المشاهد نت

هل فشلت الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة !!؟

مدينة تعز

المشاهد-حمدي رسام -خاص :

منذ بداية عاصفة الحزم التي اطلقها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لاستعادة الشرعية للرئيس المعترف به دوليا عبده ربه منصور هادي ، وتلتها اعادة الأمل استطاعت القوات المولية للرئيس هادي بدعم التحالف من السيطرة على العديد من المناطق والمحافظات كما حققت انتصارات كبيرة على مسلحي تنظيم القاعدة واستعادت  حضرموت وابين ولحج من قبضة مسلحي التنظيم، وبحسب تصريحات لمسؤولين حكوميين فان حكومة الرئيس هادي تسيطر على 80 % من الاراضي اليمنية، لكن السؤال الاهم ما الذي قدمته الحكومة في هذه المناطق .

من خلال رحلة عمل استمرت 17 يوم ، مررت بـسبع محافظات وهي تعز ، لحج ، وعدن، وابين، وشبوة، ومارب، وحضرموت،  اكتشفت ان واقع المحافظات بخلاف ما يروج له في الاعلام، فالعديد من المناطق المحررة لم تستطع الحكومة الشرعية ادارتها على كافة الاصعدة الامنية والاقتصادية والخدمية، ويبدوا فشل الحكومة الشرعية جليا عند النظر الي واقع المحافظات المحررة والي مؤسسات الدولة وأجهزتها الامنية.

ويرى مراقبون ان فشل الحكومة الشرعية  في ادارة المحافظات المحررة  هو في عدم امتلاكها لرؤية واضحة وانها تعمل بطريقة ارتجالية وعشوائية ، يقول الكاتب السياسي اسماعيل احمد ”  فشل الحكومة الشرعية في أداء وظائفها الأمنية والخدمية والإقتصادية لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الفشل السياسي للقيادة الشرعية التي لا تعمل خارج توجيهات وتوجهات قيادة التحالف التي تدير معركة التحرير والبناء في اليمن بوحي من مصالحها وفق معادلة شديدة التعقيد من ناحية سياسية أكثر منها عسكرية “.

ويضيف ” يبدو الفشل السياسي للشرعية أكثر وضوحاً بالنظر لسلطاتها المناثرة التي تتوزع المناطق المحررة دونما رابط يربطها ببعضها كوحدات سلطوية تعمل في سياق سياسي واحد تحت إمرة السلطة الشرعية . وهذا الفشل أو الإفشال السياسي انعكس على أداء الحكومة الشرعية التي تجد نفسها مضطرة للتعاطي مع سلطات حكومية موازية ضمن واقع عسكري متداخل لا يسمح لها بالقيام بمهامها على أكمل وجه كحكومة مسؤولة عن كل ما يجري في نطاقها “.

فيما يرى الصحفي محمد سعيد الشرعبي  أن فشل الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة بسبب آلية عمل وتركيبة السلطات المحلية وتعدد مصادر القرار العسكري والمدني، وغياب للجهاز الإداري الأمني للدولة المركزية التي يفترض تحرك كافة السلطات المحلية.

غياب للمؤسسات الامنية ونقاط تفتيش لابتزاز لأصحاب المركبات

 تشهد معظم المحافظات المحررة غياب للمؤسسات الامنية حيث تنتشر الجماعات المسلحة الغير نظامية ، فعلى طول الطريق الواصل من تعز الي عدن تنتشر نقاط التفتيش بعضها لمسلحين يرتدون زي مدني ، لا تعرف هل هم افراد امن ام مجموعة مسلحة لا علاقة لها بقوات الامن ، وتقوم هذه النقاط بابتزاز السائقين خاصة اصحاب المركبات التي تنقل البضائع والتي يشتكي اصحابها من ابتزاز النقاط الامنية لهم ، يروى محمد  45 عاما  احد سائقي الشاحنات ، انه عندما يخرج من عدن محمل بضاعة الي تعز يبدا اولا في تجهيز مبالغ مالية من فئة 500 ريال لكي يوزعها على النقاط الامنية ، بحسب كلام محمد لا يستطيع صاحب الشاحنة المرور من النقاط الامنية الا بدفع 500 لكل نقطة على اقل تقدير.

هذه الإتاوات الغير قانونية تثقل كاهل المواطن الذي يدفع هو ثمن تلك الابتزازات فالتاجر يضيف تكاليف النقل على البضاعة وبالتالي يرتفع سعرها كما هو حاصل في مدينة تعز التي تشهد ارتفاع في اسعار السلع الاساسية ، والسبب كما يرى كثير من المراقبين يرجع الي صعوبة ادخال المواد الي المدينة بسبب الحصار وارتفاع تكلفة نقل البضائع عن طريق عدن في ظل الجبايات الغير قانونية التي يدفعها التجار للنقاط الامنية.

عدن وجود صوري للدولة وغياب للخدمات

 عند الاقتراب من اول نقطة تفتيش من محافظة عدن تشعر بالارتياح لوجود اثر للدولة ، فالنقاط الامنية المنتشرة بالزي العسكري تبعث على الاطمئنان والسرور، وبرغم الدعم التي تحظى به عدن باعتبارها العاصمة المؤقتة ومركز قيادة قوات التحالف الا انها فشلت في تكوين نموذج جيد للمناطق المحررة ، فالخدمات الاساسية فيها متعثرة ان لم تكن شبة معدومة ، حيث تعاني المدينة من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تصل الي ما يقارب 12 ساعة ، والمجاري الطافحة في الشوارع ، يقول سالم اليافعي 30 عام ويعمل سائق تاكسي ، عند سؤالي له عن الوضع في عدن : ” من حين دخل الحوتي عدن لم نرى الخير ، لا كهرباء ولا ماء ولا أمن “. ويضيف سالم ” عندما دخلت قوات الشرعية وقوات التحالف العربي استبشرنا خيرا ، لكن الواقع كما ترى لم يتغير ، لم تتغير سوى طلاء بعض المدارس بالرنج . اصبحنا نعاني من انعدام الخدمات وانعدام الدولة “.

لم تغب اثار الحرب عن المدينة رغم مرور ما يقارب السنتين من تحرير المدينة فالمباني المدمرة ما زالت شاهدة على الحرب التي شهدتها ، ولا شيء يبدوا جميلا في المدينة سوى ساحل ابين الذي اصبح مزار للمواطنين ومتنفسا للأطفال والعائلات بعيدا عن صخب المدينة واثار الحرب الكئيبة

يقول محمد 17 عام : ” اقطع شوطا  طويلا للوصول الي هنا لكي امارس لعب كرة القدم مع زملائي ، فالساحل اصبح متنفسنا الوحيد ”

إقرأ أيضاً  زيارة المعالم الدينية بحثًا عن الروحانية في رمضان

أما في ابين التي كانت تحت سيطرة مسلحي تنظيم القاعدة قبل ان تتمكن قوات الرئيس هادي مدعومة بقوات التحالف من السيطرة عليها وطرد عناصر تنظيم القاعدة منها ، فلم تسلم هي الاخرى من اثار الحرب ، فمعظم المقرات الحكومية والمتاجر دمرت بشكل كلي او جزئي. اما على صعيد تقديم الخدمات الاساسية فقد ضلت المدينة طول حكم الرئيس السابق علي صالح في حكم المحافظات المنسية وفي ضل انعدام للخدمات واستمر حالها حتى بعد الاطاحة بالرئيس صالح وصعود الرئيس هادي للحكم والذي ينتمي لهذه المحافظة التي يتنتشر الفقر بنسبة كبيرة بين سكانها.

مأرب وحضرموت حالة استثنائية

عجز الحكومة واخفاقها في تأمين العاصمة المؤقتة عدن واتخاذها مركز للحكم والسيطرة و انعكس على أداءها في كل المناطق المحررة وحكم عليها بالفشل مهما قيل عن النجاحات الجزئية في بعض المناطق المحررة مثل مأرب وحضرموت التي يعود النجاح النسبي فيها لعوامل خاصة وسياقات لم تكن الحكومة شريك في صناعتها .

حيث تشهد مدينة مأرب استقرارا أمنيا واقتصاديا نسبيا انعكس إيجابا على توسيع أنشطة التجارة وحركة المشاريع الحكومية ومظاهر البناء العمران و تفعيل مؤسسات الدولة الامنية والخدمية فمعظم الخدمات متوفر فيها كالكهرباء والمياه ، كما تشهد المحافظة نشاطا اقتصاديا كبير ونموا سكانيا ، حيث اصبحت مارب ملجا للنازحين من جحيم الحرب وسوقا رائجا لأصحاب الاموال.

يقول الصحفي حمود هزاع ” اصبحت مأرب نموذج مشرق في النهوض والبناء بعد ان ظلت لعصور تتوارى خلف المشهد، فمارب اليوم تشهد مشاريع تنموية عديدة من مدارس وطرق وغيرها “.

اما محافظة حضرموت  التي ظلت ما يقارب العام والنصف تحت سيطرة مسلحي تنظيم القاعدة ، وفي ابريل 2016م دخلت قوات النخبة الحضرمية مسنودة بقوات إماراتية  مدينة المكلا في عملية خاطفة لم يقاوم فيها مسلحي التنظيم سوى عدة ساعات قبل ان ينسحبوا من المدينة ،ورغم البداية السيئة لقوات النخبة الحضرمية في مضايقات بعض المواطنين خاصة المواطنين من المحافظات الشمالية الذين تعرضوا للمضايقات قبل ان تتدارك قيادة المحافظة الامر وتقوم بإعادة النظر في بعض العناصر المتورطة بحسب بعض المصادر  التي فضل عدم ذكر اسمها.

وبرغم  توفر الخدمات الاساسية كالكهرباء والمياه حيث تعتبر محافظة حضرموت المحافظة الاكثر توفرا للخدمة الكهرباء من بين محافظات الجمهورية حيث تتوفر الكهرباء فيه بمعدل 22 ساعة في اليوم وكذلك خدمة الماء،  الا ان الموظفين كحال بقية المحافظات يشتكون من عدم تسليم المرتبات خاصة مرتبات المتقاعدين  يقول الحاج ابو عمر 70 عام متقاعد كان يعمل في وزارة الدفاع ” معظم الخدمات متوفرة لكننا نريد معاشاتنا ، فنحن المتقاعدين لنا ما يقارب السته اشهر بدون مرتبات “.

وبحسب مراقبين فإن نجاح الإقليمين يعود بدرجة أساسية لكونهما اقليمين نفطيين يحضيان برعاية كبيرة من التحالف ، كما أن خصوصية التوافق السياسي بين المكونات الحزبية وقوة ترابط النسيج الإجتماعي قد أتاح لكل منهما ميزة السيطرة على الصراعات التي تشهدها مدن أخرى كعدن وتعز التي تعاني من صراعات داخلية تشل قدرتها على الحركة .

حيث يرى مراقبون ان قوات التحالف حرصت منذ بداية الحرب على تجنيب أهم اقليمين نفطيين ويلات الحرب والصراع ، حيث اتخذت من مأرب مقرا و منطلقا لعملياتها العسكرية بما يقتضي ذلك من ضرورة خلق سلطة متماسكة فيها وتزويديها بما يلزم ومثلها حضرموت التي ظلت بعيدة عن الحرب وخاضعة لسيطرة القاعدة التي احكمت سيطرتها عليها قبل أن يتم طردها منها بعملية عسكرية خاطفة لم تتسبب في تمزيق النسيج وخلق صراعات سياسية أو عسكرية .  وهذا أحد أهم العوامل التي ساعدت المحافظتين على تجاوز أسباب الصراع وتلافي نتائجه المدمرة التي تشهدها مدن ومحافظات أخرى “.

ما الذي يجب على الحكومة فعله لمعالجة مشاكل المحافظات المحررة

 يرى العديد من المراقبين والمهتمين  انه يتوجب على الحكومة عمل معالجات سريعة وعاجلة لإدارة المحافظات سوى المعالجات الاقتصادية او الامنية واو السياسية.

حيث يؤكد الكاتب السياسي اسماعيل احمد انه لا يمكن للحكومة أن تقوم بمهامها وهي لا تمتلك الإرادة الكاملة لتنفيذ برنامجها هذا إذا كان لديها برنامج أصلا ولا في ظل تعدد السلطات الموازية لها ولا في حالة ما إذا لم تكن  تمتلك القرار ، وتكون أشد عجزاً حينما تكون مكشوفة بلا غطاء سياسي ولا إرادة سياسية تسندها.

فيما يقول الصحفي محمد سعيد الشرعبي اذا ارادات الحكومة الشرعية ادارة المحافظات المحررة بشكل افضل فيجب عليها العمل  على تعزيز الجهاز الأمني والمدني المركزي للدولة في العاصمة المؤقتة عدن، وربط السلطات المحلية في المحافظات المحررة بالأجهزة والمؤسسات العليا، وإعادة اختيار المحافظين وطواقمهم الإدارية، والابتعاد عن اختيار المسؤولين الذين لهم توجهات ومصالح ضيقة او المعروفين بالفساد.

فيما يرى  الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي ، مصطفى نصر ان حل مشكلة المناطق المحررة تكمن في العودة الكاملة للحكومة للمناطق المحررة، وعمل رؤية واضحة للتعامل مع الواقع الجديد، ووضع حد فاصل بين الحكومة المركزية ، والسلطات الاخرى في المحافظات التي افرزها الواقع الجديد، وكذلك عمل موازنة مركزية وموازنات محلية بالتشاور والتنسيق مع السلطات المحلية في هذه المحافظات المحررة.

 

مقالات مشابهة