المشاهد نت

أكاديمي يمني: الخطاب الديني في تاريخ الصراعات هو وسيلة السياسي

صورة تعبيرية عن الصراع الديني في اليمن

المشاهد-صنعاء- غمدان الدقيمي :
يثير تصاعد نفوذ الجماعات الدينية المتشددة في اليمن قلقا كبيراً لدى الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية حول مستقبل التعايش الديني والمذهبي في البلد العربي الفقير الذي تمزقه حرب أهلية منذ ثلاث سنوات.
وألقت الحرب الدامية التي طال أمدها بظلالها القاتمة على الخطاب الديني، الذي تحول إلى خطاب للتعبئة والتحريض الطائفي والمذهبي وعدم القبول بالآخر.
في هذا الحوار يتحدث أستاذ الأدب العربي بجامعة صنعاء والمفكر السياسي اليمني، الدكتور عبدالله الصنوي، لموقع (ارفع صوتك) عن تحليله لمضمون الخطاب الديني وما ينبغي على المثقفين والسياسيين اليمنيين القيام به لتعزير قيم التسامح والتعايش المشترك.
انتهازية
* ما هو تقييمك للخطاب الديني في اليمن.. وإلى أي مدى ساهمت المساجد في تأجيج النزاع الطائفي والمذهبي والتكفير؟
– الخطاب الديني المتطرف خطاب متوسل بوعي المنظومة الفكرية للموروث السياسي الذي أنتج وسائله في تبرير الإقصاء للآخر، هو خطاب مفتوح بقداسته في بيئة يحرثها مشائخ الدين ويزرعون فيها كل متراكمات الموروث المشحون بكمال الماضي وإدانة الحاضر.
ويمكن القول إن خطاب التطرف الديني هو وجه من وجوه الادعاء لامتلاك الحق المطلق والصواب الكامل مقابل ظلال الآخر وخطأ ما لديه.
ومن هنا يأتي تناسل الجماعات الدينية المتطرفة التي تسهم في إنتاج ثقافة التعامل مع الآخر بسوء النية والاستعداد للرمي بكل ما يمكن أن يجمع من القيم والخطاب المشترك جانبا في ضوء انتهازية قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” التي وجهت خطاب الديني والسياسي وما زالت تجمعهما للتحكم بوعي المجتمع وثقافة الجهل والتخلف من منطلق الوصايا والرعاية.
إلغاء الآخر
* ما هي أسباب تنامي التطرف الديني في اليمن ومن يغذيه؟
– التطرف الديني هو صورة من صور العنف الموجه نحو من يخالف المتطرف… ولهذا فالتطرف الديني في اليمن كأي تطرف يهدف إلى الغاء الآخر استنادا إلى الأفكار العقائدية التي يتربى عليها المتطرف..
لم يكن في يوم من الأيام التطرف خارج فكر الصراع السياسي.. فالخطاب الديني في كل تاريخ الصراعات هو وسيلة السياسي وما زال السياسي ينتج الجماعات الدينية ويغذي الثقافة الأحادية مصدر كل تطرف وإرهاب.
والقمع السياسي هو ثمرة فكر لا يؤمن بالآخر وسيبقى هذا القمع الذي ينتج التطرف الديني وغير الديني ما دام الفكر السياسي الموروث يتحكم بمفهوم الدولة وسيستمر ينتج كل المتناقضات والعصبيات الدينية والمذهبية والقبلية إذا لم يحدث تغير جذري في الفكر السياسي العربي والإسلامي ونظرته لمفهوم الدولة وادارتها.
تكريس ثقافي
* وماذا عن دور المثقفين ووسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية والخاصة في تعزيز قيم التسامح والتعايش؟
– لا يمكن أن أتحدث عن دور للمثقفين ووسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية والخاصة في غياب ما يمكن أن أسميه الوعي المتحرر من عصبية الموروث السياسي وتصنيف المواقف إلى حق وباطل. وبالتالي فالحديث عن دور فاعل ومؤثر لهذه المؤسسات في نشر ثقافة التسامح والتعايش سيعتمد على مدى إيمانها بمفهوم التسامح وقيم التعايش في إطار المتاح لها.
* ما مدى صحة الصور النمطية التي يروجها الإعلام وخطابات المتشددين عن العرب والمسلمين من جهة والغرب من جهة أخرى؟
– الصورة النمطية التي ترسم لأمة ما من قبل غيرها هي نتاج تكريس ثقافي لملامح ما تتلقاه من مصدر التعزيز لتلك الصورة المؤطرة بمفاهيم الصراع والتنافس بين الشعوب والأمم.. وهي أعمال تديرها سياسة الصراع مع الآخر، وهي إشكالية ثقافية وتاريخية تحركها مفاهيم دونية الآخر أمام محاولات الأنا لإثبات تميزها في اطار لا يخرج عن الصراع الممتد في الماضي إلى الحاضر وسوف يستمر في المستقبل بدوافع عدة وصور متنوعة.
حوار الثقافات
* الانفتاح على ثقافة الآخر هل هو حل أم مشكلة.. وكيف يمكن تعزيز حوار الثقافات بين الشرق والغرب؟
– يمكن أن استبدل جملة الانفتاح على ثقافة الآخر بجملة: التواصل مع ثقافة الآخر وهنا سيبدو الأمر حالة طبيعية صاحبت وجود الإنسان منذ القدم، إذ لا يخلو تاريخ الإنسان من التواصل الثقافي والمعرفي بين المجتمعات.. وإذا ربطنا مفهوم الثقافة بالمعرفة، فالمعرفة البشرية متصلة بالإنسان منذ وجد على هذه الأرض.
وما يسمى حوار الثقافات لن يكون له أثر دون أن يستند هذا الحوار إلى أن كل الثقافات نتاجا لتواصل معرفي ومقومات فكرية وفلسفية تستفيد من المعطيات المتاحة، من الحريات الواسعة والتفاعل مع كل الأجناس بما يحملون من التنوع الثقافي وتكامله عبر تجارب متنوعة على المستوى الفردي أو المؤسسي أو مستوى الدول.
الأديان
* كيف ينظر المسلمون للديانات الأخرى غير الإسلام؟
– نستطيع القول بوجود نظريتين متناقضتين تحمل الأولى ما ينبغي أن تكون عليه تلك العلاقة المجسدة لأحادية المصدر السماوي لكثير من الأديان وما تهدف إليه من تعزيز للقيم الإنسانية كما هو وارد في الخطاب القرآني أو بالخطاب المدافع عن الإسلام كونه دين تسامح وأحيانا في الخطاب السياسي.
أما النظرة الثانية فهي نظرة تصنيفية ترى كل الأديان باطلة ماعدا الإسلام. ويغذي هذه النظرة الخطاب الديني الذي يربط كل أحداث الصراع في تاريخ الدولة الإسلامية بالدفاع على الإسلام، وهذ يشير إلى إشكالية عميقة في الوعي السياسي المستند في كل صراعاته التاريخية إلى المقدس كي يسبغ على أعماله قداسة تبرر له إلغاء غيره.
ما زال غائبا
* كيف يتعامل الإعلام في اليمن مع واقع التعددية الدينية والعرقية والسياسية؟
– التعدد الديني ما زال غائبا في مجتمعنا اليمني كما هو التعدد العرقي على اعتبار أننا ندين بالإسلام وننتمي للعروبة. وفكرة التعدد الديني والعرقي حسب معرفتي ما زالت خارج تناول الإعلام له وإن بدأ مؤخرا بصورة لا يمكن تقييمها على الأقل حسب معرفتي.
أما إذا كان القصد التعددية السياسية فالواقع أن الإعلام لم يتجاوز حتى الآن وظيفة شاعر القبيلة في تناول الآخر، مع التأكيد أن أسوأ ما يتحكم ببقاء دورات الصراع في أي مجتمع هو ادعاء أحادية الانتماء سواء كان ذلك الانتماء عرقي أو ديني أو مذهبي.
* هل التنوع مصدر إثراء أم تهديد للحياة والمجتمع؟
– لم يكن في أي مرحلة من مراحل حياة الإنسان وتاريخه التنوع تهديدا للحياة. بل البحث عن تنميط الإنسان في قالب واحد هو ما يهدد الحياة ويفني ممكناته التي تتجسد بالتنوع.
المصدر:ارفع صوتك

مقالات مشابهة