المشاهد نت

تلاشي الديانة اليهودية في اليمن

يهود اليمن
يعيش يهود اليمن تحت الرقابة منذ سنوات، وتضاعفت معاناتهم بعد اندلاع الحرب عام 2015.

صنعاء- فاطمة العنسي

يقبعون خلف أسوار منزلهم العتيق في (مديرية أرحب)، التي تبعد عن صنعاء بحوالي 40 كم شمالا، وعددهم ثلاثة أفراد، وأعمارهم فوق الخمسين عاما، وحيدون معزولون عن العالم.

أولئك الثلاثة هم زوج وزوجة، وأخو الزوجة، من فئة كبار السن، بالإضافة إلى زوج وزوجته، متواجدون في عمران (شمال صنعاء)، ولبيبي مرحبي المعتقل في أمن المخابرات منذ عام 2016، وهم آخر ما تبقى من أفراد الديانة اليهودية في اليمن، وفق حديث المحامية والناشطة الحقوقية سماح سبيع.

تشير سبيع إلى أن اليهود أصبحوا يقبعون تحت الرقابة، بخاصة بعد اندلاع الحرب في العام 2015، بسبب القبضة البوليسية، وكانت الرقابة تمارس عليهم حتى قبل الحرب، ولكن تلك الرقابة كانت تهدف إلى حمايتهم، لا سيما عقب مقتل أحد أبناء الديانة دون مبرر، ولم تتم معاقبة الجاني على غرار أي جريمة جنائية.

تضيف سبيع: “فضلت حمايتهم قبل أن يكون الأمر متعلقا بي كمحامية، هناك استجوابات، وممكن أن تضرهم أكثر ما تنفعهم، ويجب التنبيه إلى أن اليهود أنفسهم يرفضون الحديث مع أي جهات، ويفضلون البقاء في اليمن، ويتجنبون أي فعل أو قول ممكن أن يتسبب في رحيلهم”.

تتابع: “ما بعد 2015، كان الأمر في بلدهم الأم مختلفا، كان مجرد الخروج لشراء احتياجات المنزل يتطلب تصريحا، ولكل فرد على حده، ولكل تحرك تصريح منفرد. أصبح الأمر بالنسبة لهم مرهقًا جدا، ناهيك عن الزيارات التي يجب أن تكون عبر مواعيد وعبر تصاريح، ومع ذلك يرافق الزائر حارسا مسلحا إلى منزل اليهودي. تعرضوا لمضايقات كثيرة مثل منعهم من مزاولة نشاطهم في التجارة والأشغال اليدوية، وكل ما حدث لهم يندرج تحت بند” عليكم الخروج من اليمن “.

خلال السنوات الماضية، خرج اليهود على دفعات، وكانت آخر دفعة في 2021، بحسب المحامية سبيع، وتقول:” كان خروجهم مهينا ومذلا وكأنهم من مرتكبي الجرائم، رغم أن تواجدهم في اليمن وعلى مر السنين، كان على تعايش تام مع جميع الفصائل اليمنية.

أي نظام أو سلطة، تأتي وتحاول فرض نمط معين سوى متعلق بالدين أو المذهب أو الثقافة على مجتمع لم يعتاد ذلك مسبقا يعد ـ وفق حديث سُبيع ـ ضربا من الجنون ويستحيل فرضه، المجتمعات الصحية هي من تحتوي على التنوع في أشكاله وطبقاته ومذاهبه، وسط تعايش وسلام مستدام، السلطات التي توفر الأمن والديمقراطية المعرفية، يكون المجتمع على قدر عال من التوائم والسلام وهو ما نفقده في ظل القمع والاضطهاد الذي نعيشه.

 تضيف: “الاضطهاد والتضييق على الأقليات الدينية في اليمن يشعرنا بغياب الأمن والسلام، وهو ما يقود البلد إلى مزيد من الانقسام والتشظي”.

يوسف المُجبر

اُعتقل الستيني يوسف، (متواجد حاليا في أرحب)، وهو من أصل يهودي، بغية خروجه من اليمن، لكنه آثر البقاء. وعند السماح له بالخروج من المعتقل، طُلب منه -وفق حديث- رئيسة مبادرة سام للسلام وحقوق الإنسان في اليمن والأمين العام للمكتب السياسي والعلاقات في حزب الأمل العربي ليلى الثور، بالتنازل عن الثروة.

تقول الثور لـ “لمشاهد”: “كان والد يوسف يملك ثروة كبيرة في البنك المركزي اليمني ـ كان يعمل مجبر لكسور العظام ـ وطلب منه التنازل عنها، مقابل الإفراج عنه، لكنه رفض، بعدها بفترة تم الإفراج عنه، وحاليًا يعيش مع أخته في أرحب لكنهم يعانون من ظروف معيشية صعبة للغاية”.

 خلف القضبان

 ليبي مرحبي، مواطن يمني من أصل يهودي، وهو من ضمن المتبقيين من اليهود، اعتقل لبيبي على خلفية تهريب مخطوطة أثرية من التوراة خاصة باليهود، ويقول الحوثيون إنها إرث وطني.

لبيبي لم ير النور بعد – وفق حديث محامي الدفاع عبدالباسط غازي – برغم خروج رفقائه المسلمين الذين كانوا معه في ذات القضية، وهي قضية تسهيل خروج نسخه قديمة من التوراة مع مجموعة من أبناء الطائفة اليهودية الذين رحلوا من محافظة عمران في عام 2016.

ويضيف غازي لـ “المشاهد”: “تعرض لبيبي لأنواع مختلفة من التعذيب والتنكيل، حتى أصيب بجلطة أدت إلى شلل نصفي، بالإضافة إلى فقدانه كامل أسنانه”.

برغم صدور حكم من المحكمة الابتدائية في 18 مارس/ آذار 2018 بالإدانة والحبس لمدة عامين من تاريخ احتجازه، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف والمحكمة العليا في صنعاء، إلا أنه ما زال محتجز بطريقة مخالفة للقانون والأحكام القضائية حتى لحظة كتابة التقرير.

إقرأ أيضاً  أنامل «السقاف».. تعزف الفن على «رصيف الانتظار»

 يؤكد غازي أنّ الجهود المتكررة بتنفيذ الأحكام وإطلاق سراحه لم تجد أي قبول لدى الجهات المسؤولة في صنعاء، لافتا إلى أن النائب العام رفض إصدارَ مذكرة بالسماح له حتى بزيارة ليبي نيابة عن أسرته التي أصبحت خارج البلاد، بهدف الاطلاع أيضًا على وضعه الصحي.

ترحيل ثلاث عائلات

رحلت في مارس 2021 آخر ثلاث أسر من اليمن ، ومنها أسرة لبيبي، حيث بلغ عدد أفرادها قرابة 13 شخصا من الجنسين، وقالت تلك الأسر إنهم في طريقهم للبحث عن وطن بديل، بعد مقايضة الحوثيين لهم بالمغادرة مقابل الإفراج عن ابنهم المعتقل  منذ 2016م، وفق صحيفة الشرق الأوسط في لندن .

قاومت تلك الأسر الثلاث ضغوط الحوثيين لترحيلهم، وتمسكت بالبقاء بيد أن آخر زيارة قام بها أفراد الثلاث الأسر إلى سجن المخابرات بصنعاء كانت كافية لإجبارهم على المغادرة وترك مساكنهم، مقابل إطلاق سراح لبيبي.

ويقول أحد أفراد المجموعة التي غادرت اليمن: “خيرونا بين البقاء وسط المضايقات ولن يفرجوا عن ليبي من السجن أو المغادرة وهم سيقومون بالإفراج عنه، ولهذا اضطررنا للمغادرة وسيسجل التاريخ أننا آخر أسر من اليهود اليمنيين كانت ما تزال متمسكة بوطنها إلى آخر لحظة”.

ويتابع: “رفضنا إغراءات كثيرة في فترات زمنية كثيرة ورفضنا أن نغادر وطننا، لكننا اليوم مجبرون”.

يضيف والدموع تملأ عينيه: “لن نلتقي ثانية ولن نرى البلد الذي ولدنا وعشنا فيه، لا أعلم كم تبقى من عمري، ولا أين سوف أدفن، كل أصدقائنا وأحبتنا تركناهم، ولم نستطع حتى مواعدتهم”.

الأصوليات الدينية المتطرفة تسعى إلى فرض تصوراتها على المجتمع والوصول إلى الإرهاب والإكراه في الدين، وهو سبب أساسي لاضطهاد الأقليات الدينية مثل اليهودية في اليمن، وفق حديث وليد عياش أمين عام المجلس الوطني للأقليات الدينية في اليمن.

 يقول عياش لـ “المشاهد”: “هناك فهم مغلوط لمراد الله في خلق الإنسان لأن الحياة قائمة على التنوع وعلى مبدأ “الوحدة في التنوع”، وعلى أساس لا إكراه في الدين، وعلى قاعدة “قل كلا يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا”، بيد أن الجماعات المتطرفة لا تؤمن بهذه المبادئ، فهي ترفض التنوع وتحاول استئصال كل أشكال التنوع الديني والثقافي والفكري”.

يضيف: “هذا سبب من أسباب تخلف المجتمعات وتجعلها خارجة عن الإطار الحضاري وتتجه نحو التطرف والإرهاب بكل صوره الفكري والديني، كما يمارس ضد الأقليات من اليهود وغيرهم”.

استحالة العودة إلى اليمن

يرى محمد المحفلي، مختص في تحليل الخطاب الديني، وباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في السويد، أن ما يتعرض له اليهود يعد عملية تجريف ممنهجة، ومن الصعب- إن لم يكن المستحيل في ظل الظروف الحالية- الحديث حول عودتهم إلى بلدهم اليمن..

يقول المحفلي لـ “المشاهد”: “إن احتدام الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ينعكس سلبا على اليهود في المجتمعات الإسلامية من جهة والمسلمين في المجتمعات الغربية من جهة أخرى وبالتالي فإن هناك عداء متصاعدًا ضد اليهود، حتى وإن لم يكونوا من مناصري ممارسات الاحتلال الإسرائيلي”.

عودة اليهود ـ وفق حديث المحفلي ـ أو بقائهم يتطلب صنع ظروف ملاءمة ومستدامة للتعايش السلمي والتسامح، والعودة في وطن يتقبل الجميع ويعاملهم على قدم المساواة، ويضمن لأبنائهم العيش بكرامة دون خوف أو قلق على المستقبل.

تطهير عرقي

اليهود كانوا وعلى مر السنوات يعيشون في سلام مع جيرانهم المسلمين، في عدد من المحافظات اليمنية، ويعملون في صياغة الذهب والحُلي والخناجر والسيوف وأدوات الزراعة، وعدد من المهن اليدوية، ويتبادلون السلع والمنتجات دون وجود أي خلاف، لكنهم اليوم يتعرضون لأكبر حملة تطهير عرقي، بحسب ليلى الثور.

وتؤكد أن اليهود اليمنيين لم يتأثروا بالعروض التي قدمت لهم من قبل جهات خارجية، وكل من هاجر كان مغلوبا على أمره، حتى أنهم فضلوا السفر إلى دول عربية أو أوروبية عن إسرائيل وأمريكا.

تقوم مايسة الرومي، يمنية من أصل يهودي، بالنشر على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي الفيديوهات والأغاني عن اليمن والإرث الثقافي الذي يحمله اليهود أينما كانوا.

تؤكد عبر حساباتها في مواقع التواصل أنها يمنية الأصل، وتنشر مجموعة من الأعراس  اليهودية اليمنية من المهجر، والتي يحييها العديد من المغنيين اليهود، ما يدل على تعلقهم وحنينهم للوطن الذين رحلوا منه قسرًا.

مقالات مشابهة