المشاهد نت

جامعة تعز.. يُقتل على أبوابها المُستقبل!!

صورة ارشيفيىة لمبني احدي كليات جامعة تعز

المشاهد- آية خالد -خاص:

«إسكندر» ليس أول الضحايا.. فهل يكون آخرهم؟!

شهد حرم جامعة تعز نهاية الشهر قبل الفائت جريمة مُروعة أودت بحياة طالب وإصابة آخر، هناك من يعزوا أسباب الجريمة لخلاف حدث بين مجموعة من الطلاب، وأنها لا تتجاوز الأسباب الجنائية المُعتادة، فيما يرى آخرون أن وراء الأكمة ما وراءها، مُحملين الجماعات المُسلحة المهددة للأمن والسلم والاجتماعي مَسؤولية ما حدث ويحدث، مُستدلين بقضايا مُتصلة ضحاياها من داخل الحرم الجامعي وخارجه، التحقيق التالي يكشف تفاصيل الحادثة وتداعياتها، ومدى تأثيرها على الطلاب وأساتذتهم، ويبحث أيضاً عن الحلول المفترضة لحماية الجامعة من مخاطر السلاح وحامليه.

عناوين جانبية

ـ عارف جامل (وكيل محافظة تعز): نعيش ظروف استثنائية، وفي الأيام القادمة ستختفي هذه الظواهر تماماً

ـ غيداء عبدالعليم: (شقيقة المجني عليه): تواصلنا مع الجهات المعنية، وعلى أيديهم ننتظر القصاص العادل

ـ رأفت الحاج (طالب): وجود الجماعات المسلحة داخل الحرم الجامعي أمر مُشين في حق العلم وقدسيته

بداية الحكاية

إسكندر عبدالعليم أحمد غالب شاب عشريني يدرس في كلية الحقوق ـ جامعة تعز، كان هذا العام الدراسي عامه الأول والأخير، أشتهر بعَشِقه لكرة القدم، وبذهابه عصر كل يوم إلى ملعب الجامعة، للعب مع أصدقاء له كُثر يقاسمونه ذات الهواية، سدد فريقه هدفاً على الفريق الآخر فبدأ الشجار، تعالت الأصوات، وتخلى الجميع عن أرواحهم الرياضية، وحدث ما لم يكن في الحسبان.

تدخل حينها «حسام»، الصديق المُقرب لـ «إسكندر»، حاول تهدئة الأمور، فيما ذهب «بدر» أحد أعضاء الفريق الآخر للاستعانة بأخٍ له تابع لإحدى الجماعات المسلحة، ليباشر الأخير وأصدقائه فور وصوله إطلاق النار، أصابوا «حسام» برجله اليمنى، فيما عمد «بدر» على ملاحقة «إسكندر» وبيده فاس «عطيف»، هرول الأخير ناجياً بروحه، وقيل أنه ذهب لإحضار وسيلة مواصلات لإسعاف زميلة، في تلك الأثناء، ترصد أحد المسلحين من بين الأشجار خطاه، أصابه في رأسه إصابة قاتلة، ليفارق الحياة بعد ثلاثة أيام في إحدى مستشفيات الحالمة.

ثلاثة جناة

حدثت تلك الجريمة عصر يوم الاثنين «27/2/2017» ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم والقضية تراوح مكانها، لا زالت حبيسة أدراج البحث الجنائي وجهات أخرى، ثلاثة من الجناة تم التحفظ عليهم، القاتل أحدهم، إلا أن الستار لم يكشف عن هويته حتى اللحظة.

يقول الجندي محمد عبد الله أحد أفراد حراسة كلية الحقوق، أن الطلاب في كلا الفريقين كانوا يحملون السلاح، وأن إطلاق النار بدأ من قبلهم، وليس من المُسلحين، فيما نفى صديقه عادل مهيوب صلتهم بالحادثة، مجيباً: «نحن وظيفتنا حماية الجامعة، وبخصوص قضية مقتل إسكندر، فالتحقيق الآن في يد البحث الجنائي، ونحن يومها لم نصل إلى البوابة الرئيسية إلا والجثة مرمية على الأرض».

لم يسعفوا المصاب

حسام أحمد سعيد الطالب المُصاب، وصديق «إسكندر» المُقرب، قال عن الحادثة بأنها جريمة مُكتملة الأركان، وأنه أصيب عمداً بطلق ناري من قبل مُسلح أهوج لا يعرف شيئاً عن مسببات الخلاف، ولا حتى أطرافه، في الوقت الذي كان يعمل جاهداً ـ يقصد نفسه ـ على تهدئة الأجواء، ورأب الصدع بين فريقي كرة القدم.

وأضاف: «لم اسمع بعد ذلك سوى صوت الرصاص، ولم أعلم أن إسكندر كان الضحية إلا بعد أن رأيته في المستشفى»، وأكد أن المُسلحين لم يكتفوا بذلك، بل استمروا بملاحقة زملائه الطلاب إلى خارج الجامعة، ولم يكلفوا أنفسهم حتى الالتفات إليه وإسعافه.

تذمر واسع

زرنا مكان وقوع الجريمة أكثر من مرة، الوجوم يكسوا وجوه الطلبة وأساتذتهم، والخوف من المُستقبل، والتذمر من الحاضر، غالبٌ على الجميع، التقينا على عجالة بأحد أعضاء هيئة تدريس كلية الحقوق، ليُعبر بعد رفضه ذكر اسمه عن استيائه من الانفلات الأمني الحاصل، وأنهم ـ أي الدكاترة ـ صاروا عرضة لتهكم وسخرية المُسلحين، مُستغرباً من موقف رئاسة الجامعة وعمادة الكلية التي أبت التفاعل مع القضية، ولم يعيروها أدنى اهتمام، وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب أو من بعيد.

الطلاب من جهتهم كان لهم موقف مساند لزميلهم «إسكندر»، نفذوا وقفة احتجاجية داخل الحرم الجامعي، وصاغوا بياناً قوياً أدانوا من خلاله الجريمة جملة وتفاصيلاً، وطالبوا بحماية الجامعة من خلال أجهزة أمنية مُتخصصة، تضبط الأمن، وتحمي الطلاب وأساتذتهم، وتعيد للجامعة هيبتها.

مُخطط تدميري

رأفت الحاج ـ طالب في كلية الحقوق ـ أفاد بأن وجود الجماعات المسلحة الفوضوية داخل الحرم الجامعي أمر مُشين في حق العلم وقدسيته، وبات من الضرورة حماية الجامعة وتهيئتها لاستقبال الطلاب، مؤكداً أن هذه الاعتداءات لم تكن تحدث من قبل، لافتاً أن أمن الجامعة مُرتبط بما يدور في مدينة تعز ككل، وأن جرائم القتل والانتهاكات التي حدثت في الفترة الأخيرة، ما هي إلا جزء يسير من مخطط تدميري يراد منه القضاء على تعز الحاضر والمُستقبل.

إقرأ أيضاً  معاناة جلب الماء في معافر تعز

وأضاف: «هؤلاء الفوضويون سيفشلون وستعريهم الأيام»، مُستدركاً: «صحيح هناك شباب جيدون، همهم حفظ الأمن وحماية الطلاب، ووجودهم في ظل هكذا ظرف ضرورة، ولا أعتقد أن أحد يقلل من أهميتهم»، مطالباً السلطة المحلية بالاستفادة من هؤلاء، وتأسيس أمن جامعي يتناسب ودورها التنويري.

قتلوه عمداً

رحل «إسكندر» وترك خلفة أسرة مكلومة، تبكيه بحرقة، وتموت كل يوم على ذكراه، زرناهم إلى منزلهم المتواضع بمنطقة «عقاقه»، خارج مدينة تعز، واستذكرنا معهم اللحظات الأخيرة لفقيدهم، «قتلوه عمداً، ولا مبرر للجريمة»، عبارة ترددت على مسامعي أكثر من مرة، تبعتها تنهيدات حراء شقت قلبي، وأجبرت الدموع على الانهمار.

يتفق جميع أفراد الأسرة بأن القتل لم يكن خاطئ كما تبرر التحقيقات، فيما يقول والد «إسكندر»: «لن أسكت عن دم ولدي ولو كلفني الأمر روحي وروح ولدي الثاني، وسأظل أتابع القضية حتى يلقي الجاني مصرعه».

القصاص مطلبنا

في زاوية المكان تجلس «أم إسكندر»، تبكي ولدها، وتصب جم دعواتها على من أحرمها منه، وقالت بصوت متهدج: «مكنوني تعور بالرأس وخيطوا له، وأني ولا لي علم بشيء، لما مات بدأوا يمهدوا لي الحقيقة، ومن أحرمني من ابني شحرمه ربي ريحة الجنة، وحسبي الله ونعم الوكيل، معانا رب كبير ينتقم لنا».

من جهتها «غيداء» شقيقته إسكندر، بدت أكثر قوة من البقية، قالت بنبرة غاضبة: «لم يصلني خبر الحادثة إلا بوقت متأخر، ظننتها أول الأمر رصاصة طائشة، ولكن بعد أن فارق أخي الحياة، وعلمنا بالحقيقة، تواصلنا مع الجهات المعنية، وعلى أيديهم ننتظر القصاص العادل، مالم سنقتص بأيدينا».

القادم أفضل

من أجل البحث عن حلول تقي جامعة تعز مخاطر الإنفلات الأمني الحاصل، كان لنا تواصل مع الشيخ عارف علي جامل، وكيل المحافظة، وأحد قيادات المقاومة الفاعلين، وقال في رده على أسئلتنا الكثيرة: «السلطة المحلية ساهمت رغم الحصار والحرب والدمار علي ان تمارس جامعة تعز عملها، ويعود الطلاب الي الدراسة، ومعهم أعضاء هيئة التدريس، واليوم ولله الحمد هناك ما يقارب عشرين الف طالب وطالبة يدرسون في الجامعة، كما تم افتتاح كليه الطب، وأي سلبيات تحدث لا تؤثر مُطلقاً أمام هذا الانجاز الكبير، وسيتم تجاوزها، والقادم أفضل بإذن الله».

وبخصوص موضوعنا أردف «جامل»: «الحرم الجامعي يُحرم وجود أي جماعات مسلحة، أو مظاهر مسلحة، حتي وإن كانوا من الأمن، وبما أننا نعيش ظروف استثنائية فحدوث الأخطاء أمر وارد، وفي الأيام القادمة ستختفي هذه الظواهر تماماً، ونحن نعمل علي ذلك، ولأجل هذا تقاتل تعز».

مُعالجة مُفترضة

الجامعة مكان مُقدس لا يحق للجماعات المُسلحة انتهاك حرمتها، هكذا بدأت الدكتورة أفنان قاسم أستاذة علم النفس في الجامعة حديثها، مشيرتاً إلى أن وجود هذه المظاهر المُزعجة يؤثر بشكل سلبي على الطلاب وأساتذتهم، كون أبسط خلاف يحدث قد يؤدي إلى مقتل أحدهم، وبالتالي ينتشر الخوف ويصبح الجميع غير أمنيين على حياتهم، والطامة الكبرى حد توصيفها تتمثل في أن يأتي الطالب إلى الجامعة حاملاً السلاح، وإن في ذلك إشارة تهديد لأساتذته، فحواها: «أنا مُسلح لا بد أن تسمعوا كلامي، وتنفذوه، وتعملوا لي ألف حساب».

وعن الحلول الناجعة لهذه الظاهرة، قالت «أفنان»: «المعالجة المُفترضة تتمثل بقيام إدارة الجامعة بالتنسيق مع وكيل المحافظ بإعادة الحرس الجامعي إلى البوابة، ومنع تواجد الجماعات المُسلحة، ومنع المظاهر المُسلحة لأي طرف من الأطراف، حتى لو كان الأمر إحتفاء أو إقامة فعالية».

أي مستقبل ينتظرنا؟!

للحرب نتائجها الكارثية، وانعكاساتها السلبية على الجميع، في جحيمها تتلظى أسر، تزداد أحوالهم المعيشية سواءً، ويقل في المقابل حضور أجهزة الدولة الضبطية، ويصبح حمل السلاح سلوك يومي، وعرضة للفخر والتباهي، والأدهى والأمر من ذلك، أن يتسيد أرباب السوابق، يشكلون عصاباتهم الفوضوية، فينضم إليهم أعضاء جدد، من ضحايا الفقر والتشظي الأسري، يدمنون الجريمة، ويصبحون أكثر جُرماً من مُعلميهم.

حقيقة غائبة يتحرج كثيرون عن الإفصاح عنها، أو حتى الإعتراف بها، ونحن هنا نحمل الحرب ومُشعليها والمتاجرين بها مسؤولية ما حدث وما سيحدث، والباقي والبقية مجرد تفاصيل ممهورة بلون الدم والدموع، وإذا لم يسارع المعنيون بحماية الحرم الجامعي من إعتداءات وطيش هؤلاء الفوضويون، فعلى المُستقبل السلام.

مقالات مشابهة