المشاهد نت

ثلاثة أعوام من الحرب فى اليمن والحسابات السياسية التى اطالتها”تقرير خاص”

المشاهد-معاذ الحيدري-خاص:

الـ 26 من مارس 2018م، تكون الحرب اليمنية طوت سنتها الثالثة، وبعيدا عن دهاليز السياسة وكواليس الحسابات، ثمة حقيقة واحدة ثابتة، وهي معاناة المدنيين الذين لا خيار أمامهم سوى الموت أو الإعاقة أو النزوح إن لم يكن الأمران معا.

حين يحسب عدد أيام السنين، بعدد المأسي، وعدد القتلى والجرحى، وعدد الفقراء والاوبئة والنازحين، فذلك هو الألم بعينه، وتلك هي الحرب في اليمن، الحرب التي أضاعت أجيال كاملة، أجيال لم تعرف حتى الان إلا الحرب بكل ما تحمله من دمار وخراب ونزوح.

ثلاثة أعوام من الحرب، في بقعة جغرافية اسمها (اليمن)، اجتمع العالم في هذه البقعة الجغرافية، سلاحا ومالا ومخابرات، فتحولت الحرب الى معادلة حسابية صعبة، ومحطة مواجهات وتصفية حسابات، على حساب اليمنيين.

تداخل حسابات التحالف وتطويل أمد الحرب

قراءة تفاصيل العام الثالث من الحرب في اليمن، تفرض علينا العودة الى قراءة المحطات والتحولات التي طرأت على المشهد اليمني، والتي بفعلها، طالت الحرب.

ففي الـ 26 من مارس من العام 2015، انطلقت عاصفة الحزم، بقيادة المملكة العربية السعودية، وبمشاركة 12دولة عربية، معلنة عن خطة عمل عسكري مزمنة، مدتها ثلاثة أشهر، وامتدت الثلاثة الأشهر، إلى ثلاثة أعوام، وها هي تدشن عامها الرابع، في خوض حرب بلا نصر، حرب بحسابات سياسية، وكل المعطيات على الأرض تقول إن الحرب مستمرة على كل المستويات، وبلا أفق.

كان اليمنيون يعتقدون أن التحالف سيتدخّل بشكل سريع وحاسم لإعادة الشرعية وتمكينها من ممارسة سلطاتها على الأرض، لكنه عمل على إطالة أمد الحرب حتى تحوّلت إلى عبء وكارثة بذاتها، ومشروع لديه أهداف أخرى تقتضي إطالة الحرب من دون أية نتائج إيجابية، ففقدت الشرعية بذلك جزءاً كبيراً من المتعاطفين معها، طبقا لسياسيين.

في ذكرى الحرب الثالثة الشرعية تحت الاقامة الجبرية

وتقييم العمليات العسكرية، بقيادة التحالف بحاجة الى وقفة جادة، لقراءة ما حدث، وسط استياءات واسعة من الحسابات السياسية التي دخل بها التحالف، فهناك يمنيون ومراقبون يقولون بأن الأهداف واضحة التي أعلن عنها التحالف بداية تدخله في اليمن، وأبرز تلك الأهداف هي إعادة الشرعية واستعادة الدولة من قبل جماعة الحوثيين، ولكن الشرعية صارت اليوم، تحت الإقامة الجبرية في الرياض، طبقا لمصادر سياسية تحدثت لـ “المشاهد”.

والإقامة الجبرية للرئيس وللحكومة الشرعية، أكدها مسؤولون يمنيون، في الشرعية، بعد أن كانت مجرد اشاعات، واخر أولئك المسؤولون اليمنيون، كان وزير الدولة صلاح الصيادي، والذي دعا الى خرج مظاهرة يمنية للمطالبة بالإفراج عن الرئيس عبد ربه منصور هادي، من الإقامة الجبرية، والى جانب هذا المسؤول، أعلن نائب رئيس الوزراء، وزير الخدمة، ومستشار رئيس الجمهورية، عبدالعزيز جباري، تقديم استقالته، احتجاجا على اختطاف القرار السياسي من قبل دولة الامارات المشاركة في التحالف العربي، ما يعني أن الحرب طالت بسبب حسابات الأطراف الإقليمية، وبسبب حرفها لمسار الحرب ولمسار العمل العسكري، عن هدفه الرئيسي، لينقلب السحر على الساحر.

الامارات وانحراف مسار التحالف عن اهدافه

ويتهم يمنيون، دولة الامارات، بتطويل أمد الحرب، بعد أن تحولت الى رابح أكبر من الحرب، وقد انحرفت برياح “الأمل” إلى حيث تشتهي قوارب مصالحها. فبينما تتحمل السعودية كل الأوزار، انشغلت الإمارات بتمرير أجنداتها الخاصة، وأخذت تمد نفوذها في اليمن من أقصى الجنوب الشرقي مروراً بجزيرة سقطرى، وصولاً إلى أقصى الغرب في المخا، وبينهما سيطرت على موانئ اليمن ومطاراته، والحقول النفطية والغازية في شبوة، طبقا لحديث سياسيين، ومسؤولين يمنين.

ويذهب محللون سياسيون، في حديثهم عن هذه الذكرى، بالقول: “ثلاث سنوات من الحرب وما زالت مؤشرات استمرارها تصبغ الحياة بألوان أكثر قتامة. اليمنيون مازالوا منقسمين على أنفسهم، ويتجادلون بشأن الطرف المسؤول عن الحرب بدل السؤال عن المستفيد منها، والإجابة الجاهزة هي نفسها لهذا السؤال: “تجار الحرب”. تجار الحرب نعم، لكن ماذا عن زعماء وقادة تلك الدول المتسابقة في تصنيع السلاح وتصديره لأطراف النزاع.

ثلاث سنوات من النزيف

في هذه الحالة، وطبقا للمراقبين، يجدر بالحوثيين وهادي والسعودية والإمارات، أن يسألوا أنفسهم ما الذي استفادوه من هذه الحرب وما الذي خسروه؟ ربما الأحرى بهم أن يحسبوا مكاسبهم وخسائرهم للعام الرابع بناءً على نتائج الثلاث السنوات المنصرمة.

في الواقع، آلة الحرب مستمرة في حصد أرواح اليمنيين، سواء بالغارات الجوية أو القذائف العشوائية التي تطال الأحياء السكنية. وكلما تعذرت فرص السلام والتسوية السياسية، سوف يستمر الخراب وتزيد أعداد الضحايا.

منظمة (رايتس رادار) لحقوق الإنسان في العالم العربي، ومقرها لاهاي، أصدرت تقريرا بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب في اليمن، بين جماعة الحوثيين، وبين القوات الحكومية المدعومة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.

وقالت المنظمة في تقريرها المعنون (اليمن: الحصار المميت) إن “ثلاث سنوات من الحرب اليمنية تتسبب في حصار مميت للمدنيين وفي إحداث دمار واسع للحياة، أكثر من الدمار الذي أحدثه القصف بالسلاح”.

27 ألف قتيل خلال ثلاث سنوات

وأكد تقرير رايتس رادار أن ثلاث سنوات من الحرب اليمنية خلّفت نحو 27000 قتيل من المدنيين والعسكريين في عموم المحافظات اليمنية، بينهم 15500 قتيل مدني على الأقل، بالإضافة إلى نحو 58000 جريح من المدنيين والعسكريين، بينهم 35000 جريح مدني على الأقل.

وقال التقرير، إن هذه الحرب تسببت في إعاقة أكثر من 2980 شخصا بإعاقات متفاوتة، من المدنيين والعسكريين، بينهم 1377 مدنيا، أغلبهم تعرضوا لحوادث انفجار الألغام الأرضية التي زرعها مسلحو جماعة الحوثي في العديد من المحافظات والمناطق التي وصلوا إليها.

وتناول التقرير، عملية النزوح لليمنيين، من مناطق الحروب، حيث وأوضح أن عدد النازحين في داخل اليمن بلغ أكثر من 3200000 شخص وبلغ عدد اللاجئين والمشردين خارج اليمن أكثر من 650000 والمخفيين قسريا أكثر من 750 شخصا، أغلبهم سياسيين ونشطاء وصحافيين وعسكريين.

26 ألف منزل تضرروا من الحرب

ووفقا لتقرير رايتس، فقد تسببت الحرب بتضرر أكثر من 26000 ألف منزل، بين تدمير كلي وجزئي، وتضرر أكثر من 6800 منشأة عامة وخاصة، متفاوتة الأضرار، في مختلف القطاعات، وقدّر خسائر البنية التحتية لوحدها بأكثر من 30 مليار دولار أمريكية، جراء الحرب منذ مارس 2015.

مساجد ومدارس ضمن الدمار

وقال التقرير، إن مسلحي جماعة الحوثي دمّروا أكثر من 860 مسجدا ونحو 48 مدرسة دينية لتعليم القرآن، وأصدروا حكما بالإعدام ضد أحد أتباع الطائفة البهائية بصنعاء واعتقال 6 آخرين منهم.

إقرأ أيضاً  اتساع ظاهرة التسول في رمضان

18 ألف معتقل

وكشف التقرير عن وجود آلاف المعتقلين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، اعتقلوا جراء الحصار السياسي الشديد خلال الثلاث السنوات الماضية، وقدرت المنظمة عدد الأشخاص الذين طالهم الاعتقال خلال الثلاث سنوات الماضية بنحو 18000 معتقل.

وتعرض آلاف السياسيين والناشطين المعارضين لجماعة الحوثي للاعتقال التعسفي بصنعاء خلال الثلاث السنوات الماضية، أغلبهم من حزب التجمع اليمني للإصلاح، بالإضافة إلى حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت قيادات حزب.

عمليات عسكرية مسدودة النهايات

خلال العام الماضي، وهو العام الثالث من الحرب، أطلق التحالف العربي، العديد من العمليات العسكرية، وأخذت هذه العمليات العديد من المسميات، وكان هدفها التحرير، ومن ضمن هذه العمليات عملية تحرير تعز، وعملية اخرى في الساحل الغربي، وهناك عملية عسكرية أعلن عنها الرئيس عبدربه منصور هادي وأطلق عنها صنعاء العروبة، حيث كان من المفترض أن تنطلق هذه العملية، نحو تحرير صنعاء، على طريق نهم وعلى طريق منطقة خولان، ولكن كل تلك العمليات العسكرية، انطلقت وسرعان ما توقفت عند حد معين.

ما السبب؟ كان هذا سؤال “المشاهد” الذي توجه به نحو مصادر سياسية في الرياض، وبدورها اجابت هذه المصادر، بأن الحسابات العسكرية هي من أوقفت هذه العمليات، فهناك حسابات اقليمية، أو بالأصح حسابات الشركاء الاقليميين في الحرب وفي التحالف العربي، ومن وراء هذه الحسابات حسابات دولية، وأمريكا في الواجهة.

تقول المصادر السياسية ويقول مراقبون، بأن أسباب تطويل الحرب، كثيرة، من بين هذه الاسباب، أن أطراف دولية تريد بقاء الحرب، ولا تريد لأي حسم عسكري أن يتحقق، بل أن أطراف دولية أكثر من مرة تعرقل أي تقدم أو نصر، وهذه الاطراف الدولية لا تريد القضاء على الحوثيين وتريد بقاء الحرب، حتى تتمكن هي من القباء في تجارة السلاح، من ناحية، وابتزاز دول الخليج من ناحية ثانية. ومن هنا تداخلت الحسابات.

ومن ضمن الاسباب، وجود صراع بين قوى اقليمية، وأبرز تلك القوى دولة الامارات، وبين جماعة حزب التجمع اليمني للإصلاح، أحد الاطراف المشاركة في الحرب.

في الذكرى الثالثة للحرب الحوثي يصعد بالقوة الصاروخية

تزامنت ذكرى الحرب الثالثة مع جولة جديدة للمبعوث الاممي الجديد، مارتن غريفيث، بدأ بها من الاردن، مرورا بالرياض، وصولا الى العاصمة اليمنية صنعاء، ويفترض أن تكون الاطراف اليمنية، قد توصلت الى قناعة بعدم توفر امكانية الحسم العسكري للحرب، ويفترض أن تكون هناك استجابة للمزاج الدولي الذي يدعو جميع الاطراف المتحاربة الى ايقاف الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة،  عبر العودة الى طاولة الحوار والعودة الى المسار التفاوضي، إلا أن المؤشرات لا تؤكد حتى اللحظة امكانية عودة المتحاربين الى الطاولة، والاحداث هي من أكدت ذلك.

فعلى مستوى الطرف المتمثل بجماعة الحوثيين، حضر التصعيد العسكري، من قبلها، ففي هذه الذكرى، وليلة ذكرى انطلاق عاصفة الحزم، أطلقت جماعة الحوثي، سبعة صواريخ باتجاه الرياض في خطوة تصعيدية عسكرية غير مسبوقة.

وفي الوقت الذي احتفلت الجماعة في ميدان السبعين تحت شعار ثلاثة اعوام من الصمود، أعلن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الاحد الماضي، أن مقاتليه مستعدون لبذل مزيد من “التضحيات” في مواجهة التحالف العربي بقيادة السعودية، في خطاب متلفز بمناسبة الذكرى الثالثة لتدخل التحالف في اليمن.

وقال الحوثي: “لسنا نادمين على ما قدمناه من تضحيات، والمسألة ليست عندنا للمساومة، فهي مسألة كرامة وحاضر ومستقبل”، واضاف زعيم الجماعة التي تسيطر على صنعاء منذ 2014: “نحن نؤمن بأنه يجب علينا شرعا أن نواجه هذا العدوان الظالم”.

وتابع الحوثي موجها تحذيرا الى دول التحالف العربي: “قادمون في العام الرابع بمنظوماتنا الصاروخية التي تخترق كل وسائل الحماية للعدو وبطائراتنا المسيرة التي تصل إلى مدى بعيد وبتفعيل غير مسبوق لمؤسساتنا العسكرية”.

المفكر عبدالباري طاهر يطلق بيان إدانة واستغاثة عبر “المشاهد”

الكاتب والمفكر اليمني، عبدالباري طاهر، وفي تصريح خاص، لـ “المشاهد” يقول: “تنقضي ثلاث سنوات، والحرب في اليمن وعليها، ما تزال تفتك بالحياة، وتقتل الأنفس، وتدمر اليمن، وتهدم معالم التمدن والتحضر، وتفكك الكيان المجتمعي، وتمزق نسيجه، وترتد به إلى ما قبل عصر الدولة والوطنية. نذكر اليمنيين والأخوة العرب والعالم أن القتلى أكثر من عشرة آلاف، والجرحى والمعاقين أكثر من خمسين ألفاً، جلهم من المدنيين، والمشردون أكثر من ثلاثة ملايين داخل الوطن اليمني. أكثر من مليون طفل جائع، والفقر المدقع يطال أكثر من 80 %، وتُصادر المرتبات، وتشح المواد الغذائية ومياه الشرب النقية”.

وتابع حديثه: “اليمن-كل اليمن-محرومة ومحاصرة. التحالف الدولي يحاصر البر والبحر والجو، ويغلق مطار صنعاء، ويعطل ميناء الحديدة، ويعيق وصول البضائع التجارية، والمعونات، والأدوية. والحصار الداخلي-من قبل المليشيات المتحاربة -يحاصر القرى والمدن، ويطبق الحصار، لأكثر من عامين، على أكبر مدينة في اليمن – تعز-. والوضع في الجنوب توتر، وجولات مواجهة مستمرة، وتنتشر التمردات والعنف والإرهاب”.

وفي حين قال طاهر، بأن الأوبئة الفتاكة التي انقرضت عادت لتنتشر، وتفتك بالآلاف. فالملاريا طالت أكثر من مليون، وتقتل الآلاف. الوقائع على الأرض وتقارير دولية موثقة، ومن أهمها تقرير الخبراء الدوليين المقدم لمجلس الأمن منتصف الشهر الماضي تؤكد أن الحرب في اليمن تمثل أسوأ كارثة على وجه الأرض. أشار إلى أن عَجْزُ كلِّ الأطراف المتحاربة عن حسم عسكري يُعَوِّمُ الحرب، وينشر التطرف والإرهاب، ويدفع البلد إلى حرب الكل ضد الكل.

وناشد طاهر كل الأطراف المحلية والدولية بسرعة إيقاف الحرب، حيث قال “نناشد القيادات السياسية اليمنية، وقيادة المليشيات أن يستشعروا الحالة التي أوصلت البلد إلى كارثة غير مسبوقة، وأن يحتكموا إلى المنطق والعقل، ويجنحوا إلى السلام، ويعودوا للحوار والتصالح والقبول ببعض”.

وتابع: “كما نناشد دول التحالف وإيران إيقاف تدخلهم وإشعال الحرب في اليمن، وفك الحصار، وعدم إمداد المتحاربين بالسلاح، وحل صراعاتهم الإقليمية بعيداً عن اليمن. ونناشد الدول الكبرى، والأمم المتحدة الضغط على كل الأطراف الإقليمية واليمنية للعودة للحوار. وإذ نحيي ونرحب تعيين المبعوث الجديد لليمن، والبدء في التواصل مع مختلف الأطراف، فإننا نتمنى أن يتوسع التشاور والحوار، وتشريك المرأة والشباب ومختلف الأطراف السياسية؛ لوقف الحرب أولاً، والعمل على سرعة إحلال السلام، وتحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية في ضوء مخرجات الحوار والقرارات الأممية وما يتوافق عليه الجميع”.

مقالات مشابهة