المشاهد نت

“المشاهد” يوثق بالصور اقدم حضارات العرب .. يطمرها الإهمال ويلوثها البارود

من آثار الحرب في براقش التاريخية بمحافظة الجوف

المشاهد – فؤاد العلوي-خاص :

كبوابة عبور تقف مدينة براقش التاريخية كأول معلم يدل الزائر على دخوله محافظة الجوف اليمنية .. المحافظة القابعة على كنز من المعالم التاريخية الممتدة لأكثر من ثلاثة آلاف عام.

"المشاهد" يوثق بالصور اقدم حضارات العرب .. يطمرها الإهمال ويلوثها البارود
الدمار الذي خلفته الحرب في منطقة براقش التاريخية

تقع مدينة براقش التاريخية جنوب محافظة الجوف قبل الدخول إلى مدينة الحزم عاصمة المحافظة، وكانت تمثل العاصمة الاقتصادية والدينية لأولى الحضارات العربية، وهي الحضارة المعينية التي ازدهرت خلال الفترة من 1100 إلى 600 قبل الميلاد وفق مراجع تاريخية.

للوهلة الأولى يتبادر إلى ذهن زائر يعمل في حقل الصحافة هو كيفية الوصول إلى هذه المدينة التاريخية وإلى المعالم الأثرية التي تزخر بها هذه المحافظة، على اعتبار أن هذه المعالم التاريخية هي معالم سياحية، ومن الطبيعي أن يتوق أي زائر للمحافظة للتعرف عليها.

نسأل هنا وهناك عن إمكانية الزيارة ونطلب ذلك من الجهات المعنية في محافظة الجوف، لكن لا أحد يسمح لنا بالوصول خصوصا إلى مدينة براقش التاريخية، فهي إما مناطق عسكرية أو مزروعة بالألغام.

يقول علي عامر – باحث آثار – لــ”المشاهد ” “لا أحد يستطيع دخول مدينة براقش بسبب الألغام التي تم زراعتها من قبل الحوثيين، إضافة إلى أن المدينة تأثرت بشكل كبير نتيجة قصفها من قبل طائرات التحالف العربي”.

ويضيف: “الحوثيون كانوا يستخدمون مدينة براقش كمعسكر لهم، ما دفع طائرات التحالف إلى قصف المدينة لإرغامهم على الانسحاب من المدينة، وعندما تم استعادتها من أيدي الحوثيين تم منع الوصول إليها حفاظا على حياة الزائرين نظرا لكثافة الألغام التي زرعت بها المدينة”.

تقول مصادر تاريخية إن مدينة براقش كانت هي العاصمة الدينية لمملكة معين، وكانت تسمى بحسب النقوش بمدينة (يثل). وتعتبر هذه المدينة أفضل حالاً من كثير من المواقع الأثرية بمحافظة الجوف رغم القصف الذي تعرضت له."المشاهد" يوثق بالصور اقدم حضارات العرب .. يطمرها الإهمال ويلوثها البارود

ومن أهم المعالم الأثرية للدولة المعينية بمحافظة الجوف هي مدينة قرناو، ومدينة نشق ومدينة نشن ومعبد النصيب ومعبد عثتر، وجميعها باتت عبارة عن خرائب متهالكة في طريقها للعدم وفق ما يقوله السكان.

أحجار بين الأتربة

مدينة نشق التاريخية هي إحدى المدن الأثرية في محافظة الجوف والتي لاتزال لها آثار بناء ظاهرة على الأرض، إلا أنها أشبه بخرائب (بقايا بيوت) مبنية من الحجر، وتقع في مديرية المصلوب إلى الغرب من محافظة الجوف.

يطلق عليها المواطنون في المنطقة بالخربة البيضاء، فيما تسميها النقوش التاريخية وفق أبناء المنطقة بـ”نشق”، وفي المقابل هناك مدينة أخرى في نفس المنطقة تسمى الخربة السوداء وهي إحدى المناطق الأثرية بمحافظة الجوف.

ما لفت انتباهنا عند زيارة مدينة “نشق” أو الخربة البيضاء هو أنها مبنية من الأحجار العملاقة وبها أعمدة حجرية، بينما غالبية – إن لم تكن جميع – المنازل في المصلوب، وفي عاصمة محافظة الجوف مبنية من “الطين”، مايثير التساؤل هو كيف جاءت هذه الأحجار ومن أين جاءت رغم أنها لاتحملها سوى العربات الثقيلة؟

لا إجابات لدى السكان عن هذه التساؤلات، سوى أن البشر في تلك الحقبة كانوا عمالقة، يتمتعون بالقوة والصلابة وبكبر أجسامهم، لكن ذلك ليس مقنعا لأن هذه المدينة تبعد عشرات الكيلو مترات عن أقرب الجبال لها.

"المشاهد" يوثق بالصور اقدم حضارات العرب .. يطمرها الإهمال ويلوثها البارود
براقش التاريخية يطالها لدمار صور خاصة لــ”المشاهد”

في مدينة “نشق” الأثرية ماتزال هناك بقايا أبنية آيلة للسقوط، فيما يبدو أن أجزاء منها مطمور تحت الأرض بفعل الفارق الزمني، وهناك بعض الكتابات القديمة التي تدل على قدم المدينة.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

تتمركز في المدينة قوات من الجيش الوطني الموالي للشرعية اليمنية برئاسة عبدربه منصور هادي، وتؤكد هذه القوات أن تواجدها مؤقت، ويفرضها الضرورة نظرا لأن الحوثيين كانوا يستخدمونها موقعا عسكريا إضافة إلى أنه مكان مرتفع ومناسب ويتمكنون من خلاله مراقبة تحركات خصمهم.

يؤكد عسكريون التقاهم الـــ “المشاهد” ويتحفظون على أسمائهم أنهم بتواجدهم في المكان يحافظون على ما تبقى من آثار، ويحمونها من النهب الذي تتعرض له المعالم الأثرية استغلالا للأحداث القائمة.

تنتشر في أماكن عدة من المدينة أكوام من القذائف الفارغة التي تم استخدامها في الحرب مع جماعة الحوثي وحليفها صالح، وبحسب الجنود فإن المدينة تضررت أيضا من الحرب نتيجة تعرضها للقصف بالطيران أثناء تمركز الحوثيين فيها.

وجدنا نقوشا بالخطوط الحميرية في بقايا الأبنية بالمدينة، البعض منها أصبح شبه مطمور في الأتربة، كما وجدنا أعمدة حجرية، وبقايا بناء تظهر مدى المهارة في نحت أحجار البناء في تلك الحقبة الزمنية التي تفتقر لآلات نحت متقدمة.

نهب الآثار

يتحدث مهتمون في الجوف لـ”المشاهد” عن تراجع نسبي لنهب الآثار بعد سيطرة القوات الشرعية على معظم المناطق الأثرية في المحافظة، إلا أنها لم تنتهي.

حاولنا لقاء مدير الأمن بالمحافظة لمعرفة إجراءاتهم في الحد من نهب الآثار، والتي كانت مزدهرة خلال العقود الماضية، إلا أننا لم نتمكن من ذلك، لكن في المقابل التقينا قائد المنطقة السادسة بالجيش اليمني أمين الوائلي، والذي بدوره أكد لـ”المشاهد” أن عمليات نهب الآثار تراجعت بشكل كبير جدا منذ سيطرة الجيش الوطني.

وقال: “صحيح أننا لا نستطيع في الوقت الحالي إعادة تلك الآثار وتطويرها، لكن أقل شيء نقدمه لآثارنا وتاريخنا هو أن نحافظ عليها ونصونها، وهذا أقل واجب نقدمه لهذه الكنوز الأثرية، رغم أن النظام السابق كان قد عاث في الأرض فسادا، ونهب الآثار، وعمل بكل ما أوتي لتخويف الناس من هذه المناطق حتى تخلو له الآثار”.

وفيما يؤكد الوائلي لــ”المشاهد” أن نهب المعالم الأثرية أصبحت تحت المراقبة يرى فيصل الأسود – إعلامي وناشط – أن نهب الآثار مستمر ولا توجد إجراءات لتسوير المعالم الأثرية.

ويؤكد أن هناك حفر عشوائي مستمر في المواقع الأثرية مثل قرناو عاصمة مملكة سبأ، والبعض يحصل على برونزيات، وتماثيل وتحف، يقوم بنقلها إلى صنعاء وهناك تجارا يقومون بشرائها.

وبحسب الأسود فإن قرناو عاصمة مملكة معين منطقة مفتوحة وغير مسورة، وأمر حماية هذه المدينة موكل إلى القبائل وليس الدولة، وهو ما جعل الحفر يستمر فيها بحثا عن آثار.

وأشار إلى أن الحفر والبحث عن الآثار يكون في الليل بكثافة، ويستمر حتى الواحدة منتصف الليل، مشيرا إلى أنه قبل ثلاثة أشهر توفي اثنين في إحدى حفر التنقيب عن الآثار أثناء البحث عن آثار.

وأشار الأسود إلى أن بعض أصحاب المنازل يذهبون إلى قرناو ويأخذون أحجارا عليها نقوش حميرية، ويقومون بنقلها والبناء عليها في أساسات منازلهم، وهو الأمر الذي يستنزف آثار عاصمة الدولة المعينية قرناو.

ويحذر الأسود من أن استمرار الحال الذي تشهده المعالم الأثرية لحضارة معين بالجوف على ما هو الحال عليه، فإن هذه المدن الأثرية في طريقها للفناء نظرا للاستنزاف الذي تتعرض له وعدم وجود أي توجه للحفاظ عليها.

مقالات مشابهة