلك بعد مرور أكثر من شهرين على انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر الماضي، نتيجة رفض جماعة الحوثي تمديدها.

بيان الجماعة قال إن قوات التحالف ارتكبت خروقات من بينها تحليق طائرة تجسسية وقصف صاروخي ومدفعي على مواقع مسلحيها في مناطق مختلفة. وفي وقت سابق للبيان، اتهمت الجماعة الجيش السعودي باستهداف مواقعها في مديريات بمحافظة صعدة على حدود المملكة.

تحركات أخرى وبيانات تظهر هي الأخرى توجسًا سعوديًا إماراتيًا، من تصعيد إيراني حوثي محتمل قد يستهدف منشآت حيوية في البلدين. حيث دعت الإمارات، في بيان لها نهاية نوفمبر الماضي، مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات على جماعة الحوثي “نتيجة استمرار نهجها العدائي تجاه الشعب اليمني وحكومته الشرعية”، وهو ما “يظهر مدى التهديد الذي تشكله على الأمن والسلم في المنطقة”.

الإمارات تتوعد برد حازم

رغم توقف هجمات جماعة الحوثي على السعودية والإمارات، وشن الجماعة هجمات على موانئ يمنية لتصدير النفط في مناطق سيطرة الحكومة في حضرموت وشبوة، أسفرت الهجمات عن توقف التصدير، إلا أن التوجس الخليجي عاد مجددًا من عودة تلك الهجمات باتجاه السعودية والإمارات. ويبدو ذلك من لهجة التحذير الشديد للإمارات من أية هجمات على دول الجوار، وتتوعد بأن أي تصعيد من قبل الحوثيين ضد دول الجوار “سيتم الرد عليه عسكريًا من قبل التحالف العربي، وبشكل فوري وحازم”.

القمم الثلاث مع الصين هي محاولة لدعم تعدد الأقطاب في العالم، وهي خطوة جيدة استراتيجيًا، لكن تكتيكيًا أثارت غضب الولايات المتحدة، ولا أستبعد أن تغض واشنطن الطرف عن الحوثي وإيران في الفترة القادمة، ما لم تظهر السعودية وتبادر بخطوة استباقية

بيان الإمارات الذي أدلى به أمام مجلس الأمن، السفير محمد أبو شهاب، نائب المندوبة الدائمة للإمارات في الأمم المتحدة، عبر عن “قلقها العميق إزاء استمرار خروقات حظر الأسلحة المفروض بموجب القرارين 2216 و2624، حيث ضبطت البحرية الأمريكية، منتصف نوفمبر 2022، ما يقارب 170 طنًا من المواد المتفجرة في خليج عمان”.

وقال السفير أبو شهاب، في بيان بلاده: “نؤكد أن أي تهديد من قبل جماعة الحوثي الإرهابية للدول المجاورة أو إطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة، يعتبر عدوانًا مباشرًا على تلك الدول، وسيقابله رد مباشر وحازم من قبل التحالف العربي”.

اليمن المضمار المفضل لإيران

تتفق آراء العديد من الباحثين اليمنيين على توقع تصعيد إيراني في الأيام المقبلة، باستخدام الورقة اليمنية.

يقول الباحث السياسي عبدالرحمن الحميدي لـ”المشاهد” إن “المنطقة على أبواب موجة تصعيد جديدة متوقعة من جانب النظام في إيران، بخاصة في ظل اضطراب الوضع الداخلي هناك، وحاجة النظام لافتعال مشكلات خارجية من باب الهروب من أزماته الداخلية، ويبدو أن بطولة كأس العالم في قطر أجلت قيام النظام في إيران بالتصعيد، بخاصة عبر استهداف السعودية”.

يقول الحميدي: “لنتذكر عند بداية اندلاع الاحتجاجات الشعبية في إيران، تصريحات وتهديدات قائد الحرس الثوري الإيراني الذي اتهم دولًا خارجية، وخص بالذكر السعودية، بتمويل الاحتجاجات في بلاده، وتوعدها برد قاسٍ”.

رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد، قال هو الآخر لـ”المشاهد”: “في اليمن نشهد فعلًا حالة اللاسلم واللاحرب، لكنها فترة مؤقتة، لسببين؛ الأول الانتخابات النصفية الأمريكية، وقد انتهت، ننتظر انتهاء كأس العالم في قطر، وأتوقع بعد انتهاء مونديال قطر عودة التصعيد، هناك أهداف إيرانية تريد طهران تحقيقها، وأهداف حوثية على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي”.

في السياق، يرى الكاتب والباحث السياسي عبدالله الدهمشي أنه “من المرجح في الأيام القادمة أن تستخدم طهران ذراعها العسكرية في اليمن، لمواجهة تداعيات الاحتجاج الشعبي في الداخل، وضغوط العقوبات الغربية من الخارج”.

ويشير الدهمشي في حديثه لـ”المشاهدة”، إلى “أنه في الأسابيع الماضية لم تكن هناك سوى مناوشات محدودة رغم انتهاء الهدنة، ومع ذلك من المرجح أن نشهد تصعيدًا”.

ويقول: “مر شهران على عدم تجديد الهدنة الإنسانية المتعثرة في اليمن، لم نشهد فيها مواجهات عسكرية لأطراف الصراع المدمر غير  مناوشات محدودة في جبهات عدة، ومحاولات حوثية استهدفت موانئ تصدير النفط، غير أن ذلك قد يتغير في الفترة المقبلة”.

في الاتجاه ذاته، يتحدث عبدالسلام محمد عن أهداف إيرانية مؤجلة مؤقتًا، ويأس إيراني ينذر برسائل تهديد للخليج، ويقول لـ”المشاهد”: “بالنسبة للإيرانيين هم ينظرون أنهم فشلوا في الاتفاق النووي، وفشلوا في تحقيق تقارب مع السعودية، وبالتالي يطمحون لإرسال رسائل تهديد لمجلس التعاون الخليجي”.

مخاوف سعودية

مؤشر آخر على قلق السعودية أيضًا من عودة التهديد الحوثي لمنشآتها، بخاصة في ظل الوضع الداخلي المأزوم للنظام في إيران، وحاجته لافتعال شغب بالمنطقة.

فبعد فترة ركود طويلة للتحالف العربي بقيادة السعودية، وتهدئة، ظهرت مؤخرًا تصريحات عسكرية سعودية شديدة اللهجة ضد جماعة الحوثي. حيث قام اللواء الركن السعودي سلطان البقيمي، قائد قوات الدعم والإسناد بالتحالف العربي في الداخل اليمني، بمرافقة رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية، قائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير بن عزيز، بزيارة تفقدية إلى جبهات المنطقة العسكرية السادسة في محافظة الجوف اليمنية، في 14 ديسمبر الجاري.

من المرجح في الأيام القادمة أن تستخدم طهران ذراعها العسكرية في اليمن، لمواجهة تداعيات الاحتجاج الشعبي في الداخل، وضغوط العقوبات الغربية من الخارج

اللافت في الزيارة تصريحات اللواء البقمي الذي قال إن “السعودية تقف إلى جانب اليمنيين حتى القضاء على جماعة الحوثي الإرهابية”.

إقرأ أيضاً  تسجيل إصابات بالكوليرا في أبين

وقال إن “المعركة التي يخوضها الجيش الوطني اليمني هي معركة مصيرية للحفاظ على أمن واستقرار اليمن والمنطقة العربية من تهديدات تنظيم جماعة الحوثي الإرهابية التي تنفذ الأجندة الإيرانية التدميرية”.

يرى عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات، أن “موضوع السلم والحرب والتهدئة المؤقتة في اليمن فرضته قضايا إقليمية ودولية، منها الانتخابات النصفية الأمريكية، ومباريات كأس العالم في قطر”. مضيفًا أن “هذه فترة مؤقتة قبل معاودة التصعيد لأهداف إيرانية وأخرى حوثية، بالنسبة للحوثيين هم يبحثون عن هدنة تعطيهم حق الشراكة في النفط، وأيضًا دفع الرواتب دون الحديث عن الاتفاقات السابقة”.

الملف اليمني في الانتخابات الأمريكية

 تتداخل عدة عوامل لتقرير حالة الحرب في اليمن، إذ يرى الكاتب والباحث السياسي الدهمشي أن “دخول واشنطن معارك الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم، يجعل الإدارة الأمريكية تسعى للدخول من بوابة النجاح في وقف الحرب في اليمن، باعتبار هذا النجاح وعدًا انتخابيًا لبايدن، وأولوية في سياسة إدارته الخارجية، ولهذا ستفرض الولايات المتحدة الأمريكية على الحوثيين هدنة موسعة، لكن فشل مفاوضات الملف النووي تهدد الجهود الأمريكية”.

غضب أمريكي من التقارب مع الصين

وعن السيناريو المرجح خلال الأيام والفترة المقبلة، يقول محمد: “السيناريو الذي أرجحه أتوقع أن تشهد المنطقة بعد انتهاء كأس العالم، تصعيدًا، ربما تصعيد إيراني بضوء أخضر غربي أمريكي، والسبب أن التقارب السعودي الصيني أغضب الأمريكيين بشكل كبير، ويبدو أنه سيكون هناك تغاضٍ أمريكي باتجاه الحوثيين وإيران”.

وبشأن التقارب الخليجي مع الصين وتبعاته، يرى الدهمشي أن السعودية كانت موفقة بالانفتاح على الشرق، مع الاحتفاظ بعلاقاتها مع الغرب.

ويقول: “نجحت السعودية في فتح طرق استراتيجية لمسارات علاقاتها الدولية، محتفظة بالتحالف مع الغرب من جهة، ومن جهة أخرى منفتحة على علاقات جديدة مع الشرق”.

لكن هل سيمر الانفتاح السعودي على الشرق ممثلًا بالصين، دون تبعات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية؟

الملاحظ على صعيد الموقف الرسمي السعودي، هو تكرار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، تصريحات محددة تتضمن رسالة بلاده وتضميناتها للحلفاء الأمريكيين والغربيين، في محاولة لتهدئة الموقف الأمريكي الممتعض.

وفي تصريحات بثتها قناتا العربية والحدث، قال بن فرحان إن مصالح الولايات المتحدة في بلاده محفوظة، وأن العلاقات مع واشنطن متينة وتاريخية.

وحول الخطوة السعودية باستضافة الرياض ثلاث قمم مع الصين، قال عبدالسلام محمد، إن “القمم الثلاث مع الصين هي محاولة لدعم تعدد الأقطاب في العالم، وهي خطوة جيدة استراتيجيًا، لكن تكتيكيًا أثارت غضب الولايات المتحدة، ولا أستبعد أن تغض واشنطن الطرف عن الحوثي وإيران في الفترة القادمة، ما لم تظهر السعودية وتبادر بخطوة استباقية لأي حدث يمكن أن يحدث في المنطقة”.

من وجهة نظره، هناك ضغوط أمريكية على السعودية، وتهديدات موجهة للسعودية، حيث “تتعمد واشنطن إظهار أن الحوثي يشكل تهديدًا للمملكة، وبالتالي الضغط على السعودية حتى لا تقوم بأي إجراء لحماية أمنها، وما لم يحدث إجراء استباقي من جانب السعودية لحماية أمنها، باعتقادي أن الحوثيين وإيران يريدون القيام بتصعيد وإرسال رسائل تهديد لأمن الخليج، وخاصة السعودية”.

القمة الخليجية الصينية المنعقدة في الرياض، في 9 ديسمبر الجاري، أدانت كافة الهجمات الإرهابية التي تشنها جماعة الحوثي على الأهداف المدنية في السعودية والإمارات والداخل اليمني، وفي الممرات المائية وطرق الملاحة الدولية.

البيان الختامي للقمة دعا كافة الدول إلى التعاون لمكافحة هذه الأعمال، والتقيد بحظر السلاح المنصوص عليه في قراري مجلس الأمن 2216 و2624.

 دور مصري جديد

في بيان للقوات المسلحة المصرية، في 13 ديسمبر الجاري، أعلن تولي مصر قيادة قوة المهام المشتركة (153)، وتتمثل هذه المهام في مكافحة أعمال التهريب، والتصدي للأنشطة غير المشروعة بخاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

هذا الموقف أثار حفيظة جماعة الحوثي التي هددت، على لسان وزير الدفاع في حكومة صنعاء غير المعترف بها، محمد العاطفي، والذي رد بأن جماعته “اتخذت كافة الإجراءات التي تضمن التعامل بقوة وحزم مع أي تطور يمثل تهديدًا أو مساسًا بالسيادة الوطنية أو الاقتراب من السيادة البحرية”، على حد تعبيره.

المخاوف من تصعيد إيراني في الممرات المائية، ومنها البحر الأحمر وباب المندب، تبدو طاغية، وتقف وراء التحركات والترتيبات الاحترازية لعدد من الدول، يلاحظ ذلك من بيان المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية على الصفحة الرسمية له على “فيسبوك”، حيث قال إن مصر “تتولى قيادة القوة 153 انطلاقًا من دورها المحوري وتعاونها الوثيق مع القوات البحرية للدول المشاركة، لتحمل مسؤولياتنا المشتركة نحو تحسين البيئة الأمنية بكافة المناطق والممرات البحرية، وتوفير العبور الآمن لحركة تدفق السفن عبر الممرات الدولية البحرية، والتصدي لكافة أشكال وصور الجريمة المنظمة التي تؤثر بالسلب على حركة التجارة العالمية ومصالح الدول الشريكة”.

وبالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تضم قوة المهام المشتركة 153، السعودية ومصر والإمارات والأردن.

وأضاف بيان القوات المسلحة المصرية، أن ذلك يأتي في إطار جهود القوات المسلحة المصرية، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الشقيقة والصديقة، لمواجهة التهديدات والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، واستكمالًا للمشاركة المصرية الفاعلة في القوة البحرية المشتركة”.

مقالات مشابهة