المشاهد نت

أنامل «السقاف».. تعزف الفن على «رصيف الانتظار»

متسلحًا بالفن ينتظر المعلم والفنان صبري السقاف وظيفته أمام مبنى وزارة التربية في تعز

تعز – محمد المخلافي

بداخل كوخ خشبي وعرضَّةً للأتربة والأمطار في شارع المصلى بعاصمة الثقافة اليمنية “تعز”، يعيش المعلم والفنان صبري ياسين السقاف.

الرجل الخمسيني يعزفُ أحزانه وأوجاعه، ويواجه رحلة التشتت والجوع والضياع، ويكابد مرارة الواقع المعيشي الصعب بعد أن ضاق به الحال.

ما من باب أمامه، كلما طرق بابًا أغلق في وجهه، محاولًا استعادة وظيفته منذ أكثر من عقدين ونصف.

السقاف الذي ينام على الرصيف تحت حرارة الشمس وصقيع البرد كان ذات يوم مغردًا يُحلق في سماء الإبداع، وموظفًا حكوميًا.

لكن رياح الأقدار قذفت به إلى مكان لا شيء فيه سوى الفقر والمعاناة والتشرد.

بدايات الشغف

التحق صبري بالمعهد العالي للمعلمين، قسم اللغة العربية، وكانت حصص الموسيقى والمسرح في المعهد تشده نحو ساحة الفن والغناء.

فبدأ يستجيب لشغفه ويطور نفسه، واصبح فنانًا شعبيًا يغني في الاحتفالات والمناسبات وينتج الألبومات.

لكن الحال انتهى به مشردًاوعلى الرصيف، يبحث عما يسد الرمق، مجردًا من أي وظيفة.

يتحدث السقاف لـ«المشاهد» عن مدى شغفه الباكر وحبه للغناء: “عشت مع الرعية (الفلاحين)، جوار شلالات المياه، ومع الطيور بألوانها المختلفة”.

ويضيف: شاهدت تفاصيل مواسم الزراعة المختلفة، ونشأت وأنا أستمع إلى المهاجل التي يُرددها العمال.

“وكل هذه الأشياء كانت تشدني بقوة صوبها، حتى تمكنت مني وتمكنت منها، وبلورتها إلى كلمات وألحان”، يقول السقاف.

حياة على الرصيف

انقلبت حياة الفنان الشعبي صبري رأسًا على عقب بعد فقدان وظيفته، لتصبح أرصفة شارعي المصلى ومحمد علي عثمان مأوى له.

وباتت آلة العود رفيقته الأقرب، وأغانيه التي تصدح بها حنجرته وتحمل معها قساوة المعيشة والخذلان شاهدةً على حجم معاناته.

وهي معاناة تكاد تكون عامة، في بلدٍ يعيش معظم مبدعيه تحت وطأة الإهمال.

يحكي السقاف لـ«المشاهد» بحسرة جزءًا من معاناته: “ليس هناك أية جهات داعمة أو جهة حكومية وفرت حتى ثمن الخبز، ووظيفتي منقطعة”.

ويواصل: “أعتمد على أصحاب القلوب الطيبة من الزملاء والأصدقاء والشباب بشكل كبير -وليس أحد غيرهم- في توفير اللقمة”.

وبصوت خافت مليء بالأسى يستذكر السقاف سبب جلوسه على الرصيف: منذ عام 2008، وأنا أجلس هنا بسبب الوعود المستمرة.

وهي وعود بالتوظيف من مكتب وزارة التربية والتعليم، التي يقع مقرها حيث يقطن السقاف، في انتظار معجزة تعيد إليه وظيفته.

وظيفة مسلوبة

كان السقاف يعمل معلمًا في مديرية “الشمايتين”، ويتقاضى راتبًا بسيطًا يساعدهُ على توفير الإحتياجات الأساسية له ولأسرته.

لكنه فقد وظيفته كمعلم لمادة اللغة العربية عام 1998، بعد 10 سنوات من التدريس؛ بسبب مشاركته بعمل فني عام 1997.

يوضح السقاف لـ«المشاهد» سبب سلب وظيفته: “حدث الأمر على مراحل عديدة، فعندما قررت الانتقال للتدريس بالمدينة طلبوا مني إخلاء طرف”.

إقرأ أيضاً  كيف سيطرت جماعة الحوثي على أكبر الشركات الدوائية ؟

رغم أن معلمين كثر نقلوا دون إخلاء طرف، ولا أعلم لماذا على المعلم إخلاء طرف، فلا يملك سوى قلم وطبشورة؟!.

أخذ نفسًا عميقًا، وتابع: عقب ذلك، قمت بإشهار حفل غنائي مع الفنان أيوب طارش في افتتاح جمعية المعاقين بمدينة تعز.

ونال الحفل استحسان رئيس إحدى الجمعيات وأرسل في طلبه بداية العام الدراسي لإشهار حفل في مسرح المركز الثقافي بصنعاء.

ويضيف السقاف: بعد إنهاء العمل تلقيت عرضًا من مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بصنعاء لانتدابي لديهم، ويتم توريد رواتبي إلى المكتب.

وحينما ذهب لاستلام رواتبه قوبل بالرفض، دون أي مبرر، وطلبوا منه العودة إلى تعز ومعالجة قضيته في وزارة التربية هناك.

وبكلمات ممزوجة بالقهر واصل: “عندما عدت إلى تعز وجدت اسمي ضمن كشوفات المنقطعين، ولم يتم نقلي إلى مكتب الشؤون الاجتماعية.

وبعد شهور أسقطوا اسمه من الوظيفة، وكلما ذهب للحصول على مذكرات وزارة المالية بصنعاء لتوضيح مشكلته لا يتعاملون معه نهائيًا.

وعود تتبخر في الهواء

يقول السقاف: “في كل مرة تعطيني الوزارات الأمل، لكن سرعان ما يختفي، وتُغلق أمامي كل الأبواب؛ نتيجة المماطلات والأمل الكاذب”.

ويزيد: “كنت على وشك استعادة وظيفتي ضمن كشوفات موازنة 2008، لكن المعاملة تأجلت لعدم وجود بطاقتي الشخصية، ورفضوا جواز سفري”.

و”أخبروني أن اسمي سيكون ضمن موازنة عام 2009، وها نحن بعد 14 عامًا من ذلك الموعد ما زلت أنتظر”، يقول السقاف.

قسوة الحرب

وحول تأثير الحرب على حياته يقول السقاف: “الحرب أشغلتني كثيرًا عن قضيتي، وجعلتني أنظر إلى قضايا باقي الناس الموظفين”.

كما أن الحرب “هونت عليّ قسوة قدري وبشاعة كل ما مررت به من أجل قضيتي، والوطن أصبحت قضيتهُ أكبر بكثير”.

السقاف أشار إلى أنه نسيّ أحزانه الصغيرة، وأصبح مهمومًا بهذا الوطن؛ بسبب الحرب.

ناصحًا أي فنان أن يلتحق بما يحب، وعلى المدعين والغيورين من الآخرين الحكم على نفسه قبل أن يحكم عليه الآخرون.

تاريخ وواقع

وأصدر السقاف منتصف عام 1998 ألبومه الغنائي الأول، وتوالت إنتاجاته حتى أنتج في ذات العام حوالي 60 أغنية مرة واحدة.

كما أن لديه العديد من الأعمال الوطنية التي اعتمد على نفسه في كتابة كلماتها، وغيرها من الأعمال التي يؤديها لشعراء.

ومن أغانيه مثل: “ياحمائم بالله تسجعي”، و”يا الله بعشبين”، و”ما حسنه لما ظهر”، وغيرها من الأغاني.

ويعيش الفنان صبري حياة قاسية، يواجه فيها رحلة الجوع والضياع والشتات، ويعزف بأنامله أحزان وتفاصيل حياته الصعبة.

حياة يعيشها الفنانون والمبدعون في بلد يواجه سكانه حياةً بائسة وأوضاعًا معيشية قاسية، مع استمرار الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.

مقالات مشابهة