المشاهد نت

اللون الغنائي التعزي.. هوية وتراث

اللون التعزي تجاوز حدود المحافظة وصدحت به أصوات يمنية من خارج تعز

تعز – محمد المخلافي

تتمتع محافظة تعز (جنوب اليمن) بلون غنائي خاص بها، يُراعي هويتها ويعكس ثقافة سكانها.

غير أن هذا اللون الغنائي التعزي لم يحظَ بالاهتمام، ولم يأخذ نصيبه من الظهور والانتشار في الوسط الفني والثقافي.

وبقيّ هذا اللون الغنائي بعيدًا عن القراءات المتخصثة في الجانب الفني، وظل التركيز الكبير قائمًا على الألوان الغنائية الاخرى فقط

لكن ما لا يعرفه البعض أن اللون التعزي بدأ ينتشر منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، واشتد عوده مطلع الستينات.

وذلك مع ظهور عدد من الفنانين الذين ظهروا من البيئة الثقافية بمحافظة تعز، وبروز شعراء كتبوا قصائدهم باللهجة المحلية التعزية.

الإرهاصات الأولى

كانت المقدمات الأولى للون الغنائي التعزي أواخر خمسينيات القرن الماضي، عن طريق الشاعر سعيد الشيباني.

حينها، أنتج الشيباني قصيدته الأولى التي تُصنف بأنها باكورة القصائد باللهجة التعزية، وكانت قصيدة “يا نجم يا سامر”، وكتبها عام 1958.

والقصيدة مناسبة، حيث كتبها الشيباني وهو يستعيد لأول سَفرة له إلى مدينة عدن، عندما بات ليلة في منطقة (المصلة).

عدن.. حاضنة الغناء التعزي

يقول الشاعر محمد عبدالوهاب الشيباني: في البداية كانت مدينة عدن هي الحاضن للون الغنائي التعزي.

وأضاف لـ«المشاهد» أن هناك فنانين من عدن غنوا لشعراء الحجرية، مثل: محمد مرشد ناجي، وفرسان خليفة، وأحمد قاسم، واسكندر ثابت.

ويزيد: بعد فترة لمع اسم الشاعر عبدالله سلام ناجي الذي كتب باللون التعزي وتعاون مع مطربين تعامل معهم الشاعر سعيد الشيباني.

وبعد ذلك ظهر الشاعر عبده عثمان الزبيري، ثم الشاعر أحمد الجابري، الذي غنى له الراحلان محمد مرشد ناجي، وأحمد قاسم.

محطات عديدة

يواصل الشيباني حديثه: مرّ اللون الغنائي التعزي بمحطات عديدة حتى أصبح لونًا غنائيًا مستقلًا.

متابعًا: من أبرز تلك المحطات، محطة الشعراء الخارجين من البيئة التعزية، ومحطة المطربين الذين غنوا هذا اللون من مدينة عدن.

وذلك قبل أن يصبح هذا اللون يمثل صوت الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان والفنان أيوب طارش عبسي، الذَين شكلا ثنائية منسجمة.

إضافة إلى تعزيزه بمرحلة ثنائية أخرى بين الشاعر سلطان الصريمي والفنان عبدالباسط عبسي، بحسب محمد الشيباني.

ويشير: فيما بعد، أنتجت هذه المدارس الكثير من الأصوات، وأصبح اللون التعزي جزءًا من التنوع الغنائي في اليمن الكبير.

عام 1967 بدأ اللون الغنائي التعزي ينتقل إلى محطة أخرى بالتقاء الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان والفنان أيوب طارش، وفقًا للشيباني.

كان التعاون بين الفضول وأيوب تعاونًا فنيًا وثقافيًا وثنائيًا، وهما الفنان والشاعر الذَين كانا أول الخارجين من البيئة المحلية التعزية.. يقول الشيباني.

ألحان ملهمة

من جانبه، يقول الإعلامي محمد سلطان اليوسفي إن الكثير من المطربين استقوا بعض ألحانهم من هذا التراث الشعبي الغنائي.

ويوضح اليوسفي لـ«المشاهد» أن الألحان الشعبية السائدة بمحافظة تعز كانت ملهمة لهم في إنتاجهم، على مستوى الألحان وعلى مستوى الكلمات.

فهناك الكثير من ألحان الفنانين محمد بشر وأيوب طارش وعبدالباسط عبسي، وغيرهم ترتكز على هذا الإرث الشعبي، كأغاني الأعراس وفن الملالاة.

ويضيف: تجارب أخرى استلهمت ألحانًا من التراث الشعبي التعزي، كالفنان المرشدي في أغنية (يا محل أورد)، وأحمد قاسم (هربوا جاء الليل)، وغيرهم.

الخصوصية الأولى

خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كانت الأعمال الغنائية تناقش قضايا إجتماعية هادفة.

إقرأ أيضاً  أعمال روائية يمنية تتأهل لجائزة كتارا

وكان الفنانون والشعراء يتعاملون معها كقضايا اجتماعية يتوجب إيصالها ألى المجتمع؛ ما أدى إلى ظهور الخصوصية الغنائية للون التعزي.

ويعرج عبدالوهاب على قضية الثنائيات، فبعد ثنائية أيوب طارش والفضول ظهرت ثنائية أخرى للون التعزي.

وهي ثنائية الشاعر سلطان الصريمي والفنان عبدالباسط عبسي، وبدأت مع قصيدة “مسعود هجر” التي تدور حول موضوع  الهجرة والاغتراب المنتشرة حينها بشكل كبير.

معتبرًا أن اللون الغنائي التعزي احتاج لسنوات ليثبت بالخارطة ويمتلك مطربين من ذات البيئة، بعدما كان يتكئ على فناني عدن.

ثورة تجديد

خلال السنوات الأخيرة اتجه الكثير من الفنانين الشباب نحو تجديد اللون الغنائي التعزي وتعزيز حضوره في السياقات الفنية والثقافية.

وذلك من خلال تجديد الأعمال الغنائية القديمة، وتقديمها بأسلوب حديث يتناسب مع ذائقة الجيل الجديد.

حيث أعتاد الجمهور الحالي على الإيقاعات المتعددة، ولم يعد يهتم كثيرًا بالأغاني التراثية القديمة التي تعتمد على آلة العود فقط.

في هذا السياق، تقول الفنانة الشابة فاطمة مثنى لـ«المشاهد»: الفن القديم كان فنًا ساميًا وأصيلًا، ولا يزال يعيش معنا حتى اليوم.

وأضافت: “على الفنانين الشباب إعادة إنتاج وتجديد الأغاني القديمة بشكل عام والمتربطة باللون الغنائي التعزي على وجه الخصوص”.

وهذا التجديد يهدف لتقديمها بأسلوب راقي يجذب شباب هذه الأيام، ويسمو بأرواحهم عاليًا، ويعمل على مخاطبة الوجدان، بحسب فاطمة.

وتزيد: تجديد الأغاني المرتبطة باللون الغنائي التعزي أمر مهم في هذا الوقت لتخليد الأغنية التعزية في ذاكرة الأجيال.

ونحن من خلال تجديد الأغاني القديمة -تقول قاطمة- نسهم في خلق ذائقة فنية متميزة راقية واصيلة عند الجيل الحالي.

وتواصل: ونستغل حب الشباب لأصواتنا في التجديد، فالكثير منهم عندما يستمعون لأغنية قديمة بصوت شبابي يبحثون عن الأغنية الأصلية وسماعها.

تأصيل وتنوع

وفي الصدد، يقول سام البحيري رئيس صالون “ميون الثقافي”: “عملية تجديد الأغاني التعزية التراثية القديمة وتأديتها بأصوات شبابية موضوع مهم”.

ويشير البحيري لـ«المشاهد» إلى وجود طرق للتوجيه الصحيح في تأدية الأغاني التراثية من حيث الأداء والتوزيع الموسيقي.

“وذلك كله من أجل المحافظة على اللحن والأداء بذات الطريقة واللهجة التي قُدمت الأغاني التعزية التراثية بها”.. يضيف البحيري.

ويواصل: اللون الغنائي الخاص بمحافظة تعز بحاجة إلى التنقيب والتأصيل، فهناك إيقاعات عديدة كالإيقاع الزبيري، والهدان، والجيرابي، وغيرها.

ويمكن الاشتغال عليها وتقديم اللون التعزي بطريقة تليق بالمحافظة، وتقديم تراثها بشكل جيد، وفقًا للبحيري.

مقترحًا تفعيل جهود الجهات الرسمية، والجمعيات والنقابات الفنية، وشعراء الغناء التعزي، والملحنين، والفنانين.

تعزيز التنوع الغنائي

دعوات تطالب بفتح آفاق الدراسات الموسيقية؛ للبحث في خصائص الغناء التعزي وغيره من الألوان؛ بما يؤدي إلى تنوع المشهد الغنائي باليمن.

معتبرين أن قراءة اللون التعزي ليس له تحيزات جغرافية، أو أغراض مناطقية؛ وإنما يعزز التنوع الفني والثقافي في بلد كبير كاليمن.

وتزخر تعز بتراث غنائي كبير ومتنوع، ويلاحظ ذلك التنوع من خلال الفنون الغنائية الشعبية المتواجدة في كل منطقة من المحافظة.

فهناك الملالاة التي تؤدى في مناطق تعز، والموالد الدينية، وأغاني الأعراس، وأهازيج المزارعين، وغيرها من الأنواع تثري المحافظة ثراءً فنيًا كبيرًا.

مقالات مشابهة