المشاهد نت

صنعاء.. مليحة أنهكتها «الكوليرا» 

انتشار الاسهال المائي الحاد في اليمن
سجلت منذ بداية العام الجاري حتى نهاية مايو قرابة 63 ألف حالة، حسب منظمة أطباء بلاحدود

صنعاء – نورا الظفيري 

عانى والد “غدير محمد” قبل ثلاثة أسابيع من القيء والإسهال الحاد، ولم يأكل سوى وجبة واحدة فقط خلال اليوم.

تقول غدير لـ«المشاهد»: “وقتها ظهر على ملامحه الهزال الشديد وغارت عيناه، وشعرت غدير حينها بالخوف عليه”.

وتضيف: أنه تم استدعاء ممرض أعطاه محلولين وريدين، وعاد والدي بعدها إلى الأكل والشرب قليلًا.

لكن لم يستمر ذلك كثيرًا، وعادت أعراض الكوليرا من جديد، واستمرت حتى قبل فجر اليوم التالي، وأصبحت حالته متدهورة.

حاولت غدير إقناع والدها بأخذه إلى أقرب مستشفى لكنه رفض رفضًا قاطعًا، وباءت محاولاتها معه بالفشل، واستجابت لطلبه مرغمة.

وتواصل: ثم انتظرنا حتى الصباح، وكان قد بدأ يشعر بالدوار حينها، ولم يستطع الوقوف على قدميه.

وتصف غدير حالة والدها بـ”المتدهورة” بعدما أخذه اخوها وصديقه إلى المستشفى. وكشفت الفحوصات في المستشفى إصابته بجفاف شديد، وأظهرت أن وظائف الكلى لديه مرتفعة.

حينها أعطى له الطبيب محاليل وريدية منذ دخوله وإلى قبيل المغرب على فترات متقطعة، تتخللها فحوصات لقياس مستوى وظائف الكلى.

وبعد المغرب عقب الفحص الأخير كُتِب له رقودًا في العناية المشدّدة لمدة 24 ساعة، قبل أن يكتب له الطبيب خروجًا نهائيًا مساء ذات اليوم عقب استقرار حالته.

انكار الوباء

مقلب للنفايات بجوار مركز صحي في صنعاء مخصص لعزل حالات الكوليرا والاسهال المائي الحاد

والد غدير واحد من أكثر من 63,000 حالة تمّ الإبلاغ عنهم في البلاد منذ بداية العام الجاري حتى 31 مايو/أيار وفقًا لتقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود.

وعلى الرغم من محدودية القدرة على الفحص بالبلاد، فقد تبيّن أن أكثر من 2,700 حالة فحصت مخبريًا هي إصابات مؤكدة بالكوليرا. 

وتشهد 20 محافظة يمنية ارتفاعًا كبيرًا في حالات الإسهال المائي الحاد، وفقًا لتقرير صادر مطلع يونيو/حزيران الماضي لمنظمة أطباء بلا حدود.

مُنذ بداية شهر رمضان بدأ العاملون في المستشفيات الحكومية والخاصة، وكذلك العيادات الخاصة باستقبال أعداد متزايد من الحالات المصابة بالكوليرا.

يأتي هذا في ظل تكتم كبير من وزارة الصحة التابعة لسلطة جماعة الحوثي، حيث حاول «المشاهد» الحصول على بيانات وإحصائيات من الوزارة، دون جدوى.

وكان رد مصدر مسؤول في وزارة الصحة “أن الوزير شخصيًا حريص على عدم إخراج أي بيانات أو التعامل بأن هناك وباء كوليرا ينتشر.

وما يؤكد التكتم الشديد من سلطة صنعاء قول أحد الأطباء بمستشفى الثورة: “من المؤسف أنه لم يتم التعامل مع الكوليرا كوباء من قبل وزارة الصحة.

ويشير الطبيب: لا توجد مراكز عزل خاصة، وإنما تستقبل الحالات في أقسام طوارئ المستشفيات الخاصة والحكومية”؛ ما ساعد على انتشار وانتقال العدوى.

من جانب أخر، ينفي الدكتور إبراهيم اليريسي وجود أي تكتم من قبل وزارة الصحة أو إهمال، ويقول أنه قد تم تخصيص عدد من المراكز والمستشفيات للكوليرا منذ شهر شعبان.

لافتًا إلى أنه تم إبلاغ المستشفيات لتحويل الحالات للأماكن المخصصة، وقد تم توفير الخيام والمستلزمات الإضافية ليتم استيعاب أكبر عدد من الحالات.

كما تم التوجيه من قبل عمليات الوزارة لمدراء المستشفيات بأن يتم التعميم على الأطباء بتحويل الحالات المشتبهة بالكوليرا المراكز المخصصة، بحسب اليريسي.

موضحًا أنه تم منع استقبال أي حالة خارج مستشفى 22 مايو ضلاع همدان، ومستشفى هاني طومر في مذبح، مستشفى فلسطين (زايد سابقًا) في المطار، ومركز آزال في نقم، إضافة إلى مستشفى الكويت.

إقرأ أيضاً  الفنان الهجرى: دعم الإنتاج الغنائي في اليمن على أساس التوجه السياسي

رصد «المشاهد» خلال نزوله إلى أحد المراكز المخصصة للعزل الكوليرا، أن الطريق المؤدي للمستشفى يوجد فيها مجاري طافحة، كما تم ملاحظة وجود مقلب للنفايات بجوار المستشفى تمامًا، وربما ذلك يساعد على انتشار العدوى. 

اسهال مائي حاد 

مجاري طافحة في الطريق المؤدي لمركز صحي بصنعاء مخصص لعزل حالات الكولير والاسهال المائي الحاد

ليست كل الإسهالات المائية الحادة هي كوليرا وإنما ظهرت عدد من الحالات تم تشخيصها بتسمم بكتيري.

من ضمن تلك الحالات حالة الخمسينية أم محمد، تقول: “عانيت من أعراض القيء و الاسهال المائي الحاد مع آلام شديدة في البطن لم أستطع التحمل ليتم اسعافي إلى مستشفى الكويت.

وتضيف لـ«المشاهد»: ما إن أوصلني أبنائي إلى هناك رفضت طوارئ المستشفى استقبال حالتي.

“كان ردهم أن هذه حالات تذهب لمركز 22 مايو بمنطقة مذبح (مستشفى هاني طومر حاليًا)؛ كونه متخصص بحالات الإسهال المائي”.

وتقول أم محمد: “ذهبت إلى المستشفى هاني طومر وعندما وصلت إلى طوارئ المستشفى عملت الفحوصات اللازمة”.

وتواصل: “كانت النتيجة أن عندي تسمم غذائي بكتيري وارتفاع حاد في وظائف الكلى، وتم إعطائي محاليل وأدوية وخرجت من المستشفى”.

وتكمل: حالتي ازدادت سوءًا، ورفضت طلب أبنائي بأن أذهب إلى المستشفى مرة أخرى، لأني لم أشعر بتحسن عندما ذهبت.

لكنهم اسعفوني إلى المستشفى الجمهوري بصنعاء الذي رفض استقبالي رغم شرح لهم أن حالتي ليست كوليرا وإنما تسمم بكتيري، تقول أم محمد.

وكان رد الطبيب عندما اطلع على الفحوصات” أن المفترض من مستشفى هاني طومر أن يقوم بحجزي طالما ووظائف الكلى مرتفعة.

 عدت إلى هناك، وكررت إجراء الفحوصات التي بيّنت أن وظائف الكلى ارتفعت عما كانت عليه سابقًا، وتم حجزي وتحويلي إلى غرف الرقود.

في غرفة الرقود وجدت أم محمد ست حالات مصابة بالقيء والاسهال حالتين منهم “كوليرا” مؤكدة، أما أنا وثلاث حالات أخرى كانت “تسممًا بكتيريًا”.

شح الامكانيات

تشير أم محمد إلى أنهم دفعوا أموالًا لشراء الأدوية، رغم أنهم كانوا يتحدثوا عن دعم منظمات دولية لمستشفيات العزل الخاصة بالكوليرا.

وقالت إنه لا يوجد شيء، حتى أن المركز يفتقر للمعقمات والمستلزمات الوقائية للمرضى والمرافقين.

وتضيف: حالتي تدهورت في الحجر اليوم التالي وارتفاع السكر والضغط، فالمستشفى لا تملك الإمكانيات اللازمة حتى لفحص وظائف الكلى التي نفذت محاليلها من المختبر.

خوف أبنائها عليها بسبب الخلط بين حالات كوليرا وحالات الاشتباه في غرفة واحدة دفعهم لإخراجها، والذهاب بها إلى عيادة خاصة تحسنت حالتها بعدها.

الحجر الصحي

يستقبل مستشفى هاني طومر أكثر من 30 حالة رقود يوميًا في ثلاث غرف عزل، والكثير منها يتم عمل لهم الفحوصات وكتابة الأدوية اللازمة وعمل المحاليل وإخراجهم.

 يقول أحد الأطباء المناوبين بمركز العزل، الدكتور إبراهيم اليريسي، لـ«المشاهد»: “لا يوجد خطورة بالنسبة لعزل جميع حالات الإسهال المائي، وذلك ضروري للسيطرة على الوباء في ظل انتشاره”.

ويضيف: ما أن يصل المصابون المراكز المخصصة للعزل يوجد طوارئ عامة لاستقبال جميع الحالات. 

بعدها يتم أخذ القصة المرضية وفحص المريض وعمل الفحوصات اللازمة للكوليرا، قبل أن يدخل المصابون مراكز العزل، بحسب اليريسي.

ويتابع: أما في حالات الاشتباه فإنه يتم عمل الإجراءات اللازمة للمصاب حتى تستقر حالته ويتم اخراجه.

فيما يتم حجز المصابين بالكوليرا وإدخالهم غرف العزل ويتم إحالة الحالات الحرجة للعناية المركزة حتى تتعافى تمامًا.

مقالات مشابهة