المشاهد نت

جيل من المرتزقة في اليمن بين دفتي إيران ودول الخليج

توجيه محافظ المهرة بمنع دخول السيارات المستعملة بناء على خطاب من قيادة التحالف

المشاهد-على سالم المعبقي:

لا توجد بورصة في اليمن، غير أن ثمة سوقاً سياسية قبائلية دينية، لا تظهر مؤشرات أسهمها في نشرات المال والأعمال، مع أنها تشكل قاعدة الاقتصاد السياسي لهذا البلد الفقير وترساً من تروسِ عدم استقراره.

قبل أن يقتله الحوثيون، بأيام ظهر الرئيس السابق علي عبدالله صالح ،متوعداً الحوثيين، شركاءه في الانقلاب، بانتفاضة شعبية عسكرية. لم يكن صالح يعلم على الارجح أن مشترين جددا اشتروا من الباطن البضاعة التي يهدد بها. فالجماهير التي ظلت تهتف له تركته يواجه نهايته صارخاً: خانوني خانوني! فلئن أدت الحرب الباردة إلى تأخر توحيد شمال وجنوب اليمن حتى1990 ، فإن شراء الولاءات عطّل بناء الدولة وافشل تجربة التحول الديموقراطي وجعل البلد المضطرب أصلا، ساحة حروب بالوكالة، وكانتونات بيافطات إيرانية وإماراتية وسعودية.

 بازار اقليمي 

“العنزة لاترى مؤخرتها”، مثل شعبي يردده مواطنون تهكماً على اتهامات بالعمالة تتبادلها الجماعات اليمنية المتصارعة، فقد شهد التاريخ اليمني حالات ارتهان لدول خارجية، إلا أن اليمن لم يشهد ارتهاناً سافراً ومدمرا كما هو حاصل حاليا.

ولا يزال اليمنيون يستذكرون مسرحية اختطاف موظفين ديبلوماسيين، سعودي وإيراني، في اليمن لحوالي    3سنوات، ثم ظهورهما فجأة عشية إطلاق التحالف العربي بقيادة السعودية عاصفة الحزم، في ربيع 2015.  كانت تلك الحادثة كافية ليدرك المراقب، مدى حضور المخابرات الاقليمية والدولية، وتحولها إلى جزء من مشهد الجماعات السياسية اليمنية.

 في  رسم غرافيتي نفذه الرسام الشاب مراد سبيع مطلع العام 2014 في صنعاء، تظهر العملات الإيرانية والسعودية والأميركية ضخمة وعالية، فيما الساجدان لها ضئيلان وواطئان، “فالعنف والتجريف السياسي قضيا على الشخصيات الجيدة وأنتجا شخصيات سياسية هشة على شاكلة الدولة اليمنية ذاتها”، كما تقول لـ”درج”، الكاتبة و المحللة السياسية مايسة شجاع الدين.

عندما منع الحوثيون حزب الرئيس السابق من تنظيم مهرجان في آب (اغسطس) الماضي، تدخل أمين حزب الله اللبناني حسن نصرالله، للسماح  بالمهرجان. وعقب مقتل صالح  يوم 4 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحدث مقربون منه بأن قتله تم بإيعاز من إيران. وفي مرات عدة تدخلت أبوظبي والرياض للسماح  لمسؤولين في الحكومة الشرعية، بالهبوط في مطار عدن أو مغادرته. كما لا يزال الرئيس عبد ربه منصور هادي ومحافظ عدن في السعودية، بسبب سيطرة الحراك الجنوبي الموالي للامارات على العاصمة الموقتة عدن.

منذ ستينيات القرن العشرين، ظلت السعودية في واجهة الدول المتهمة بشراء ولاء القبائل ورجال السياسة والدين في اليمن. أثناء الحرب الاهلية بين الملكيين والجمهوريين مارس نظام جمال عبد الناصر نفس الدور وإن بدرجة أقل. و”مع تهاوي الايديولوجيات الكبرى وتفشي الفساد، اتسعت دائرة “الاسترزاق السياسي” بحسب تعبير شجاع الدين. وباستثناء تونس التي حسمت ثورتها سريعاً، مثلت بقية دول الربيع العربي سوقاً للتنافس الإقليمي والدولي، وبازاراً للمرتزقة المقاتلين والسياسيين على السواء. ومع انقسام النظام السابق، وشيوع الفوضى على خلفية الاحتجاجات الشعبية، أطلقت أيدي عناصر مسؤولي المخابرات في السفارات العربية والاجنبية في صنعاء، وصاروا يتصرفون  خارج البروتوكولات الديبلوماسية.

ويعدّ إرث العنف والثارات التاريخية، من أبرز أسباب  شيوع ظاهرة الاسترزاق السياسي، والاتكاء على الخارج، وفق ما ترى شجاع الدين. ففي بلد هشّ مثل اليمن لم يعرف الدولة الحديثة، يكون سهلا  اختراقه بخطاب الهويات الدينية والجهوية، تقول شجاع الدين .

تتفق مصادر أمنية يمنية طلبت عدم الكشف عن هويتها، على  أن حادث اختطاف القنصل السعودي في عدن عبد الله الخالدي، والديبلوماسي الايراني نور احمد نكبخت، كانا مسرحية واستعراضاً استخباراتياً للقدرة على التخفي، لدى الجماعات الموالية. معتبرة الرواية الايرانية الرسمية القائلة أن نكبخت حرر بواسطة قوة إيرانية “حبكة سينمائية”.

خلال الفترة 2011-2015، شهد تهريب السلاح الى اليمن ازدهارا لافتا. واحتجزت  سفن ايرانية  وتركية تحمل السلاح  . كما تنافست أيران وتركيا على نقل مقاتلين الى سوريا. وفي عام 2013 سجلت شركة الخطوط الجوية التركية المرتبة الأولى في عدد الرحلات  من والى مطار عدن بواقع  543 رحلة. وبعد سيطرتهم على صنعاء مطلع 2015،  اطلق الحوثيون طاقم سفينة السلاح  الايرانية المحتجزة، ودشنوا جسرا جويا  بين شركتي الخطوط اليمنية وماهان الايرانية بواقع 28 رحلة أسبوعيا. وتصف مصادر ملاحية الرحلات بـأنها” مريبة وغير طبيعية “. خصوصا وأن اسطنبول وطهران لا تعدان وجهة رئيسة للمسافرين اليمنيين. ولم يتسن لـ”درج” الاطلاع على سجلات المسافرين في مطاري صنعاء وعدن.

إقرأ أيضاً  إجراءات قادمة للحد من مشكلة الدرجات النارية بتعز

علاوة على الموظفين الديبلوماسيين والزعامات القبائلية والسياسية والدينية، تنشط الدول المتصارعة في اليمن عبر قنوات مختلفة مثل الشركات التجارية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات. وغداة اندلاع ثورات الربيع العربي، نظمت طهران والرياض زيارات جماعية لكتاب وصحفيين ونشطاء يمنيين الى طهران والرياض. كما تدعم دول إقليمية مؤسسات إعلامية  ومراكز بحثية وحقوقية وقنوات فضائية. وعندما وصف المبعوث الأممي السابق  الى اليمن جمال بن عمر السياسيين اليمنيين بالانتهازيين، لم يشر سوى إلى صفة من صفات سلبية عدة.  فالسياسيين اليمنيين أصحاب دكاكين صغيرة  لا يفكرون بالوطن ومستقبله حسب ما ترى شجاع الدين ويمنيون كثراً.

 جمهورية عائلية 

تقول دول التحالف العربي بقيادة السعودية أن تدخلها  العسكري في اليمن يهدف الى اعادة الحكومة الشرعية  واستعادة استقرار البلد . بيد أن الوقائع  تبين أن التحالف خدم الحوثيين وخلق في المناطق المحررة  جماعات لا تختلف كثيرا عن الانقلابيين.

وبالتوازي مع مواجهتها للحوثيين المدعومين من ايران والذين يسيطرون على صنعاء ومعظم المناطق الشمالية،  تخوض دول التحالف العربي، صراعاً فيما بينها عبر جماعات يمنية موالية، ما جعل المحافظات المحررة وشبه المحررة من سيطرة مليشيا الحوثيين مقسمة بين جماعات متصارعة تدين بالولاء لدول مثل الإمارات والسعودية ومصر وقطر.

بعد شهور من الحملات ضد حزب تجمع الاصلاح الاسلامي المؤيد للحكومة الشرعية واتهامه بالارهاب والعمالة لقطر واستهداف مقراته ونشطاءه أنتهى المطاف بالامارات والسعودية الى لقاء قيادات الحزب.

وبحسب مصادر سياسية يمنية فإن دول التحالف ترغب بتدجين الجماعات الاسلامية لتخدم انظمتها اكثر من رغبتها في مكافحة الارهاب وبناء دولة عربية ديموقراطية حديثة. كما تسبب توقف الحكومة اليمنية، منذ اكثر من سنة ، عن صرف مرتبات الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، الى تحول بعض الصحفيين والكتاب الى مرتزقة في خدمة المليشيا الانقلابية.

ومنذ اندلاع الحرب التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب مسلح نفذته منذ 21 ايلول / سبتمبر2014 مليشيا الحوثيين والرئيس السابق تحول المال العام في يد الانقلابيين والحكومة الشرعية الى أداة لشراء الذمم والتجنيد وفق ما تبين حالات رصدها “درج”.

على مدى سنوات  ظل الحراك  الجنوبي المطالب بالانفصال  يتباكى على دولة النظام والقانون، التي يزعم  أنها فقدت جراء  الوحدة مع الشمال، بيد أن الوقائع  والممارسات  التي  تشهدها مناطق  الجنوب بعد تطهيرها من الشماليين،أظهرت الحراك نسخة جنوبية من مليشيا  الحوثيين وفق تعبير ناشط مدني في عدن ، طلب عدم الكشف عن هويته. مشيرا  الى ممارسات عصبوية   قروية  وتصريحات لقيادات حراكية معادية للتعددية الحزبية. وتقول شجاع الدين أن وضع الارتزاق خلق قيادات سياسية لا تستند على واقع قوتها وفعلها بالداخل، بل على نجاحها في تطبيق اجندات خارجية.فدول التحالف مثلها مثل إيران  تريد  انتاج دولة عائلية وليس دولة قانون ومؤسسات.

 الحديث عن دعم إمارتي لتولي أحمد علي،  نجل الرئيس السابق، رئاسة حزب المؤتمر الشعبي خلفا لوالده، لا يبدو غير غريب عن البيئة اليمنية، فتوظيف الابناء بعد وفاة آبائهم قانون غير مكتوب تعمل به المؤسسات الحكومية  فيما توصف بعض الأحزاب بالعائلية. وذكرت  ورقة بحثية نشرها مركز “تشاتام هاوس”، أن 10عائلات يمنية تستحوذ على 80 في المائة  من عمليات الاستيراد والتصدير.

بعد 3سنوات حرب طغى عليها محاولات اللاعبين الخارجيين تكييف البلد لمصالحهم تبدو آمال اليمنيين بالحرية والكرامة وقد تبددت بين مطرقة إيران وسندان  الخليج.

المصدر “درج

مقالات مشابهة