المشاهد نت

تجربة ذمارية.. «الرياضة» تقضي على «الثارات»

الرياضة تحد من الصراعات القبلية والثارات في ذمار - المشاهد

ذمار – صقر أبو حسن

على بعد أمتار من منزل احتضن الصرخات الأولى لشاعر اليمن الراحل عبدالله البردوني، يشهد ملعب ترابي سمي باسمه، منافسات ضارية.

ففرق مديرية الحداء، بمحافظة ذمار (وسط اليمن)، تخوض منافسات دوري كرة القدم هناك بنسخته الثالثة.

لم يكن الأمر مجرد منافسة كروية ولكن هذا الدوري اتخذ أبعادًا عميقة، تتعلق بوضع المديرية المليء بالتوتر والنزاع.

فهذه الأنشطة وضعت لبنات ثقافة تقبل بالتنافس، وتتقبل الفوز والخسارة في مديرية الحداء التي أنهكتها الصراعات القبلية والثارات.

حيث أن المديرية من أكثر المديريات التي تعصف بها المشاكل القبلية والحروب والثارات.

بل وماتزال قبيلة الحداء تدفع خيرة رجالها وشبابها حتى اليوم في أتون صراع قبلي جديد قديم، يخفت حينًا ويعلو أحيانًا.

نسيان الخلافات

ويرى “أحمد الفراصي” -من أبناء مديرية الحداء- أن ما يميز البطولة مشاركة أغلب عزل المديرية، حتى المناطق التي تشهد ثارات.

وقال الفراصي لـ«المشاهد» إن الموسم الأول للبطولة كان مليئًا بالمخاطر، لكن الأن باتت أركان البطولة أقوى، ولها جمهور، ومتابعوها يتزايدون.

فالرياضة يمكن أن تخلق فضاءً ونهجًا مختلفًا لطي الخلافات وتطبيع الأوضاع بين القرى والمناطق التي كانت تشهد ثارات ومشاكل قبلية.

كما تشجع على انخراط الشباب في بيئة جديدة تتلاشى فيها “الأحقاد”، وتطغى عليها المحبة والمنافسة الشريفة.

ووفق “عبدالمحسن البخيتي” -ناشط مجتمعي- فإن الانتصار “هَمُّ المتنافسين الأول”؛ لكن المباراة تُدخلهم في جوٍ جديدٍ، “الأفضل هو الفائز”.

وهذه الأجواء الجديدة، تُسهم كثيرًا في أن ينسى الجميع خلافات ومشاكل الماضي، بحسب حديث البخيتي مع «المشاهد».

ويضيف: قد يتقابل فريقان كانت بينهم ثارات، ورغم ذلك فإن الكرة تجعل الجميع يرمي الماضي خلف ظهره وينظر إلى المستقبل.

مهلكات المجتمع

وكونه ناشطًا مجتمعيًا، فإن البخيتي يحرص على مواكبة البطولة على منصات التواصل الإجتماعي إعلاميًا؛ لتغطية مجرياتها.

ويبرر ذلك بسعيه لإبراز المواهب الرياضية، وإبعاد الشباب والنشء عن أية مشاكل، ودفعهم نحو الرياضة والإبتعاد عن القات.

فالبخيتي يرى أن الثأر ليس وحده من يهلك الحرث والنسل، فكذلك القات أيضًا أحد المهلكات التي يعاني منها المجتمع.

منظمو البطولة يقيمونها شتاء كل عام، بمشاركة 64 فريقًا، يُقسَمون إلى مجموعتين، وتُلعب على ملاعب: “البردون، الميثال، بني حيان، والعمارية”.

أحداث إستثنائية

رئيس دائرة التدريب والتأهيل بجمعية الإعلام الرياضي بذمار، عادل الطشي، يقول: من النادر إقامة بطولات أو أنشطة رياضية بمديرية الحداء.

وأضاف الطشي لـ«المشاهد»: أن التاريخ الرياضي للحداء لا يُذكر، لكن خلال السنوات الماضية بدأت تحجز مقعدًا في البطولات بذمار وخارجها.

ويواصل: يبرز من ملاعب الحداء وبطولاتها نجوم رياضية يمكن ان يكون لها شأن في المستقبل.

الطشي يصف البطولة الكروية بالحداء بأنها “حدث إستثنائي”، تضم مئات اللاعبين في مديريةٍ ذات بيئة قبلية، وتحتاج للإشادة.

إقرأ أيضاً  مناشدة بخصوص الوضع الصحي في المهرة

وزاد: هناك نقلة فريدة للمديرية في المجال الرياضي، ليس في كرة القدم فحسب بل في بعض الألعاب الأخرى.

مُرجعًا أسباب تصاعد هذه النقلة إلى وجود مغتربين خارج البلد يحرصون على تنمية الأنشطة الرياضية ورعايتها.

نادي وحيد

تمتلك مديرية الحداء، نادي وحيد تحت مسمى “شباب الحداء”، معترف به رسميًا، ضمن أندية الدرجة الثالثة لكرة القدم.

وكانت توكل إلى هذا النادي المشاركة الصورية في أغلب الأنشطة الرياضية داخل محافظة ذمار.

لهذا لم يتم تنمية القدرات الرياضية لأبناء المديرية رغم كونها من أكبر مديريات ذمار الـ12، إضافة لقربها من عاصمة المحافظة.

ومؤخرًا ظهرت أندية رياضية وكروية في عزل المديرية، حضرت في المنافسات التي تُنظم على مستوى المحافظة أو الدورات الكروية الرمضانية.

تغيير البيئة

البيئة غير الجيدة والتي لا تشجع انخراط النشء والشباب في الفعاليات الرياضية، قلصت من الحضور الرياضي في المديرية.

لكن سعادة اليمنيين بفوز منتخب الناشئين ببطولة غرب أسيا عام 2021؛ هيأ بيئة جديدة، وغيّر نظرة المجتمع نحو الرياضة.

ومن وقتها، بدأت ترتفع وتيرة الالتفات الشعبي نحو الرياضة، والحضور الجماهيري للفعاليات والبطولات، والمشاركة فيها.

وتجلى ذلك بانتشار الدوريات الرياضية ذات الطابع التوعوي، وتشكلت فرق رياضية بأسماء القرى، وفقًا للاعب كرة القدم السابق “فؤاد واصل”.

وقال واصل لـ«المشاهد» إن الأمر بلغ بالأهالي إلى التكفل بتمويل إنشاء ورعاية فرق رياضية مع تخصيص أرض لممارسة كرة القدم.

وأضاف واصل أن أطفال مديرية الحداء يمارسون كرة القدم بشكل واسع، ولم تمنعهم الطبيعة الجبلية القاسية من ذلك.

وتوقع أن ينتج هذا الحراك الرياضي بمديرية الحداء نجومًا رياضية صاعدة، ليس بكرة القدم فحسب بل حتى في الألعاب الفردية.

وبيّن واصل -يعمل حاليًا مدرسًا للتربية البدينة- أن البنية التحتية الرياضية بالمديرية تكاد تكون منعدمة، بإستثناء الجهود الفردية التطوعية.

وذلك تسبب بتأخر الحداء عن الركب الرياضي، بالإضافة إلى المشكلات القبلية والثارات؛ وأثرها السلبي على واقع المجتمع إجمالًا، بحسب واصل.

اللعب في أرض صخرية

في قرية بني بخيت بمديرية الحداء، اضطر مجموعة من الأطفال ممارسة شغفهم بلعبة كرة القدم وخوض مباراة على أرض صخرية.

لم تكن الأرض مناسبة تمامًا لممارسة أي نشاط رياضي، ومع ذلك كانوا يقفزون بشكل حماسي في مجاراة الكرة.

وبحسب الناشط المجتمعي عبدالمحسن البختي، فإن الأطفال يمارسون الرياضة هناك يوميًا وبل في مناطق أكثر وعورة.

وأضاف وهو يضحك: “أي مكان مسطح يكون ملعبًا، المهم هي الكرة، أينما وجدت يبدأ اللعب”.

مع كل سقوط لطفل كان ينهض وكأن شيئًا لم يحدث، كانت طبيعة الأرض تتماسك تحت أقدامهم، طائعةً لشغفهم وحماسهم.

وفي نهاية المباراة، مساءً، يعود الأطفال لمنازلهم وقد أدمت الأرض الصخرية أقدامهم، ونالوا منها غرضهم بعد أن قضوا وقتًا ممتعًا.

مقالات مشابهة