المشاهد نت

طقوس تهامية جميلة في إستقبال عيد الاضحي المبارك

صلاة العيد من احد ارياف منطقة تهامة
المشاهد -خاص :
في ريف تهامة من الحديدة الى حرض, وتحديداً في العشر الأولى من شهر ذي الحجة يحرص الأهالي على إحياء عادات وتقاليد وطقوس توارثوها منذ القدم، يستقبلون بها أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وقبل العيد بأيام, يستحدث الباعة أسواقاً لبيع الملابس والحلويات ومتطلبات العيد على أرصفة الطرقات في المدن والقرى التهامية ويحرص الأهالي بما تيسر لهم على شراء ملابس العيد الجديدة لأطفالهم، بالإضافة الى الدقيق والموز والسمن البلدي والسمك المالح لإعداد وجبات تهامية شهيرة لفطور العيد.
و تستعد المرأة التهامية لإستقبال العيد مبكراً فتقوم بأعمال النظافة والترتيب للمنزل, إضافة إلى دهن قوائم القعايد وهي أسرّة خشبية يشتهر بها الريف تهامي بمادة القطران، كما تجدد حبالها المصنوعة من سعف النخيل حتى يتزين المنزل بأبهى حلة للعيد.
تزيين كبش العيد
يحرص الأهالي في الريف التهامي على تجهيز “كبش العيد” ويقوم البعض منهم على تربيته في المنزل منذ ولادته وحتى مجيء العيد فيما يجلبه آخرون من أسواق المواشي في بداية العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
الطريف في الأمر أنهم يقومون بتزيين كبش العيد بالحناء بوضعه على رأس الكبش أو ظهره وهي عادة قديمة ومتوارثة منذ زمن بعيد في جميع القرى التهامية تمّيز كباش العيد عن غيرها.
وتختلف الروايات حول هذه العادة المتوارثة فالبعض يقول أنها من باب الزينة فيما يرى آخرون أنها علامة على إختيارها من بين مجموعة الأغنام كأضحية، أو من أجل تمييزها في سوق المواشي بأنها ملك لفلان الفلاني.
ويقول الحاج “علي الزيلعي” (80 عاماً) من أبناء مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة لـ”المشاهد” : نقوم بصبغ أضحية العيد بـ”الحناء”؛ في عادة متوارثة منذ القدم لإحساس الناس وخصوصاً الأطفال بطعم العيد وفرحته.
التنصيرة
قبل نحو أسبوع من العيد, يحرص الأطفال في تهامة على جمع كميات كبيرة من إطارات السيارات لحرقها ليلة العيد، في أطراف القرى وهي عادة قديمة تسمى  بـ”التنصيرة”؛ وهي بمثابة إعلان بقدوم العيد وتعبيراً عن فرحهم وابتهاجهم بحلوله.
وقبل دخول الكهرباء ووسائل التكنولوجيا الحديثة, كان الناس مع يعرفون موعد حلول الأعياد عبر مشاهدة أول شعلة على سواحل تهامة، وعند مشاهدتها يأتي الدور على كل قرية ومدينة في إشعال النيران لتبليغ كافة القرى التي تقع على مرمى البصر.
ويؤكد الحاج الزيلعي لـ”المشاهد” أنهم لم يكونوا يعلموا بالعيد في الماضي إلا عن طريق مشاهدة شعلة النار من بلدة اللحية الساحلية غربي محافظة الحديدة،والتي تعد إعلاناً بقدوم العيد فتعم الفرحة، بين الكبار والصغار.
الفل والحناء
تبدأ طقوس الاحتفال بالعيد لدى المرأة التهامية في ليلة العيد، حيث يحرصن على نقش كفوفهن وسواعدهن وحتى أرجلهن بالحناء أو الخضاب في أشكال جمالية تسر الناظرين.
ويرى سكان الريف التهامي في الحناء رمزاً للفرح، وتتجمع الفتيات في بيت “المنقشة” ليلة العيد, والتي تقوم بنقش الحناء على  أيديهن وأرجلهن برسوم جميلة تضفي الزينة والدلال على النساء المتزوجات والفتيات.
وتنبعث رائحة الفل التهامي الشهير في الأزقة والحارات في الريف التهامي خلال ساعات المساء، والذي تتزين به المرأة التهامية كأحد أبرز العادات والتقاليد الدالة على البهجة والسرور.
أجواء روحانية
في صبيحة يوم العيد يتوجه التهاميون صوب الساحات المخصصة لأداء صلاة العيد، وهم يلبسون الزي التقليدي التهامي المتمثل في (المعوز والشميز) بينما يلبس كبار السن (المحظى والشميز الابيض) وتزيّن رؤسهم طاقية بيضاء أو عمامة والبعض منهم يضع شالاً على كتفيه.
 ويحرص سكان الريف التهامي بمحافظتي الحديدة وحجة, على التكبير والتهليل أثناء خروجهم من المنزل وصولاً إلى مصليات العيد، مبتدأين مظاهر عيد الأضحى بهذه الشعيرة المباركة في أجواء مليئة بالروحانية.
ويمتاز العيد في تهامة بالسلام الجماعي بعد إكمال صلاة العيد وتبادل تهاني العيد والدعوات في أجواء حميمية خالصة ويقوم الآباء مع أبنائهم بالمرور على الأهالي والأقارب لا سيما كبار العائلة ويتبادلون الزيارات والتهاني بالعيد.
ويحرص الأطفال الصغار على الذهاب لمصلى العيد مبكراً ليس للصلاة وإنما للعب فهم يجهزون مفرقعاتهم من قبل العيد، وما أن ينتهي الناس من الصلاة والاستماع للخطبة حتى يبدأ مهرجان الألعاب النارية الخاص بهم في مشهد فرائحي بهيج يتكرر كل عام.
إفطار جماعي
لفطور العيد بصمته الخاصة في الريف التهامي حيث يجتمع أهالي كل حي كباراً وصغاراً وأطفالاً أمام موائد افطار جماعية، تزرع روح المحبة والتآلف والمودة والإخاء.
 وتتنافس الأسر التهامية بتقديم أكلات شعبية متنوعة وفي مقدمتها “الحيسية” وهي عبارة عن إناء فخاري يوضع فيه المفتوت المكون من أقراص البر، ويفت مدقوقا بأداة تسمى (المفت) ويضاف اليه المرق ثم توضع عليه قطع من اللحم، وتعتبر من أشهر المأكولات الشعبية التي تقدم في الأعياد والمناسبات القروية.
 وتمتد مائدة الإفطار الزاخرة بأشهى الأطباق الشعبية لعدة أمتار ويحرص التهاميون فيها على تناول الفتة بالموز والعسل والمفالت الذي يعد من الذرة أو الدخن الممزوج باللبن والسمن إضافة الى السمك المالح الذي يقدم بجوار إدامات متنوعة.
وعن هذه العادة المتوارثة يقول”إبراهيم عيسى” معلم تربية إسلامية في ريف حجة لـ”المشاهد”: “في وقت ضعف فيه التواصل بين أبناء الحي الواحد، تقوي هذه العادة السنوية علاقة الجار بجارة وتؤكد على أهمية التكاتف والتعاضد في ما بينهم، وتزيد من أواصر المحبة بين الجيران”.
تكافل إجتماعي
دعا الإسلام في الأعياد إلى العمل على زيادة الأواصر الاجتماعية، إذ حث على بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم، فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد، وتزول الأحقاد والمشاحنات والنفرة من النفوس·
وتعد الأضاحي إحدى موارد التكافل الاجتماعي في عيد الأضحى؛ حيث يتم التوزيع منها على الفقراء والمساكين، والتوسعة عليهم وإدخال السرور على قلوبهم بإطعامهم من لحومها في يوم العيد.
ويحرص سكان الريف التهامي على إحياء قيم العطاء والتكافل خصوصاً في الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد وعدم قدرة آلاف الأسر على شراء أضحية العيد بعد انقطاع المرتبات منذ أكثر من عشرة أشهر.
وتقوم كل أسرة بتوزيع جزء من أضحية العيد على المحتاجين من الجيران أو في الأحياء المجاورة كما يحرصون على دعوة البعض منهم لتناول طعام الغداء مايزيد من أواصر التقارب والتآلف بين أفراد المجتمع.
المحشوش
يتميز الريف التهامي بالعديد من الأكلات الشعبية الموسمية التي تحرص ربات البيوت على إعدادها و أهمها “المحشوش” الذي يعتبر من الأطباق الرئيسية على موائد الأسر التهامية في أيام عيد الأضحى المبارك.
ويتكون المحشوش من قطع صغيرة من اللحم والشحم، توضع في قدر كبير، على الجمر المتقد ويتم تحريك الشحم حتى يتحول إلى زيت, وتوضع قطع اللحم الصغيرة في ذلك الزيت حتى تستوي، وتضاف اليه البهارات والهيل.
ويتميز المحشوش بتجمده وبقائه لفترات طويلة تصل الى عدة أشهر عن بعض الأسر وقبل تناوله يتم تسخينه لدقائق حتى يتحول الى زيت ويحتفظ بنكهته ومذاقه الذي لا يتغير على مدى الأيام والشهور.
وتقول “أم محمد” من إحدى قرى الزيدية شمال الحديدة لـ”المشاهد” بأنها تحرص على تعليم الفتيات طريقة طهي المحشوش بأفضل الطرق التي تعلمتها من والدتها قبل عشرين عاماً.
وتضيف بأنها تقوم قبل العيد بنحو أسبوع بتجهيز الحطب والفحم الجيد واختيار أجود أنواع البهارات التي تضفي نكهة مميزة للحنيذ والمحشوش.
جلسات القات
لايتوقف العيد في الريف  التهامي عند حدود تبادل التهاني والزيارات والإفطار الجماعي فجلسة القات تعتبر من أهم الطقوس التي يمارسها السكان في يوم العيد.
يقول “محمد يحيى” وهو بائع قات شامي في مديرية عبس بمحافظة حجة “أن العيد موسم للربح، فزبائنه يفضلون أجود أنواع القات الشامي الذي يعد من أشهر أنواع القات في اليمن والذي يجلبه من مديرية المحابشة المجاورة.د
ويؤكد في حديثه لـ”المشاهد” أنه يبيع كميات كبيرة من القات في يوم العيد الذي يحرص الصغار  والكبار على شرائه بضعفي ثمنه في يوم العيد وبكميات أكبر من المعتاد.
وبالرغم من أن تخزين القات تقليد يومي لكنه يكتسب أهمية خاصة ومتعة إضافية في يوم العيد خصوصاً بعد تناول وجبة غداء دسمة تليها جلسة تخزينة من الأهل والأحباب تمتد إلى ساعات طوال.
مقالات مشابهة