المشاهد نت

التعليم في اليمن بين التوقف النهائي والعودة المشروطة بتسليم الرواتب

صورة ارشيفية

المشاهد – معاذ الحيدري – خاص:

لن تفتح المدارس أبوابها هذا العام امام الطلاب في كل من العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية خصوصا تلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وذلك بعد تأكيد نقابة المعلمين اليمنيين مواصلة اضرابها عن التدريس مشيرة الى ان المعلمون لن يزاولوا مهام التدريس الا بعد دفع الرواتب المتوقفة منذ 12 شهرا.

اليومين الماضيين، دعت النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية جميع التربويين في عموم محافظات اليمن وعددهم 250 ألفا، إلى الإضراب الشامل والمفتوح ابتداء من أول يوم من العام الدراسي الجديد وعدم فتح المدارس إلا باستلام الرواتب.

وشدّدت النقابة في بيان، على أن رفع الإضراب مرهون باستلام الرواتب، معتبرة أن استلام الرواتب من دون انقطاع هو البيان الوحيد الذي يتم بموجبه رفع الإضراب وفتح المدارس.

وجاء في البيان: “أمام استمرار توقف الرواتب، وازدياد تفاقم معاناتكم، وبعد إقفال كل الخيارات أمامنا، تجد النقابة نفسها مضطرة إلى استخدام حقها القانوني والدستوري للدفاع عن حقوق التربويين القانونية المشروعة”.

وتحدّثت النقابة عن “المعاناة والآلام التي يتجرعها المعلمون وأسرهم، والتي وصلت حداً لا يطاق، وأصبح شبح المجاعة الحقيقية يهددهم جراء توقف صرف رواتبهم طوال فترة تجاوزت عشرة أشهر”.

وأشارت النقابة إلى أنها لم تجد سوى الوعود والمماطلة والتسويف، في مقابل مطالبتها بوضع حلول حقيقية لمشكلة توقف الرواتب.

لقد تركت الأزمة الاقتصادية في اليمن، تداعيات خطيرة على مختلف المجالات ومنها قطاع التعليم، ويهدد توقف الرواتب لنحو 250 ألف معلم منذ 12 شهرا بعدم انتظام العام الدراسي الجديد المقرر أن يبدأ بداية الشهر القادم.

ويقول المعلمون إنهم لا يستطيعون توفير تكاليف المواصلات إلى المدارس، وإن كثيرين اتجهوا إلى أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش.

“المشاهد” تحدث مع العديد من المعلمين المتواجدين في صنعاء، فأكدوا بأنهم مضربين عن الذهاب الى المدارس ومزاولة التدريس سواء دعت نقابة المعلمين او لم تدعوا الى الاضراب.

تقول فاطمة محمد الشرعبي، لـ “المشاهد” “نحن بدون رواتب منذ عام واصلا نحن بدون مواصلات ولا نمتلك أي تكاليف تجعلنا أساسا نواصل العملية التعليمية، وكيف لنا ان نذهب الى تعليم جيل ونحن بدون لقمة عيش ما فيش معنا ما نأكل”.

وتضيف فاطمة وهي معلمة في مدرسة عائشة للبنات “حتى اولادي لن اذهب بهم الى المدرسة ومضربة انا واياهم عن التعليم والتعلم حتى يتم صرف رواتبنا كمعلمين”.

وتتساءل فاطمة “كيف للمعنيين والقائمين على السلطة قادرين على توفير موازنات لنشاطاتهم الأخرى وللفعاليات الجماهيرية التي يصرفوا عليها مليارات؟ بينما نحن المعلمين مهمشين عن رواتبنا ونحن مش قادرين على الذهاب الى المدرسة ولو ليوم واحد”.

الأهالي لسنا قادرين على تعليم أبنائنا هذا العام

لا تقتصر تداعيات توقف الرواتب على المعلمين فحسب؛ فنحو مليون موظف حكومي بدون رواتب وقد لا يستطيعون تحمل الأعباء المالية للدراسة، ومعظم الآباء توقفت مصادر دخلهم مما يهدد بعدم قدرتهم على إلحاق أولادهم بالمدارس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المدارس الحكومية بدون ميزانيات تشغيلية وعاجزة عن استقبال الطلاب، والوزارة المعنية لا تمتلك تكاليف طباعة الكتاب المدرسي.

يقول محمد احمد ردمان لـ “المشاهد”: “انا مع الاضراب أولا من اجل المعلم ومن اجل اذا كنا نريد تعليم لأبنائنا كما كنا في السابق وليس زي الان يأتي المعلم الى المدرسة وهو طفشان ويمارس التعليم بدون رضا فهو يفكر بلقمة العيش ويفكر براتبه المنقطع عنه منذ زمن وهو مصدر بقائه في الحياة أساسا”.

ويضيف محمد: “وانا مع الاضراب ثانيا من اجلنا الأهالي نحن، نحن غير قادرين على تعليم أبنائنا، فنحن الاخرين موظفين لدى الدولة ورواتبنا متوقفة منذ عام، وكل همنا الان هو ان نوفر لأبنائنا لقمة عيش وصرنا عاجزين عن توفيرها فكيف لنا ان نوفر لهم قيمة مواصلات وكتب ومستلزمات أخرى؛ ولو قلت لك اننا لا نمتلك حتى قيمة زي مدرسي لا نمتلك”.

5ملايين طالب مهددون بالتوقف عن الدراسة

مبادرة “التعليم من أجل السلام” في اليمن، اعلنت مطلع سبتمبر الجاري، أن قرابة 5 ملايين طالب معرضون للتوقف عن الدراسة، بسبب استمرار انقطاع المرتبات وغياب الكتاب المدرسي والمستلزمات المنزلية من جهة، ومن جهة أخرى التدخل في العملية التعليمية من خلال تغيير المناهج وفقاً لبعض المذاهب، وتعرض عدد كبير من المدارس للتدمير خلال الصراع.

ووفقاً لمنظمة “يونيسف”، فإن توقف رواتب المعلمين يهدد بحرمان 4.5 ملايين طفل في اليمن من الدراسة، ويعرض 13 ألف مدرسة تمثل حوالي 78 % من إجمالي المدارس في اليمن، لخطر الإغلاق.

معلمون يشغلون وظائف أخرى

الكثير من المعلمين يبدو انهم اتجهوا نحو إيجاد بدائل عن مصدر دخلهم المتوقف وهو الراتب الذي كانوا يتقاضوه من الدولة؛ ومن الطبيعي ان يتجه البعض نحو البحث عن بدائل أخرى، ففي الوقت الذي استطاع فيه البعض عن إيجاد فرصة في التدريس بمدرسة أهلية، البعض الاخر يعمل اما سائقا لسيارة اجرة، او عاملا في مطعم، او بائعا متجولا، وغيرها من المهن الأخرى التي سعى لمزاولتها معلمون كثر.

إقرأ أيضاً  حماية الشباب من التطرف في المهرة

مجاهد الشعيبي(مدرس) والذي أصبح بائعا متجولا في جولة القيادة بصنعاء، ان “لجأ الى بيع الماء والمناديل في جولة القيادة بغرض اطعام اطفاله الذين كان يساعدهم الراتب على اطعامهم”.

ويضيف مجاهد وهو معلما في مدرسة محمود ياسين “انا مواصل اضرابي عن التعليم وسأبقى ابحث عن لقمة عيش لأبنائي الجائعين ولن اذهب الى المدرسة حتى يتم دفع رواتب عام كامل ما لم فلن اذهب سواء فتحوا المدارس ا لم يفتحوها”.

بنبرة حزن، يقول مجاهد “ما كنت أتوقع يوما هذه الإهانة والبهذلة وما كنت أتوقع انه سياتي يوما اترك القلم واترك الكتاب واحمل الماء والمناديل وسط حرارة الشمس الملتهبة”.

الطلاب هم الاخرون تركوا التعليم واتجهوا نحو الاشغال

لقد تسببت الحرب التي يشهدها اليمن منذ عامين ونصف العام، في تفاقم الوضع المعيشي للمواطنين وحرمان آلاف الطلاب من الدراسة، وتزايد عدد الأطفال العاملين بمعدلات قياسية، حيث ينتشر مئات الأطفال في شوارع العاصمة اليمنية طباعة متجولين وفي مراكز وغيرها من الأماكن الأخرى.

في مركز طيبة التجاري الواقعة الى الستين الشمالي من صنعاء، التقى المشاهد أحد الطلاب يدعى محمود العتمي. سنه الصغير والذي يتراوح بين الـ 13 سنة كان يؤكد ان خلفه قصة وانه ربما صار محروما من التعليم؛ وهو ما وجدناه فعلا.

ابي توفى قبل عام بذبحة صدرية واحنا ايتام ومننا 5 اخوان وانا أحدهم وتركت المدرسة لهذا السبب وصرت اعمل في بيع المواد الغذائية وترتيبها بداخل مركز طيبة براتب 30 ألف ريال”.

محمد الذي كان يدرس بمدارس النهضة بصنعاء ووصل بتعليمه الى مرحلة الثاني الاعدادي، يبدو ان الحرب ووفاة والده، اجبرته على قيام بمهام أكبر منه، وحملته مسؤولية في وقت مبكر. بنبرة الم وحسرة قال لـ “المشاهد”: “ايش نسوي الحرب جعلتنا عمال ونحن كنا نحلم نكون مهندسين وطيارين ودكاترة لكن لقمة العيش جعلتنا باعة”.

ويؤكد خبراء اقتصاديون وتربويون أن أسبابا اقتصادية بشكل أساسي تحرم آلاف الأطفال من الالتحاق بالمدارس، فالآباء عاجزون عن توفير مستلزمات الدراسة ورسوم المدارس وتكلفة الزي المدرسي وحتى أجرة المواصلات.

وأوضحت مبادرة خيرية تدعى “العودة إلى المدارس” أن آلاف الأطفال الأيتام والفقراء والنازحين محرومون من الذهاب للمدارس، لعدم قدرة أهاليهم على توفير الزي المدرسي والمستلزمات الدراسية.

وبما أن مسيرة التعليم في هذا البلد الفقير كانت متدنية أصلا طيلة العقود الماضية فإن استمرار الحرب قد تدفعها إلى التوقف بشكل نهائي، وفق ما تشير إليه الإحصائيات والأرقام التي تتحدث عنها تقارير المنظمات المحلية والدولية أبرزها الدمار الذي طال المؤسسات التعليمية وتحويل عدد منها إلى ثكنات عسكرية، وأماكن لإيواء النازحين، إضافة إلى تجنيد الأطفال.

إغلاق 1400 مدرسة

وبحسب تقرير أصدره مركز الدراسات والإعلام التربوي “منظمة يمنية غير حكومية” في الـ 22 من شهر أغسطس الماضي فإن الحرب المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عامين أدت إلى إغلاق 1400 مدرسة في عموم المحافظات حتى الآن، وحرمان مليون وأربعمائة ألف طفل في سن التعليم من الالتحاق بالمدرسة.

وذكر التقرير أن 78% من المدارس المغلقة تعرضت لأضرار كلية وجزئية نتيجة الحرب فيما احتلت عسكريا 22 في المائة منها، ولم يكن تأثير الدمار والقصف سواء الجوي أو المدفعي الذي استهدف مؤسسات تعليمية ومدارس في معظم محافظات البلاد وحده على العملية التعليمية، فالحرب المشتعلة والوضع القائم أسفر عن تصدعات واختلالات في كل مناحي الحياة سواء أكانت إنسانية أو اقتصادية أو حقوقية، وكان لذلك أيضا أثر بالغ على مسيرة التعليم وديمومتها.

3ملايين طفل خارج المدرسة

ويؤكد تقرير مركز الدراسات والإعلام التربوي أن انتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع نسبة المخاطر في كثير من المدن وتردي الوضع المعيشي للأهالي أدى إلى تراجع الالتحاق بالتعليم بنسبة 3% هذا العام مقارنة بالعام السابق، حيث وصل عدد الأطفال خارج المدرسة منذ بداية الحرب وحتى الآن إلى 1.4 مليون طفل في سن التعليم العام إضافة إلى 1.7 مليون طفل قبل اندلاع الحرب، وبذلك يرتفع عدد الأطفال المحرومين من التعليم إلى 3.1 مليون طفل.

مشيرا إلى أن العام الماضي سجل أعلى معدل في حوادث الاعتداء على المدارس أثناء الدوام الرسمي، حيث تم تسجيل 32 حالة اعتداء على المدارس في مختلف محافظات اليمن تنوعت بين القصف المدفعي والجوي والاعتداء المسلح، كما تم تسجيل 16 حادثة قتل لأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة.

كل ذلك، عدا عن آثار الحرب والأزمة الإنسانية، وما يرتبط بهما من عدم تمكن أعداد كبيرة من الأطفال من الالتحاق بالمدارس، وكذلك تعرضت مدارس للقصف أو تضررت بطريقة أو بأخرى من الحرب، وجوانب مأساوية لا حصر لها، لوضع التعليم في اليمن.

وعلى سبيل المثال، أعلنت منظمة اليونيسف في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، أن مليوني طفل يمني لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، في العام الدراسي الماضي، وحسب المنظمة نفسها، فإن 5.4 مليون طفل مع اقتراب العام الدراسي الجديد، لن يتمكنوا من العودة إلى المدارس، بسبب عدم تسليم رواتب المعلمين.

 

مقالات مشابهة