المشاهد نت

تقرير خاص من تعز… موتى بلا مقابر

من ضحايا قصف جماعة الحوثي على مدينة تعز

المشاهد- هشام المحيا -خاص -تعز:

تبدو مدينة تعز ــ ذات الكثافة السكانية الأولى في اليمن ، مختلفة في المعاناة ، فبينما يعاني أبناءها في حياتهم من قساوة أقدارهم ، حيث الموت لم يغادر سمائهم ولو للحظة واحدة منذ أكثر من عامين ،يجدون أنفسهم في معاناة أمر وأقسى بعد الممات بسبب انعدام المقابر في المدينة ، فالمحظوظون من موتاها يجدون أنفسهم ملقون في مقابر جماعية أو فوق رفات ميت عفا عليه الزمن ، أما أولئك التعساء فتتعفن أجسادهم وهم ينتظرون الحصول على جرف أو جبل في الأرياف يوارون بها سوءاتهم.

يشكل سكان تعز ” المدينة ” نسبة تتجاوز 30 بالمائة من اجمالي سكان المحافظة البالغ تعدادهم أكثر من أربعة ملايين نسمة ، ورغم هذا الكم الهائل من السكان الا أن المدينة تعاني منذ أكثر من عشرة أعوام من عدم وجود مقابر للموتى ، إذ لا يتجاوز عددها 6 مقابر كلها ممتلئة ، بالإضافة إلى مقبرة السعيد التي افتتحت قبيل هذه الحرب لكنها امتلأت بموتى أغلبهم مدنيون بعد أن قتلوا على يد جماعة الحوثي إما عن طريق القنص المباشر للمارة أو القصف العشوائي للأسواق وشوارع المدينة ، تأتي أزمة المقابر هذه في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات الوفيات خلال العامين الماضيين بسبب الحرب ، إذ تذكر الاحصائيات الرسمية أن معدل الوفيات في محافظة تعز – قبل الحرب – يبلغ 11 شخص في الألف أي حوالي 40 ألف حالة وفاة بالمحافظة سنويا 30 بالمائة منها نصيب المدينة .

وارتفع هذا العدد خلال العامين الماضيين إلى أكثر من 44 ألف حالة وفاة سنويا ، منها 15 ألف حالة وفاة في المدينة ، وبالتالي تحتاج المدينة لدفن موتها إلى 30 ألف متر مربع بمعدل متري مربع لكل شخص ، وهو الامر الذي تعجز عنه المدينة ، ويفسر الأطباء في المحافظة سبب هذا الارتفاع إلى الحرب التي تشنها المليشيا الانقلابية على محافظة تعز حيث تشير المصادر الطبية هناك إلى سقوط قرابة 4 آلاف قتيل خلال العامين الماضيين ، بالإضافة إلى آلاف الوفيات الطبيعية التي فارقت الحياة لأسباب كثيرة أبرزها تدهور الاوضاع الصحية وتوقف أغلب الاقسام المتخصصة بعلاج الأمراض المستعصية والمزمنة.

طرق الدفن

عبدالحميد الصبري ــ إمام مسجد ومتطوع في غسل ودفن الموتى ــ تحدث لــ” المشاهد” عن طرق دفن الموتى في مدينة تعز بعد أن امتلأت المقابر فيها فيقول ” اضطر سكان مدينة تعز إلى دفن موتاهم بطرق محزنة وشاقة للغاية غالبا ، وتأتي طرق الدفن تلك في أكثر من صورة ، أولها وهي الأكثر مأساوية طريقة الإحلال ، أي جمع ما تبقى من عظام أو رفات لموتى انقضى على موتهم فترة من الزمن ليحل مكانه الميت الجديد ، أما الطريقة الثانية فتتمثل بخروج الأهالي إلى الأرياف للبحث عن قبر يدفنون فيه موتاهم وتأخذ هذه الطريقة تكاليف مرتفعة ، وتأتي الطريقة الثالثة لتكمل مشهد معاناة تعز إذ يضطر ذوي بعض الموتى على دفن موتاهم في “أحواش ” منازلهم أو في أراض يمتلكونها سابقا لم تكن مخصصة لهذا الغرض .

إقرأ أيضاً  تكحيل العين…طقس رمضاني مهدد بالاختفاء في صنعاء

منير عبدالجليل مهيوب ــ مواطن يقطن في حي المسبح وسط المدينة ــ ذكر لــ”المشاهد” نموذج لبعض صور الدفن للموتى بتعز فيقول ” توفي والدي قبل عام ، ولم تكن أوضاعنا المادية تسمح بشراء قبر له في أطراف المدينة ” ريف تعز ” حيث يكلف ذلك أموالا طائلة ، فاضطررنا إلى شراء قبر له داخل مقبرة داخل المدينة ، بالرغم من أن هذه المقبرة ممتلئة إلا أننا وجدنا طريقة لدفنه حيث قمنا بحفر قبر لميت دفن قبل مدة طويلة وجمعنا ما تبقى من رفاته ووضعنا والدي مكانه ” الأسباب مكتب أوقاف تعز ممثلا بإدارة المساجد والمقابر كان قد صرح في وقت سابق عن أسباب أزمة المقابر المتفاقمة منذ سنوت حيث قال أن السطو على المقابر والاستيلاء عليها بشكل كلي أو جزئي من أبرز الاسباب ، وحسب تلك الإفادة فإن مدينة تعز كانت تمتلك مقابر كثيرة تكفي لعقود كثيرة الا أن اغتصاب أراضيها من قبل متنفذين خلق أزمة كبيرة في المدينة ، وذكر المكتب أن عددا كبيرا من القضايا قد رفعت ضد اولئك المتنفذين الى النيابات والمحاكم وما تزال هناك لم يبت فيها الجدير بالذكر أن المقابر الموجودة حاليا وعددها سبع لم تسلم من الاعتداءات حيث تم الاستيلاء على أجزاء واسعة من مساحاتها ومن تلك المقابر مقبرة ” الأجينات ” والتي كانت تمتد لألاف الأمتار ولم يتبق منها سوى القليل والسبب بناء بعض المواطنين منازل في حرمها قبل عشرات السنوات بالإضافة الى شق الدولة لبعض الشوارع في جزء من مساحتها . حلول مفترضة مع ازدياد اعداد الموتى بمدينة تعز بسبب حرب جماعة الحوثي على المحافظة يتطلب على قيادة السلطة المحلية تقديم حلول عاجلة كون الموضوع انساني بالدرجة الأولى كما يتطلب من القضاء سرعة البت في القضايا المنظورة أمامهم.

مقالات مشابهة