المشاهد نت

عندما تتحول المستشفيات إلى «مسالخ بشرية»

تتزايد الأخطاء الطبية في المستشفيات اليمنية دون محاسبة أو وضع حد لها - تعبيرية

صنعاء – يحيى العكوري

“قصم ظهري واسودت الدنيا في وجهي حين اتصل بي أحدهم: زوجتك في ذمة الله”.

بتلك العبارات يصف طارق الشميري تلقيه خبر وفاة زوجته، وهو في الغربة، بإحدى المستشفيات الخاصة في صنعاء؛ نتيجة خطأ طبي.

دخلت زوجة طارق “مريم” المستشفى بغرض الولادة، لكنها ظلت في قسم العناية المركزة لقرابة أربعة أشهر، وخرجت جثة هامدة.

وضعت مريم طفلتها، لكنها كانت تعاني تشوهات؛ نتيجة ضعف خبرة الأطباء وإهمالهم أثناء إجراء عملية التوليد؛ حسب التقرير الطبي.

يقول طارق لـ«المشاهد»: “دخلت زوجتي بفرح قسم العمليات القيصرية لولادة طفلتنا الثانية، لكن جرعة التخدير الزائدة، حولت فرحتنا إلى أحزان”.

وأضاف أن زوجته تلقت الجرعة من أحد الممرضين الممارسين “تحت التدريب” في المستشفى، سببت لها مضاعفات؛ ونُقلت إلى العناية المركزة.

لافتًا إلى أنه لم يُسمح لأقاربها بزيارتها لمدة سبعة أيام، إلى أن أخبروهم بإصابتها بجلطة في المخ، أدخلتها في غيبوبة.

نتيجة التحقيقات

قضية مريم وصلت إلى المجلس الطبي الأعلى بصنعاء، والذي كلف لجنة للتحقيق بالموضوع، كشفت أن المضاعفات سببها “جرعة تخدير زائدة”.

تحقيق اللجنة أظهر أن الجرعة نفذها فني تخدير متدرب، لا يحمل مؤهلًا علميًا ولا رخصة مزاولة مهنة، استقدمته المستشفى للعمل بأجر أقل.

كما كشف التحقيق عن وجود قصور في رعاية المنوفية أثناء عملية الولادة.

اعتقال الزوج

يقول طارق: طوال فترة بقاء مريم بالعناية المركزة: بعت كل ما أملك وأنا بالغربة؛ لشراء العلاجات المكلفة التي كانوا يطلبوها.

لم تصمد مريم فقد لفضت أنفاسها بعد هذه المدة، خبر “زلزل” زوجها في غربته، وهو يفقد شريكة حياته، وتتيم زوجته.

ليعزم طارق عندها السفر لإلقاء النظرة الأخيرة على زوجته، واحتواء طفلتيه، وهنا كانت المفاجأة.

قوات أمنية تداهم منزل طارق بصنعاء بعد وصوله من الغربة، واقتادته للسجن برفقة ابنته الكبرى؛ بسبب رفع قضية ضد المستشفى.

ورغم إدانة محكمة غرب الأمانة للمستشفى، إلا أنها اتهمت طارق بتشويه سمعة المستشفى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حسب حديثه.

ويواصل: “دفعت 250 ألف ريال يمني للخروج من السجن، وتشردت أنا وبناتي، ودُفنت زوجتي بعد احتجازها بثلاجة الموتى عشرة أشهر”.

عاد طارق للملمة أوجاعه، بعد أن داهمه المرض، يقول إنه عاد للغربة بنصف روح ليسدد ديونه عقب استنزافه ماديًا ونفسيًا وصحيًا.

ظلت القضية عالقة بالمحكمة التي قضت بتغريم المتهم، وتعويض ورثة الضحية بخمسين مليون ريال، وهو مالم ينفذ حتى الآن، بحسب طارق.

أخطاء بالجملة

تزايدات ظاهرة الأخطاء الطبية في صنعاء خلال السنوات الأخيرة، وسجلت الكثير من الحالات الناتجة عن التشخيص الخاطئ.

بعض تلك الأخطاء انتهى بالوفاة، فيما البعض الأخر تسبب بأعاقة دائمة للمريض أو ضاعفت من معاناته

ورغم إثارة هذا الموضوع كثيرًا، إلا أن نسبة الضحايا في تزايد مستمر.

يوسف شذان، مواطن يسكن في صنعاء، يقول إن زوجته تعرضت لمضاعفات كبيرة في إحدى المستشفيات الخاصة؛ نتيجة تشخيص خاطئ.

يضيف شذان لـ«المشاهد» إن طبيبة نساء وولادة وجهت باستخدام أدوية لا علاقه لها بمرض زوجته؛ ما تسبب بمضاعفات خطيرة.

وذكر في منشور له على “الفيسبوك” أن زوجته تعرضت لنزيف داخلي وإنفجار الرحم، واستئصال قناة فالوب اليمني.

وذلك أدى إلى إحتمالية عدم الحمل مرة أخرى، في سلسلة متواصلة من التشخيص الطبي الخاطئ تشهده صنعاء منذ سنوات.

لم يستسلم يوسف فيما حصل لزوجته فقد رفع شكوى إلى وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي غير المعترف بها.

وقبل ثلاثة أعوام قتل شاب أخته المريضة بباب المستشفى، بعد أن أخبرته طبيبةٌ بنتيجة الفحص بالخطأ، أن أخته العزباء حامل.

وبعد عرض النتيجة على أطباء آخرين، أكدوا عدم وجود حمل، وإنما إلتهابات بالأمعاء؛ لتذهب المريضة ضحية التشخيص الخاطئ، وتهور الأهل.

إقرأ أيضاً  تحديات جديدة تواجه المنظمات الإنسانية في اليمن

وحسب إحدى صديقات المريضة فإن القضية أدت الى إغلاق مؤقت للمستشفى الخاص الذي تعمل به الطبيبة لعدة أيام.

لكن سرعان ما عاودت المستشفى فتح أبوابها، وعادت الطبيبة المتسببة بوفاة الضحية إلى عملها، رغم تكرارها للأخطاء وكثرة الشكاوى ضدها.

أهالي أحد الضحايا رفعوا قضية في محكمة غرب الأمانة قبل نحو عام، ضد طبيب تسبب بوفاة مهندس نفطي كبير.

واتهم الأهل الطبيب بتهمة القتل غير العمد؛ بعد خطأ طبي وقع خلال عملية جراحية في إحدى المستشفيات الخاصة.

وقبل شهور توفي الطفل حمزة خالد (خمسة أعوام) بخطأ طبي في إحدى مستشفيات صنعاء، بعد إسعافه إثر التهابات في الدم.

وعندما تم نقله إلى المشفى أعطاه أحد الأطباء جرعة من المضادات الحيوية تسببت بتدمير الجهاز المناعي.

مسالخ بشرية

أصبح المرضى يخشون الذهاب للمستشفيات ولا يرجون منها الشفاء، فقد تحولت الكثير منها إلى ما يشبه “المسالخ البشرية”، بحسب مواطنين.

يقول محمد علي، مواطن من صنعاء، أنه أصيب بوجع في البطن، وبعد الذهاب للمستشفى، قرر الطبيب المناوب إجراء الفحوصات اللازمة.

وكشفت الفحوصات أن محمد يعاني من “الزائدة” ما يعني أنه بحاجة لإجراء عملية جراحية، بحسب حديثه لـ«المشاهد».

لم يكن محمد علي يخشى من الزائدة بقدر خوفه من إخفاق الطبيب الجراح، خاصة بعد سماعه عن الأخطاء الطبية.

وتابع: أخذت نتيجة الفحص وعملت فحصًا أخر بمختبر خارج المستشفى فكانت النتيجة “أميبيا”، وأخذت علاج الاميبيا وانتهى كل شيء.

رحيل الكوادر

يضطر بعض الأطباء للعمل بمقابل لا يغطي احتياجاته؛ ما يدفعه للعمل بقدر ما يتقاضاه من أجر، بحسب الدكتور أدهم قاسم.

ويضيف الدكتور قاسم لـ«المشاهد»: وفي هذه الحالة لا تجرؤ المستشفيات على محاسبة كوادرها، والضحية هم المرضى للأسف.

ويواصل: خلال سنوات الحرب غادر البلاد الكثير من الكوادر الطبية المؤهلة للعمل في دول الجوار أو أوروبا.

ولم يتبقى إلا القليل من الأكفاء والذين بدورهم ذهبوا للعمل في عياداتهم الخاصة بمقابل كبير، يقول الدكتور أدهم قاسم.

ويشير إلى أن كثير من خريجي الكليات الطبية وجدوا أنفسهم بحاجة إلى شهادات خبرة حتى وإن كلفهم ذلك حياة المرضى.

الحوثيون يُحمّلون التحالف

كالعادة حمل الحوثيين -عبر وزير صحتهم طه المتوكل خلال لقاء موسع عقدته وزارة الصحة- التحالف العربي مسئولية الأخطاء الطبية بالبلاد.

وقال المتوكل إن التحالف مسؤول بدرجة معينة في ملف الأخطاء الطبية، وذلك عبر منعه دخول المعدات والمستلزمات الطبية إلى اليمن.

وأشار الوزير الحوثي إلى أن الخطأ الطبي ملف حساس ووزارة الصحة والمستشفيات معنيون بمعالجته وتقليل اللغط حوله.

المجلس الطبي الأعلى بصنعاء وثق خلال العام 2022 عشرات الأخطاء الطبية القاتلة وبمعدل 200 شكوى.

ورغم أن المجلس الطبي قال إن مستشفيات وأطباء وممرضين في اليمن أقترفوا تلك الأخطاء، لكن هذه الشكاوي ظلت حبيسة الأدراج.

موقف القانون اليمني

القانون اليمني يُجرم الأخطاء الطبية، ويُصنفها من الجرائم الجسيمة.

المادة (241) من قانون العقوبات تنص على أنه إذا توفي المريض تكون العقوبة بالدية المغلظة أو السجن لمدة خمس سنوات.

وذلك لمن اعتدى على سلامة جسم غيره، بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت.

وفي حالة عدم الوفاة تكون العقوبة بالسجن سنتين أو غرامة مع “الأرش”، وفقًا لنص المادة (245) من قانون العقوبات اليمني.

تتكرر الأخطاء الطبية بجميع المحافظات دون أي معالجات رسمية لوضع حد لهذه الانتهاكات، التي تحصد الأرواح البريئة مثلها مثل الحرب.

كما أنها تضع الكثير من علامات الاستفهام عن الوضع الطبي باليمن، الذي تحولت فيه ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب.

مقالات مشابهة