المشاهد نت

حروب الأراضي تعود.. تغيير ديموغرافي أم تأميم تأريخي؟

صورة ارشيفية

المشاهد – فؤاد محمد-خاص :

سجلت الأشهر الماضية زيادة ملحوظة في عدد حروب الأراضي، خصوصا في محافظات إب وذمار وصنعاء وعمران، وهي جميعها محافظات خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي وحليفها صالح منذ سبتمبر 2014م.

عودة حروب وصراعات الأراضي إلى الواجهة وتصدرها أخبار الإعلام تأتي بعد أن شهدت هذه الظاهرة خفوتا كبيراً خلال السنوات الثمان الأخيرة، رغم تراجع دور الدولة وفقدها السيطرة على مناطق من أراضيها وسقوطها بيد مليشيا مسلحة.

في يوليو الماضي رصد “المشاهد” اندلاع خمس حروب قبلية بسبب الأراضي توزعت على محافظات ذمار وعمران وإب وصنعاء، وأودت بحياة 5 وإصابة أكثر من 15 آخرين.

وخلال الفترة من 1 إبريل وحتى نهاية يونيو الماضي اندلعت خمس حروب رصدها “المشاهد”، في حين يؤكد سكان محليون في صنعاء وذمار وإب أن هناك عشرات الحروب الصغيرة التي لم تصل إلى وسائل الإعلام.

إلهاء المجتمع

يقول: حافظ مطير – ناشط وحقوقي بمحافظة ذمار – إن هناك إحياء متعمد لحروب الأراضي والصراعات بين القرى والقبائل والمواطنين بعدة محافظات، هدفه إلهاء المجتمع بصراعاته البينية بدلا عن قضاياه وهمومه الرئيسية.

ويستشهد مطير بحرب تجددت في يوليو الماضي بمنطقته في ذمار آنس، وقال: “إن الحوثيين تسببوا في إحياء حرب امتدت لـ30 عاما بعد أن توقفت منذ ثلاث سنوات بناء على صلح”.

ويسيطر الحوثيون وحليفهم علي عبدالله صالح على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية بالقوة منذ العام 2014، بعد طردهم الحكومة الشرعية التي انتقلت إلى الرياض ومن ثم إلى عدن وتمكنت بدعم من تحالف تقوده السعودية من استعادة 70% من المساحات اليمنية.

وبحسب مطير فإن الحوثيين قاموا بدعم قبيلة عاثين ضد قبائل بني سويد بمديرية آنس التي ينتمي إليها لإحياء حرب على حقل زراعي يدعى “الوادي” كان قد تم عقد صلح بينهما لإنهاء الحرب.

إلا أن مطير يرى أن هناك سبباً آخر لدعم الحوثيين للحرب التي قامت في منطقته يتمثل في عدم استجابة المنطقتين لهم في الدفع بأبنائها إلى القتال معها في المعارك الدائرة مع قوات الحكومة الشرعية منذ عامين.

 

تغيير ديموغرافي

وتشير الأرقام التي جمعها “المشاهد” إلى أن صراعات الأراضي تركزت أكثرها في محافظة إب حيث شهدت هذه المحافظة منذ 25 مايو وحتى 30 يوليو 4 حروب على الأراضي اندلعت بين نافذين يتبعون طرفي تحالف الحوثي وصالح.

أما ذمار فقد سجلت ثلاث حروب، فيما سجلت صنعاء حادثتي حرب في حين شهدت صعدة حادثة احتراب وعمران كذلك.

وبحسب محمد العقبي – أستاذ علم إجتماع في صنعاء – فإن حروب الأراضي ليست جديدة على المجتمع اليمني وهي ظاهرة قديمة حديثة عززها غياب الدولة وانتشار السلاح.

ويضيف في حديث مع لـــ “المشاهد” “ما وصل للإعلام عن حروب الأراضي لايشكل 10% من الصراعات الموجودة والتي انتعشت بشكل طبيعي مع غياب الدولة والحرب القائمة منذ عامين والتي أسهمت بشكل كبير في تدمير ما تبقى من دولة لليمنيين”.

إقرأ أيضاً  معاناة جلب الماء في معافر تعز

وعن تفسيره لتركزها في محافظة إب يقول: “انتقلت مراكز القوى بحكم سهولة التواصل وبحكم قربها من تعز إلى هذه المحافظة لفرض توازن ديموغرافي جديد يبقيها على تواجد في المحافظة، فإذا ما حصل أي تقدم للقوات الشرعية وسيطرت على إب، تبقى عناصرها موجودة على أرض هي تملكها.

ويؤكد أن التغيير الديموغرافي قد يتسع أكثر في حال لم يحصل أي حسم للصراع القائم، وهناك سطو غير قانوني على أراضي الدولة لتوزيعها بين القوى النافذة الموالية لجماعة الحوثي وصالح، وهذا الأمر سيتسبب في زيادة الصراع وخلق بيئة ديموغرافية جديدة مستقبلا.

 

تأميم تأريخي

ويقدم الباحث مانع سليمان – مستشار قانوني وكاتب – سردا تاريخيا لمشكلة الأراضي في اليمن ويرجع المشكلة إلى النظام الإمامي الذي حكم أجزاء من اليمن لفترات متقطعة.

وقال: “تعرضت الأراضي اليمنية لعمليات نهب وتأميم تأريخي واسع من قبل الاماميين، وبعد أن ثار اليمنيون على الحكم الامامي ، اتجه اليمنيون إلى استعادة ما تم نهبه من أراضيهم، إلا أنهم واجهوا معضلة اختفاء الوثائق التي تثبت وتحدد الملكية لتلك الأراضي، للتلاعب الذي قامت به السلطات الامامية في حق تلك الوثائق، وتغيير منارات القيعان وعلامات الأرض”.

وأضاف في حديث لـ”المشاهد” “استطاعت الأسر الامامية بعد سقوط الحكم الامامي التلاعب بالوثائق، واستخدامها لإثارة مجموعة من الصراعات بين القبل اليمنية بحسب الاستراتيجية التي اتخذتها لضرب القبل اليمنية وفصلها عن مؤسسات الجمهورية المعنية بالفصل في ذلك، ودفعها للتمترس وراء الثأر والاحتراب”.

وأكد أن الأسر الامامية نفذت ذلك من خلال تسريب بعض الوثائق في الوقت الذي حددته للصراع مع الاحتفاظ بالبعض الفاصل فيها، وقد ساعدها على ذلك توغلها في السلطة القضائية في مرحلة ما بعد ثورة سبتمبر إلى يومنا هذا”.

 

4 ألف قتيل سنويا

وعلى مدار العقود الأربعين الماضية شهدت حروب الأراضي انتعاشا كبيرا مع انتشار ظاهرة السلاح وتراجع دور الدولة بشكل كبير وغياب المؤسسات القانونية والضبطية وفق باحثين.

وبحسب تقرير لشبكة إيرين في العام 2010 فإن “العنف الدائر في اليمن نتيجة الصراع على الأرض وموارد المياه الشحيحة يحصد أرواحاً أكثر مما يحصده التمرد والإرهاب والحركات الانفصالية مجتمعة”.

التقرير قال: إن العنف على الأراضي يحصد سنويا 4,000 شخص، وفقاً لوزارة الداخلية. ولا يشمل هذا العدد نسبة كبيرة من الحالات التي يتم التعامل معها من خلال القانون القبلي.

ويؤكد غافين هيلز، الباحث في شبكة (إيرين) أن “اليمن يواجه عدداً كبيراً من التحديات، ومن المؤسف أن العنف الاجتماعي بسبب الأرض والمياه لم يتلق سوى اهتماماً قليلاً نسبياً على الرغم من اتساع نطاق تأثيره على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدد كبير من المواطنين اليمنيين وتسببه في آلاف الوفيات كل عام”.

مقالات مشابهة