المشاهد نت

بسبب الحرب.. مرضى يمنيون يلجؤون للطب البديل

المشاهد ـ غيداء المُليكي ـ خاص:

بعد أن كان يأخذ إبنته «ياسمين»، إلى أفضل المستشفيات الخاصة، أصبح عبدالله العزاني يبحث عن أسهل الوصفات الطبية المُستخلصة من الأعشاب الطبيعية، لمعالجة إبنته ذات الـ «13» ربيعاً، من مرض «الروماتزم»، «عبدالله» قال أنه يعمل بالأسباب، وكله حد وصفه «طب»، وما غفل عن ذكره أن الحرب أثرت عليه ماديا ومعنويا، وبسببها لجأ لتلك الوسائل التقليدية، التي أسماها بـ «الطب البديل».

 إنقسام

«مع» و«ضد»، هكذا ينقسم الناس وتتفاوت رغباتهم في اللجوء لهذا «البديل»، هناك من يتداوون بالأعشاب الطبيعية عن رضا وقناعة، وهناك من لا يعيرونها أي اهتمام، بل وينتقصون من المُقبلين عليها، لتأتي الحرب وتجعل لجوء الجميع إليها إضطراريا.

هلال مصطفى، يدافع عن تلك الأعشاب باستماته، بسببها شفي من كثير من الأمراض، وبسببها صار مُستشارا موثوقا للكثير من المرضى، يقول مُتحسرا: «أغلب المستشفيات في مدينة تعز أغلقت، بسبب القصف العشوائي، كما أن أحوال الناس المعيشية صارت بالحضيض، ومن حق هؤلاء أن يبحثون عن بدائل طبية تخفف معاناتهم».

بالمقابل، يعتبر خالد سيف استخدام هـذه الأعشاب من مظاهر التخلف، خاصة وأن العالم يشهد تطورات كبيرة في مجـال معالجتها بشكـل علمي مُتطـور، يضمـن استخدامها بشكل آمن، يتناسب وحـالة المريض، كما نصح المرضى باللجوء إلى الأطبـاء ذوي الخبـرة، والاعتماد على وصفـاتهم من الأدوية المجربـة والمعروفـة والمحـددة بجرعات معينة، تختلف باختلاف السن أو الـوزن.

دعاوى

في ظل التطـور الذي يشهـده قطاع التصنيـع الـدوائي، وبعـد أن أستبدلت العقـاقير التقليـدية بالعلاجـات المتطـورة، ثمة دعـاوى للعـودة لما جبل عليه الآباء والأجداد، صالح الشميري، أبرز الداعين لذلك.

«صالح» معالج بـالأعشاب الطبيعية، ذو مهنة متوارثه، أكد لـ «المشاهد» أن الأدوية التي يستخدمها أقـل ضـرراً من غيـرها، موضحا أن التأثير العلاجي لها يحـدث تدريجيـا، وأنها أكثر أمانـا من الأدويـة المصنعـة، وأقل سعرا، ناصحا المرضى بمعـرفة متى وكيـف تستخـدم؟

وأضاف: «نحن لا نرجحها على الأدوية المصنعة، ولا نرجح الأخيـرة عليـها، فلكل موقعـه على الخريطـة العلاجيـة، والقاعـدة هي اتباع الإرشـادات، وعدم اللجوء من تلقاء أنفسنا أو بنصائح يوجهها لنا الأصدقاء دون علم».

ضـوابـط

غير «صالح»، وفي ظل الحرب المُستعرة، يعتقد كثير من اليمنيين أن الأعشاب الطبيعية وسيلة مُثلى للقضاء على كثير من الأمـراض، على اعتبار أن أجدادهم الأوائل كانوا أصحاب السبـق في التـداوي بها، والتعامل معهـا كعلم لـه قـواعـده وأصوله.

الحاج سالم مقبل، قال مُستفسرا: «وما لها الأعشاب؟!»، مُستذكراً أيام طفولته، وكيف كان واقرانه يتداوون بها، صحيح أنها أيام قاسية ومؤلمة، إلا أن «الحوثي» حد وصفه أعادنا لما هو أسوأ منها.

من جانبه د. عبد الرحمن خالد «استشاري باطنية»، أشار إلى عديد ضوابط ينبغي على المرضى المتداوين بالأعشاب الطبيعية الأخذ بها، أهمها أن تكـون تلك النباتات مضمـونة المصـدر، وأن يقتصر التعامل مع مواصفاتها وطرق استخدامها على المراكز الطبيـة المعتمـدة، وأهل الاختصاص، وذلك لتحديـد الجُـرعة الملائمة لكـل مريض، ومـدى ملاءمة العشبـة للحالة العامـة، حتى لا يترتب على استخدامها بشكل عشوائي تعـارض مع عقاقير أخرى، أو ما شابه ذلك.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

ضرورة

من الخطـأ أن نتصور أن التـداوي بالأعشاب آمـن تماماً، فهناك أعشاب يؤدي استخدامها لأضرار جسيمة للصحة العامـة، هكذا بدأ د. رياض أحمد «صيدلي» حديثه، ثم مضى مُعددا بعض تلك الاستخدامات الخطرة، فاستخدامها كبديل لـ «الأنسولين» في حالات السكري، يؤدي إلى حـدوث مضاعفات حـادة قد تؤدي للغيبوبة، كما أن إستخدامها مـع الجروح السطحية والعميقة، يتـرتب عليه آثار بالغة الخطورة.

«د. رياض»، يؤيد لجوء المرضى لهذه الأعشاب في علاج الأشياء البسيطـة، مثل المغص أو نـزلات البرد، مع استشارة ذوي الخبـرة لتصحيح مـوروثاتنا الخاطئـة في هذا الجانب، وختم بالقول: «يجب على الجميع أن يدركوا أن كـل دواء سم لا يـتـم اللجـوء إليه إلا للضـرورة»

إستغلال

يبقى المريض ـ أي مريض ـ أسيرا لآمال الشفاء، وأي عزف على أوتار تلك الآمال يؤثر فيه، وهو السلوك الذي لجأ إليه أغلب المعالجين، وكثيرا ما تنتشر الإعلانات الداعية لذلك، لتصبح حديث الناس، والأسوأ من ذلك، استغلال الدين لتمريرها وتطعيمها بأكثر من آية قرآنية وحديث شريف!!

تُعلق مها عبدالقوي: «بـالرغم من ورود بعض هـذه الأعشـاب والنباتـات الطبيعية في الأحاديث النبـوية الشريفـة، التي توضح لنا فـوائـدهـا، إلا أن هناك استغـلالا لهـذه الأحاديث، في الترويج لوصفـات لا أساس لها في الصحة!!».

واتهمت «مها» أولئك المستغلين، بأنهم يعتبرون المـرضى فئـران تجـارب، يتجاهلون آلامهم، ويستغـلون أملهم في الشفـاء لتحقيـق الثـراء السريع، وختمت بالقول: «الدواء أولا وأخيرا ليس سلعة استهلاكية يمكن تشجيـع المستهلك على شرائها».

حيرة

علياء قاسم، أكدت أن بعض أقـاربها وجـيرانها يقبلون على هذه الوصفـات المُعلن عنها، والتي تستخدم أحياناً لعلاج أمراض خطيـرة مثـل السرطـان أو الحصـوات، وحتى لمـن يرغبون في الإنجـاب، لافتتاً أنها ـ أي الأعشاب ـ بالغالب تأتي بنتائـج إيجابية، مما يشجـع الآخرين على استخدامهـا.

«علياء»، عادت واستذكرت معرفتها بأشخاص تعقّدت حالتهم المرضية، وأزدادت سـوءا مع استخدامهم لوصفاتها، وختمت بالقول: «الأمر حقيقـة مُحير، ويحتـاج لمزيد من التـوعية».

تساؤل أخير

غير «علياء»، تملكت الحيرة كثيرين، صحيح أنها تبددت نوعا ما، خاصة والحرب مُستعرة وعلى أوجها، إلا أن التغاضي عن مساوئ تلك الأعشاب والمعالجين بها، أصبح ديدن غالبية اليمنيين، تنامى على وقع معاناتهم سوقها، وصارت بالنسبة لهم «طب بديل»، ويبقى السؤال: «هل هو بالفعل: بديل آمن أم غير آمن؟!».

مقالات مشابهة