المشاهد نت

منبهات السيارات لغة التعامل لدى السائقين في اليمن

سائقي المركبات في اليمن يستخدمون المنبهات دون قيود - شارع المتحف عدن - ارشيف

المشاهد -خاص – محمد الخيواني :
عزيزي السائق، هل طريقك مزدحم وتود إفساح المركبات لعبور سيارتك؟ أتريد مناداة شخص ما أو الشراء من الباعة المتجولين وجلب الركاب؟ هل تود لفت انتباه الحسناوات ومغازلتهن؟… إذن ما عليك سوى “ضرب الهووون” ويفضل التكرار والضغط باستمرار.
وهكذا يكاد يكون الهون أي ابواق السيارات، الناطق باسم الكثير من سائقي المركبات والدراجات في كل حدث ولكل حين، لتعزف شوارع العاصمة صنعاء لحنا مجلجلا فيه من النشاز ما يجعله مصدرا رئيسيا للتلوث السمعي.
طنين أبواق السيارات يتعالى ويأخذ بالازدياد الى حد جنوني، في أوقات الذروة، كساعات الظهر تحت وطأة حرارة الشمس، حين تمتلئ الطرقات بالحافلات ووسائل النقل العام وسيارات المواطنين العائدين لمنازلهم والمتوجهين لأسواق القات وتناول وجبة الغداء في مطاعم المدينة.
وكذلك قبيل الغروب الى ما بعد العشاء، حيث تبدأ المتسوقات والمتسوقون وغيرهم بالعودة إلى منازلهم، ومغادرة المخزنين لمجالس القات الذي يجعلهم لا يطيقون سوى سماع هوون سياراتهم.
وبالرغم من أهمية المنبهات الصوتية للسيارات، منذ استخدامها للمرة الاولى في المانيا عام 1914، للتحذير والتنبيه من حدوث خطر وشيك وتلافيه، الا ان مجتمعنا اليمني يستخدمها لأي سبب كان وبشكل مفرط للغاية، ليصبح الهون احدى اساسيات السير وقيادة السيارات في البلاد.
طلبة الله
الشاب الثلاثيني صلاح قاسم، سائق حافلة نقل متوسط تعرف بـ”الهايس”، لا يتوقف عن الضغط ببوق مركبته للبحث عن زبائن يقلهم من حي الحصبة حيث مسكنه الى شارع “هائل” المشهور بالتسوق وسط العاصمة.
أشرت له بالإيجاب، بعد ضغطه الهون للتأكد من أني أحد زبائنه. أقلني بجواره في المقعد الامامي، وانطلق منافسا زملائه لكسب اكثر عدد من الركاب، ويده تتوسط المقود لضغط البوق بيسر من حين لآخر.
“ياخي احنا مضطرين نضرب هون على طول والا لا بانطلب الله ولا بانتخارج” هكذا رد السائق على سؤالي: هل بالضرورة ضغط البوق باستمرار؟
وأضاف: “معك ركاب تشتي تحملهم، وعشان السواقين يفسحوا لك الخط ولو هم بطيئين يسرعوا، وفي سواقين غشيمين لازم تجلس تحذرهم وبعضهم قليلين ذوق يحلبطوك، والمرور اذا ما تضرب له هون يأخرك بالجولة ويمشي الخط الثاني، وعاد الناس اللي بالشارع يشتي لهم مكرفون لرؤوسهم”.

منبهات السيارات لغة التعامل لدى السائقين في اليمن
ازدحام الشوارع ومحطات تعبئة الوقود يضاعف من استخدام المنبهات لدى سائقي السيارات في اليمن – ارشيف

ويبرر صلاح الازعاج الذي يشكله للعامة بقوله: “الناس قدهم متعودين ولا يضرهم شي، وحقي الهون مش مزعج خالص.. الازعاج يجي من الهونات اللي يركبوهن بعض اصحاب الباصات والمترات.. واصواتهن اشكال والوان، تسمعها لآخر الشارع”.
أنور القرنة عامل في احد محلات تزيين السيارات، يقول: “هناك اقبال غير مسبوق لشراء البوري -أي الابواق- وبأصوات وصناعات مختلفة، فمنها ذات صوت مرتفع ينخفض تدريجيا وغالبا ما يقبل عليها أصحاب الباصات والمترات، ومنها كتنبيهات الامن والاسعاف ويستخدمها بشكل كبير الشباب لسياراتهم الخاصة.
وأردف: “وهناك الهون الألماني وهو الاغلى سعرا وصوته أعلى، والبوش ويسمى المرسيدس وصوته غليظ جدا والصيني وصناعات أخرى اسعارها منخفضة، واحنا نحاول توفيرها بقدر الإمكان… صحيح ان هذا خطأ لكنه شغلي وضروري أطلب الله.
ويختم انور بقوله ان السلطات تمنع بيع هذه المنبهات المزعجة فضلا عن المنبهات الزيتية الخاصة بالأمن والاسعاف الا ان اغلب محلات التزيين لا تخلو من هذه البضائع ويعود ذلك لعدم تعامل السلطات بحزم في تطبيق هذه المخالفات “واحنا جيزنا من جيزهم”.
العجز السمعي
بما ان التلوث السمعي أو ما يطلق عليه بالضوضاء، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمدن والأماكن الأكثر ازدحاما فإن اصوات منبهات السيارات، تعد جزءاً من الروتين اليومي الاكثر خطرا على الجهاز السمعي لدى الانسان.
أخصائي السمعيات الدكتور “حسين البعداني” في بداية حديثه، نصح الاشخاص الذين تؤثر فيهم الضوضاء بشكل كبير بمغادرة المدينة الى الريف بين فترة واخرى لتجنب الاضرار الكبيرة التي تسببها هذه الاصوات بأنواعها المختلفة الحادة والغليظة.
البعداني أفاد بالقول: “إن مشكلة الضوضاء الناتجة عن الأصوات المزعجة للسيارات والدراجات النارية، تصيب الإنسان بحالة من التوتر أو الشد العصبي”.
ويؤكد الطبيب ان ارقام التلوث السمعي كبيرة جدا، إذ تشير الدراسات التي أجرتها احدى الجامعات البريطانية إلى أن 120 مليون شخص في العالم يعانون من عجز سمعي بسبب الضوضاء الداخلي والخارجي، مضيفا أن ضجيج منبهات السيارات هي من اخطر أمراض العصر والتي تكون على أصوات غير منتظمة.
وعلى الصعيد النفسي يقول الدكتور بشر اليدومي أخصائي علم نفس: “إن اصوات منبهات السيارات التي تعد احدى انواع الملوثات السمعية تؤدي في كثير من الأحيان إلى تغير السلوك الاجتماعي للفرد بحيث يصبح سريع الغضب مكتئبا باستمرار يعاني قلة النوم وتعكر المزاج الشخصي.
وأضاف الطبيب النفسي ان هناك دراسات لعلماء نمساويين أثبتت ان عمر الإنسان يتناقص من 8 إلى 10 سنوات في المدن الكبيرة بالمقارنة مع سكان الأرياف نتيجة لعوامل متعددة منها الاضرار الناتجة عن التلوث السمعي المتمثل بدرجة رئيسية بالأصوات الصاخبة المنبعثة من مقدمة السيارات.
عقاب اضطراري
هشام الكحلاني طالب جامعي، قابلته اثناء عودته من محاضراته الجامعية، فسرد لنا حالته مع هذه المشكلة قائلا” إن أكثر الأشياء التي تزعجني على الإطلاق هي اصوات ابوق السيارات التي لا تتوقف منذ الصباح الباكر وحتى اخر الليل، وبذلك لا يمكنني التركيز على الدراسة واشعر بالقلق وعدم الراحة النفسية لذات السبب”.
ويضيف الكحلاني: “اضطر للتنقل من مكان الى آخر داخل العاصمة صنعاء مشيا على الاقدام بين شوارع يبعد عنها صخب رنين وازيز المركبات، تجنبا لهذا الكم الهائل من الناس المزعجين”، واصفا هذه الظاهرة السيئة بالعقاب الاضطراري.
المشكلة ذاتها مع الحاج علي ذي الستين عاما، الذي يستيقظ باكرا لينعم بقليل من الهدوء في منزله المطل على الشارع العام، قبل اشتعال تلك الاصوات التي تبدا بالازدياد شيئا فشيئا.
ويقول الحاج علي: “اصوات مزعجة لا نعرف نرقد ولا نعبد الله سوى مافيش رحمة، السواقين داريين ان في ناس نايمين ومرضى وكبار بالسن واطفال يأثر فيهم ازعاج السيارات.
ويضيف ان ابناءه لا يستطيعون مذاكرة دروسهم في ظل الفوضى التي يشكلها طنين السيارات، متسائلا عن اسباب التقاعس لمنع هذه السلوكيات؟ لماذا لا يمنع او تصادر هذه السلع من المحلات التجارية المخصصة لها.

إقرأ أيضاً  فتيات في العمل برواتب ضئيلة وساعات طويلة
منبهات السيارات لغة التعامل لدى السائقين في اليمن
ازدحام في الشوارع وازياد في عدد السيارات التي تنقل الركاب داخل المدن – ارشيف

قوانين على ورق
السلطات المختصة تشرع قوانين لا تطبق، ولا يعمل بها احد، هذه القوانين المجمدة على ورق في رفوف ادارات المرور وحركة السير، يصعب على المجتمع اليمني المنهك بالأزمات تقبلها في ظل غياب تام للسلطات.
وفي حين يتساءل البعض عن وجود قانون ينظم استعمال جهاز التنبيه في السيارات والمركبات، تأتي الاجابة على لسان المحامي والقانوني جياد الصلاحي.
الصلاحي يقول: “المشرع اليمني نظم في اطار قانون المرور ولائحته التنفيذية، بشأن استخدام السيارات المسماة المركبات الالية، والالتزام بقواعد وآداب المرور، وطاعة تعليمات رجال المرور أو من يقوم مقامهم بصورة رسمية، حيث نظم استعمال جهاز التنبيه في المركبات الميكانيكية”.
وجاء في نص المادة (49) من قانون المرور اليمني: “لا يجوز استعمال جهاز التنبيه في المركبات الميكانيكية في الحالات التالية:
في أي منطقة آهلة بالسكان الا عند الضرورة وفي حين لم توافق ادارة التسجيل على استخدامه، والاماكن التي يحضر فيها استعمال المنبه بشكل تام، فضلا عن أجهزة التنبيه التي يقتصر استعمالها على سيارات الشرطة والاطفاء والاسعاف.
وفيما يتعلق بالعقوبات لمرتكبي هذه المخالفات يوضح القانوني: “ان القانون يفرض عليهم دفع غرامة فورية لا تختلف في اطارها عن أي دولة في العالم، فمعظمها تحظر استخدام منبهات السيارات، لكنها قد تختلف في العقوبة من حيث تحديد مبلغ الغرامة فقط، كون ارتكاب مثل هكذا مخالفة، يعد من الجرائم المعاقب عليها، كقانون العقوبات الفرنسي الذي اتجه الى زيادة مقدار هذه الغرامة وجعلها متناسبة مع دخل الشخص المعاقب.
الصلاحي في معرض حديثه عن هذه الظاهرة التي وصفها بالسيئة والمتأطرة في المجتمع اليمني، أضاف ان القانون رتب على مخالفي تلك النصوص عقوبة مالية فورية قدرها الف ريال، وفقا لنص المادة 68 من ذات القانون.
نحن في اليمن، يقول القانوني الصلاحي “نفتقر الى تطبيق مثل هكذا قوانين، نتيجة تفشي الفساد والرشوة الضاربة في اعماق المؤسسات الحكومية”، مؤكدا بان الانسان اليمني لا يمكن ان ينعم ولو لوهلة بشوارع ومركبات تنعم بالهدوء حتى تتحمل الجهات المختصة المسؤولية الاخلاقية لضبط المخالفين والمتطرفين والعابثين في مستقبل هذا البلد، وهو الامر الاكثر تعقيدا”.
لكن القيام بحملات توعوية هادفة إلى التعريف بالأضرار الناجمة عن ارتفاع مستويات الضجيج سواء على الأشخاص الذين يتسببون في إحداث الضجيج أو على عموم الناس وخاصة الأطفال وكبار السن، وإعادة النظر في حركة المرور وتطبيق قانون منع استعمال الأبواق الا عند الضرورة، هي اسعافات اولية للحد من خطر الاصابة بالأمراض الفتاكة التي تترتب على معضلة استعمال منبهات المركبات والتي لا تستثني احدا.
على ما يبدو أن وظيفة أبواق السيارات في اليمن تبدلت بشكل كبير، فمن وسيلة للتحذير والتنبيه لتلافي حدوث خطر وشيك الى أداة أساسية لقيادة السيارات في البلاد.

مقالات مشابهة