المشاهد نت

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

المشاهد –

  • تحقيق – فؤاد راجح
  • تصميم – أنس ضمرة

اليمن قُتل عمر باطويل، اعتقل عبد القادر الجنيد، عذّب وليد الشمري، هُدّدت سمية علي وهجّر عباس الضالعي عن وطنه. لم يكن الخراب والاحتراب، الجوع والكوليرا أسباب ما حصل لهؤلاء؛ بل منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

نشطاء التواصل الاجتماعي في مرمى النار من الحديدة غرباً إلى المهرة شرقاً، على رغم اختلاف مشاربهم؛ أكانوا متعاطفين مع التحالف العربي أم مع جماعة أنصار الله أم ضدهما، مستقلين أم معارضين. الجميع سواسية. الطبقة الاقتصادية لا تشفع والمعتقد الديني لا يُنجّي.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

 

–عمر باطويل

قطف القتل عمر باطويل قبل أن يكمل عامه السابع عشر. قُتل هذا الفتى من دون أن يحقّق حلم أمه المكلومة بدراسة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. كان الابن الأوسط بين ثلاثة لعائلة تهتم بالشعر والثقافة. والده شاعر نبطي انهار لحظة سمع خبر مصرع نجله في أبريل/ نيسان 2016 وشاهد صوره والدماء تُلطخ وجهه وثقوب الرصاص في صدره تسيل منها الدماء. هكذا قضى عمر المولع بعلم النفس والفروسية، المهتم بالأديان والناقد للتعصب الديني والإرهاب على صفحته في “فيسبوك”.

وعندما حمل أمجد عبد الرحمن لواء مقارعة فكر “السلفيين” عقب مقتل صديقه عمر، واجه هذا الشاب اليمني المصير ذاته، في ما بدا وكأنه جريمة مزدوجة في أوقات متباعدة.

بعد اتهامه بالإلحاد من “جماعة فرسان الدين” – ذات الخلفية السلفية – تلقّى عمر تهديدات بالقتل عبر “فيسبوك”، وبشكل مباشر أيضاً. تقول شقيقته زينة: “عمر كان جالساً في المنزل. واستدرجه إيهاب الهمامي”، ليأتي خبر مصرعه بعد ساعات في شارع التسعين في المنصورة بعدن.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

إيهاب الهمامي من “جماعة فرسان الدين” السلفية، بحسب حمزة صديق عمر. يقول: “برّر المتهم الهمامي مقتل عمر، وفرح به وكأنه إنجاز شخصي”. ويرى أن التنظيمات السلفية أصبحت جهادية أكثر من دعوية: “برأيهم عمر ملحد إذاً يستحق القتل”. يضيف حمزة: “السلطة والناس يهلّلون على فعل القتل ويمهّدون الطريق له (القاتل) لارتكاب جنايته”.

ينتقد حمزة بخلفيته الإلحادية دور الحكومة الشرعية وقادة الأجهزة الأمنية لعدم توفيرهم الحماية للنشطاء من أصحاب الأفكار المختلفة. “الدولة لا تهتم بهذا الشأن، ولو اهتمت ترى (التهديدات) صواباً، لك أن تتخيل أننا معزولون من أي جهة تحمينا”.

الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الهمامي البالغ من العمر 26 سنة كمتهم وحيد في مقتل باطويل. ولا يزال الهمامي موقوفاً على ذمّة القضية من دون محاكمة منذ نيسان 2016.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

تنفي أسرة الهمامي صلة نجلها بمقتل باطويل وتدعّي بأنهما يرتبطان بعلاقة صداقة أخوية، وتدلّل على ذلك بأن الهمامي كان آخر المتصلين بالقتيل.

وفي مارس/ آذار 2018، دعت أسرة الهمامي على صفحتها على (الفيسبوك) إلى وقفة احتجاجية تضامنية مع ابنها أمام المجمع القضائي في خور مكسر، لرفع الظلم عنه، وفق قولها.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

لم يصمت أمجد عبد الرحمن صديق عمر. حاول هذا الشاب مواصلة خطى رفيقه؛ لكنه سقط قبل أن يكمل عمر عامه الأول في القبر. توقع أمجد دنوّ أجله فكتب منشوراً على “فيسبوك”: “في هذا الوطن ليس لنا حق الاختيار إلا بين الموت الساقط من الأعلى، والموت الزاحف من الأسفل”.

أمجد الذي كان يصعد صوب عامه العشرين بخطى واثقة، كان يدرس الحقوق في جامعة عدن، ويرأس نادي الناصية الثقافي في عين المدينة. وكان يعمل في مكتبة خالد بن الوليد وينشط على موقع “فيسبوك” في انتقاد الجماعات السلفية والتطرف والإرهاب. كما كان يدعو إلى العلمنة.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

وجّه أمجد نقده إلى رجل الدين السلفي هاني بن بريك قائد قوات الحزام الأمني. لم تتوقف كتابات أمجد على صفحته على “فيسبوك” عن بريك الذي أصبح وزيراً للدولة في الحكومة الشرعية برئاسة أحمد بن داغر. إذ انتقد عدم قراءته سورة الفاتحة في اجتماع مجلس الوزراء على قتلى عملية انتحارية، متهماً إياه بالتطرف. بعد أن عزله الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أصبح بريك نائباً لرئيس هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من دولة الإمارات. واستمر أمجد في نقده.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

في 24 يناير/ كانون الثاني 2017 كتب عبد الرحمن منشوراً “فيسبوك” يناقش خطب مسجد الحمد في منطقة كريتر بعدن. وفي اليوم ذاته، اعتقله رجال مسلحون في منزله، ثم احتجزوه في معسكر اللواء 20 التابع للواء الحزام العسكري. وأطلقوا سراحه بعد 24 ساعة على اعتقاله. أخبر عبد الرحمن عائلته أنّ معتقليه حرموه من النوم وعذّبوه بعد أن اتهموه بالإلحاد، بحسب تقرير الخبراء الذي وُضع وفق قرار مجلس الأمن الدولي.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميدياm

بعدها بأيام، وصلت عبد الرحمن رسالة تهديد على (الواتس آب) من رقم سعودي: “ورب محمد ومن نفسي بيده، إذا بتغلط أي غلطة حتى لو كانت صغيرة بحق الدين أو بحقنا سوف تكون هدفنا دون مبرر، ومن أصحابك نفسهم هم اللي بيطرفوك لنا”.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

لم تكن تلك الرسالة أول تهديد لعبد الرحمن. إذ جاء مجهولون إلى المكتبة التي يعمل فيها وهدّدوه، بحسب والده الذي ينفي توجيه ابنه انتقادات للدين أو للقرآن. ويقول: “كان مهتماً بالقضايا المدنية وقضايا العلمانية والثقافة. كتاباته مش مستفزّة حتى من باب التأويل”.

قبل مقتله بنحو عام، حمّل عبد الرحمن الجماعات المتشدّدة في عدن مسؤولية أي مكروه قد يحدث له. وكتب ذلك على “فيسبوك”:

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

في منتصف مايو/ أيار 2017، دخل ملثم إلى مقهى انترنت في منطقة الشيخ عثمان بعدن وأطلق أربعة أعيرة نارية صوب عبد الرحمن، فأرداه.

منع اللواء العسكري 20 التابع لقوات الحزام الأمني أسرة عبد الرحمن من الصلاة عليه وتشييعه ودفنه في مسقط رأسه كريتر، بحسب ما أكده المحامي والحقوقي عبد الرحمن برمان عبر اتصال هاتفي معه. وهذا ما أكده تقرير مجلس الأمن.

يتهم برمان اللواء العسكري 20 باغتيال عبد الرحمن: “لم يعد هناك شك، الذي اتهمه بالإلحاد هو الذي اغتاله، ومنع تشييع جثمانه ودفنه في المقابر”.

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي قدّم التعزية لعائلة عبد الرحمن عبر صفحته (الفيسبوكية) وتعهد بالقصاص له، على غرار توعده حينما قتل عمر باطويل قبل سنة: “نعاهد أسرتك وأهالي عدن المسالمين أن نقتص من قاتليك، ونثأر للسلام والأمن من يد الإرهاب الغادرة”. وكانت تعليقات عبد الرحمن تستهدف هاني بن بريك نائب عيدروس، كما ينضوي اللواء 20 تحت مظلّة المجلس الانتقالي الجنوبي.

لكنّ تعهد عيدروس لم يتحقّق في المرتين، فلا يزال قتلة عمر وعبد الرحمن أحراراً، بحسب والد الأخير. والأسوأ أن ضحيتي الغلو وعائلتيهما تعرضوا للإساءة والاضطهاد من الجهّات ذاتها المسؤولة عن حفظ الأمن وتحقيق العدالة.مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

يفيد تقرير خبراء مجلس الأمن بأن الإساءات المرتكبة من المعسكر 20 لا تزال من دون حل ملائم في غياب تحقيقات قضائية.

طرحنا سؤالاً إلى هادي بن بريك المسؤول عن قوات الحزام الأمنية في حينه- المنضوية تحت اللواء العسكري 20- عن اتهام قواته بمقتل عبد الرحمن، وعدم فتح تحقيق جاد، يفضي إلى القبض على الجناة، إلا أنه لم يرد.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

 

عباس الضالعى .

هذا ليس التهديد الأول والأخير لعباس الضالعي ردّاً على كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي، مذ وصلت رياح ما يسمّى الربيع العربي إلى اليمن عام 2011. “فيسبوك” و”تويتر” وسيلتا الضالعي للتعبير عن غضبه تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية. إذ ينتقد على جدرانهما السياسيين عسى أن يعود وطنه سعيداً.

يقضي هذا الشاب جلّ نهاره خلف شاشة حاسوبه. كان يظنّ أن مواقع التواصل الاجتماعي جاءت لمصلحة الصحافيين والناشطين، لتشكّل صدمة كبيرة للفاسدين. في مطلع 2012 نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق رسمية يدعّي أنها تكشف قضايا فساد لمسؤول كبير نهب أراضٍ ثمنها خمسة ملايين ريال يمني (24 ألف دولار). بعد أشهر تحوّل ادعاؤه إلى حقيقة. حوكم المتهم وصدر بحقه قرار قضائي يقضي باسترجاع الأراضي.

على أن فرحة عباس بهذه النتيجة سرعان ما تبخرت، وخاب ظنّه. إذ توالت عليه التهديدات بقطع لسانه ويديه. اختطف على يد أفراد من الحرس الجمهوري، وتعرض ابنه لثلاث محاولات اختطاف. يقول: “ندفع الضريبة للأسف ولا توجد جهات تحمينا”.

أصبح رأسه المطلوب قاسماً مشتركاً للخصوم السياسيين. ما إن نشر رسماً كاريكاتورياً للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ينتقد سقوط محافظة عمران بيد جماعة أنصار الله، ومحاصرتهم لصنعاء، تلقى الضالعي اتصالاً هاتفياً من جلال هادي نجل الرئيس مهدداً: “باجي أسحلك أمام أسرتك”.

لجأ الناشط الرقمي إلى النائب العام شاكياً ابن الرئيس، لعلّه يشعر وأسرته بالأمان. أيام وتحولت القضية إلى وزارة الداخلية لتنام في أدراجها منذ آواخر 2014 إلى الآن. هذا المآل أفقد الشاكي الأمل في تحقيق العدالة، وبات مقتنعاً بأن “ابن الرئيس ما بتحاكم”.

أراد الضالعي من نشر الكاريكاتور توصيل فكرة ما حدث “أن عبد ربه منصور هادي كان جسراً للحوثي للعبور إلى صنعاء، وتسليم الدولة، لكنهم لا يريدون أن ننشر أي شيء”.

أرسل معد التحقيق في نهاية كانون الثاني الماضي سؤالاً مكتوباً إلى جلال هادي عن واقعة تهديده الضالعي، إلا أنه لم يجب.

في خندق مقابل، تلقّى الضالعي تهديداً بـ “التصفية” من المشرف السابق لجماعة أنصار الله المعروفة “بالحوثيين” في ذمار أبو عادل الطاووس. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي أمام كاميرات التلفزة، أعقبه اقتحام تسعة منازل لأقربائه وتفتيشها بهدف البحث عنه، وفق سردية.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

رأس عباس الضالعي مطلب المتحاربين

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

عباس الضالعي

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

“من يأتيني برأس هذا الكاذب الزنديق فله مليون ريال سعودي”.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

هذا ليس التهديد الأول والأخير لعباس الضالعي ردّاً على كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي، مذ وصلت رياح ما يسمّى الربيع العربي إلى اليمن عام 2011. “فيسبوك” و”تويتر” وسيلتا الضالعي للتعبير عن غضبه تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية. إذ ينتقد على جدرانهما السياسيين عسى أن يعود وطنه سعيداً.

أصبح رأسه المطلوب قاسماً مشتركاً للخصوم السياسيين. ما إن نشر رسماً كاريكاتورياً للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ينتقد سقوط محافظة عمران بيد جماعة أنصار الله، ومحاصرتهم لصنعاء، تلقى الضالعي اتصالاً هاتفياً من جلال هادي نجل الرئيس مهدداً: “باجي أسحلك أمام أسرتك”.

لجأ الناشط الرقمي إلى النائب العام شاكياً ابن الرئيس، لعلّه يشعر وأسرته بالأمان. أيام وتحولت القضية إلى وزارة الداخلية لتنام في أدراجها منذ آواخر 2014 إلى الآن. هذا المآل أفقد الشاكي الأمل في تحقيق العدالة، وبات مقتنعاً بأن “ابن الرئيس ما بتحاكم”.

أراد الضالعي من نشر الكاريكاتور توصيل فكرة ما حدث “أن عبد ربه منصور هادي كان جسراً للحوثي للعبور إلى صنعاء، وتسليم الدولة، لكنهم لا يريدون أن ننشر أي شيء”.

صورة البلاغ للنائب العام

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

عام 2015 اضطر الضالعي للسفر إلى الهند ثم إلى الأردن مع أطفاله الأربعة وزوجته ووالدته. يعيش الآن بلا دخل في عمان- أغلى المدن العربية معيشة بحسب مؤشر مجلة “الإيكونوميست” البريطانية. يقول هذا الطريد: “نحن هنا لا مغتربين ولا موظفين. العودة إلى اليمن صعبة، فلا يوجد قانون ولا سلطة. البلد يعيش في فوضى”.

الضالعي ليس وحده من تعرض للتهديد، إذ سجّل 1026 انتهاكاً ضد صحافيين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين 2015 و2017، وتوثيقها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، منها 120 حالة تهديد بالقتل

إقرأ أيضاً  وسيلة النساء لتحسين ميزانية الأسرة في رمضان 

تقر وزارة الداخلية في الحكومة الشرعية بوجود تجاوزات وانتهاكات نتيجة عدم توحيد الأطراف الأمنية العاملة على الأرض. ويقول رئيس دائرة التوجيه المعنوي والعلاقات العامّة في الوزارة عبد القوي باعش: “ليست هناك وزارة من وزارات الحكومة الشرعية مفعلة على الأرض، وهناك أخطاء تحدث من فترة إلى أخرى”.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميدياl

حكومة الإنقاذ الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله تقرّ أيضاً وجود انتهاكات بحق نشطاء التواصل الاجتماعي. يقول طلعت الشرجبي مدير مكتب وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الإنقاذ: “نعيش ظروفاً استثنائية تجبرنا على التقصير”. ويردف قائلاً: “وصلنا إلى مرحلة لم نعد نستطيع توثيق جريمة انتهاك مواطن يمني سفك دمه، وقتل وأزهقت روحه، فما بالك أننا لا نستطيع أن نحمي صحافيّاً كتب، أتمنى أن تكون هناك مراعاة”.

تقول إشراق المقطري المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان: “يبرز الخوف على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعد إغلاق الصحف ووسائط الإعلام المقروءة والمسموعة، وأصبح اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي خياراً”.

نبذة مختصرة عن عباس الضالعي

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

-سمية على

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

سيطرت جماعة أنصار الله على أجزاء من مدينة تعز جنوب اليمن في أواخر 2015. اشتد القتال بين الحكومة الشرعية وأنصار الله فيما تفاقم الانفلات الأمني في المدينة الواقعة جنوب غربي صنعاء. وزادت الانتهاكات بخاصة ضد الأطفال والنساء. شرعت سمية علي في انتقاد جماعة أنصار الله: “كنت إحدى الثائرات ضد انقلاب الحوثي”.

ثم انتقلت هذه الناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى انتقاد المقاومة الشعبية التابعة للحكومة الشرعية. وتفاجأت سمية بسلوكات أفراد المقاومة؛ مثل عمليات النهب والتحرش بالنساء عند مرورهن بنقاط تفتيش المقاومة فكتبت على “فيسبوك”: “سلوكات المقاومة من نهب بشكل عام وسلوكات غير أخلاقية لا تليق بمقاومة شعبية، وإنما بمجموعة لصوص”.

وبدأت التهديدات تنهال على سمية من أفراد في المقاومة الشعبية: “منزلك سيقصف بالكامل إذا لم تتوقفي عن الكتابة”. تجاهلت سمية رسائل التهديد وواصلت الانتقاد الرقمي. بعد أيام قصف منزل أسرتها، ونزحت داخل تعز.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

صور المنزل المقصوف

في مطلع يوليو/ تموز 2015، أصدرت المقاومة الشعبية بتعز لائحة بأسماء معارضيها، بعنوان “قائمة الخزي والعار”. وجاء فيها: “مطلوبون للعدالة بتهمة الخيانة العظمى بحق أبناء المحافظة”، لأنهم “كانوا سبباً في دخول الحوثيين إلى تعز عبر إنشاء صفحات ومواقع إلكترونية داعمة للحوثيين”، وفق ادعاء المقاومة.

تسأل سمية عن إدراج اسمها ضمن القائمة: “هل يعقل لقلم أن يسمح بدخول الحوثي إلى تعز”؟

توضح سمية خطورة إدراج اسمها: “يعني ذلك ببساطة أن هؤلاء دمهم مهدور فاقتلوهم، وتطلق يد كل فرد من المقاومة أو متعصب معها”.

تشردت سمية داخل الوطن. نزحت من محافظة تعز إلى محافظة القاعدة، ومنها إلى إب ثم صنعاء. تقول: “رحلت من منزل إلى منزل، والتهديدات تلاحقني، لم أستطع تذوق راحة النوم”. الخوف والقلق كانا رفيقي دربها. تستذكر رحلتها إلى إب عندما صوّب جندي سلاحه إلى رأسها مهدّداً بعد أن عرفها خلال مرورها بنقطة تفتيش تابعة للمقاومة الشعبية. “اضطررت للهروب خارج الوطن. سافرت إلى السودان، ليس لي وجهة هناك. ليس لي هدف. ليس لي أي مخطط لمستقبلي، وإنما الهروب من أجل حياتي”.

كانت حياة سمية صعبة خلال الأشهر الأربعة التي أمضتها في السودان. القانون هناك يمنع الفتاة من استئجار منزل لوحدها، وفقاً لسمية، التي تصف ذاتها بـ”المشردة، أتنقل من منزل يمني إلى آخر”.

طارت سمية إلى عمّان لحضور مؤتمر حول العنف ضد المدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة. كانت رحلة ذهاب بلا إياب. حلّت في عمان بعد أن التمست اللجوء لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

“معاناتي في الأردن هي تكملة للمعاناة التي عشتها من قبل، سفري وحدي وإقامتي وحدي. الحياة هنا صعبة جداً. الأسعار غالية، المعيشة صعبة جداً بالنسبة إلى فتاة ليس لديها عمل أو وظيفة”، تقول سمية.

تشكو سمية تعرضها لنظرات قاسية في عمان كونها فتاة غريبة تعيش لوحدها: “أتعرض اجتماعياً لنوع من الاضطهاد والتعنيف ومحاولات الابتزاز والاستغلال…”. سميّة لا تستطيع العودة إلى اليمن، ذلك أن التهديدات لا تزال تصلها بسبب نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبمجرد إعلانها العزم على العودة، تلّقت سمية رسالة تهديد: “قبل أن تدخلي مطار صنعاء، خذي كفنك معك”.

تتشابه حال سمية مع معاناة ماجدة الحداد المدافعة عن حقوق الإنسان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فماجدة فرّت من اليمن بعد أن تلقّت تهديدات وتعرّض منزلها لهجوم. تقرير مجلس الأمن في 2015 ذكر تعرض مدافعات عن حقوق الإنسان عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى التهديد والمضايقات، من حملات تشويه وخطف وتعذيب على يد مسؤولين في الحكومة، وكذلك من جهات أخرى غير حكومية.

رئيس دائرة التوجيه المعنوي والعلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة للحكومة الشرعية عبد القادر باعش لا ينكر وجود انتهاكات ضد ناشطي التواصل الاجتماعي من الفصائل الموالية للحكومة الشرعية كالمقاومة الشعبية والحراك الجنوبي. على أن باعش يستدرك: “هذه الفصائل ليست تحت إشراف الداخلية ولا تخضع لها”.

ويقول إن “وزارة الداخلية لم تعتقل أي ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، على رغم أن هناك تهجماً كبيراً على مسؤولين في الحكومة الشرعية على مواقع التواصل الاجتماعي”.

يرفض ماجد فضائل وكيل وزارة حقوق الإنسان التابعة للحكومة اليمنية ممارسة أي انتهاك بحق نشطاء التواصل الاجتماعي. ويقول: “نرفض هذه الممارسات ونعمل على ملاحقة مرتكبيها ومعالجة الأسباب لمنع تكرارها”. لكنّه في الوقت ذاته، يعتبر وجود التجاوزات أمراً طبيعياً، بسبب الحرب وانهيار مؤسسات الدولة وأجهزة الضبط والقضاء والنيابات وأقسام الشرطة.

تناقض الردود الرسمية يصطدم بانتقاد المحامي عبد الباسط غازي الناشط في مجال حقوق الإنسان. “جميع الانتهاكات التي تمارسها السلطات في اليمن سواء تحت مسمّى الشرعية أو التي في صنعاء تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير”. المسؤولة القانونية في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان سماح سبيع تشاطره الرأي وتزيد: “القانون اليمني معطّل كلياً في الوقت الحالي، وما تمارسه جميع السلطات في اليمن لا يمتّ للدستور والقانون بصلة”.

في الأثناء تواصل سمية معركتها الرقمية وتنتقد غياب العدالة وانتهاك حرية الرأي. وتقول: “أُكتب ما شئت وسأحاكمك، وأحكم عليك بما أشاء إن لم يعجبني ما كتبت (..) الوضع السياسي أصبح قذراً جداً”.

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

اختطاف الخصوم السياسين

مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا

عبد القادر الجنيد

في مطلع أغسطس/ آب 2015، وبينما كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهراً في تعز، حاصر طاقم عسكري تابع لجماعة أنصار الله منزل الطبيب والكاتب عبد القادر الجنيد. “لقد دخلوا فناء المنزل”، نبّهته زوجته حينذاك، فاتجه مسرعاً إلى النافذة، أغلق الباب الخارجي، صرخ فيهم وطلب منهم الخروج، ردّوا عليه بتوجيه السلاح نحوه، وطلبوا منه النزول.

لم يجد الجنيد أمامه سوى اللجوء إلى أدواته التي يستخدمها في مقارعة جماعة أنصار الله وصالح. “فيسبوك” و”تويتر” ملجأه الآن. غرّد: “مسلحو الحوثي في بيتي”، وانطلق نحوهما حافي القدمين، وفق ما يستذكر.

نشاط عبد القادر على مواقع التواصل الاجتماعي كان السبب في اقتحام منزله. إذ دأب على انتقاد جماعة أنصار الله وصالح ووصف ما حصل في اليمن بـ”الانقلاب”.

طلب المقتحمون من الجنيد مرافقتهم، لكنّه رفض. فهدّدوا باستخدام القوّة، حينها أدرك أن لا فائدة من المقاومة، فمشى معهم تحت تهديد السلاح. طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” سلطات الحوثيين بالإسراع لتقديم معلومات عن الجنيد. وذكرت المنظمة في تقريرها: “لم يقدم الحوثيون لعائلة الجنيد أي معلومات عن احتجازه أو أسباب الاحتجاز. على الحوثيين الإفراج عن جميع من احتجزوهم من دون وجه حق، والتعويض للضحايا عن المعاناة التي تسببوا فيها”.

بعد 300 يوم أفرج الحوثيون عن الجنيد. يقول: “تنقلت بين 15 زنزانة بمساحات مختلفة”، ويردف: “وضعك في تلك الظروف معاناة خالصة، عندما تجلس في غرفة مزدحمة تشبه علبة السردين، من دون هواء وضوء ليلاً ونهاراً، وفي حيز صغير جداً”.

بعد أن أطلق سراحه وجد منزله مصابا بقذيفة انتقائية، فترك الجنيد اليمن التي عاش فيها 67 عاماً. ويقول إنه يتنقل الآن بين كندا والقاهرة، مع أنه يرغب “في العيش في تعز”. معد التحقيق تواصل مع الجنيد عبر (السكايب) والهاتف مرات عدّة أثناء وجوده في القاهرة.

يرى الجنيد أن ثورة الإنترنت غيّرت قواعد اللعبة خصوصاً “فيسبوك” و”تويتر”: “أجهزة الدولة التسلطية تجنّد أعواناً لدخول فضاء التواصل الاجتماعي العجيب”.

الجنيد كان واحداً من 305 ناشطين وصحافيين اعتقالوا بين عامي 2015-2017، بحسب تقارير “مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي”.

مدير مكتب وزير حقوق الإنسان في حكومة الإنقاذ طلعت الشرجبي- الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله الحوثية- يبرّر اعتقال نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي ويرجع بعضها إلى قضايا أمن وطني. إذ يقول الشرجبي: “هناك نشطاء اعتقلوا بموجب قانون النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما تواصلنا مع الجهات الأمنية، جاء الرد بإثباتات ومنشورات لهؤلاء الأشخاص عن أنهم قاموا بتزويد العدوان بإحداثيات معينة”.

ويسأل: “إذا عدت إلى القانون ماذا ستعتبر ذلك؟ إنها جريمة الخيانة العظمى”. لكنّه يعود ليرفض “اعتقال شخص بسبب نشاط أو حرية رأي أو أفكار تطرح على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تكن تنتهك القانون والدستور الناظم لهذه المهنة التي يقوم بالنشر على أساسها”.

حاول معد التحقيق أخذ رد من وزارة الداخلية التي تديرها جماعة أنصار الله، إلا أنها رفضت الرد على اتصالاته الهاتفية ورسائله عبر البريد الإلكتروني.

تقول إشراق المقطري المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان إن الانتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير في اليمن زادت بوتيرة متسارعة في العشر سنوات الأخيرة. “ليست هناك مؤسسة أمنية محدّدة بعد سقوط المؤسسات، يمكن أن يلجأ إليها الناشط الضحية”، وفق ما توضح المقطري، التي تفسّر ذلك بتعدد الأطراف في كل محافظة. وتتحدث عن وجود “سلطة أمر واقع في الشمال وأخرى في الجنوب، وغيرهما في الوسط”، لافتة إلى أن “اختلاف سلطات الأمر الواقع يشكل مشكلة بالنسبة إلى النشطاء أو المدافعين عن حقوق الإنسان”.

يواسي الجنيد نفسه ويقول: “عندي رصيد كاف من القوة لأبقى شامخاً صامداً. هاجسي ما يحصل للوطن، عذاباتي الشخصية تقريباً لا أكترث لها، على رغم أنها كبيرة، لكنها لا شيء أمام ما يحدث في بلدي”.

 

عام 2017 سُجّل ضد نشطاء التواصل الاجتماعي 221 انتهاكاً بين قتل واعتقال وتهديد وتعذيب. جميع الفرقاء السياسيين شركاء في خرق الدستور اليمني وخنق حرية الرأي والتعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في الصدارة جماعة أنصار الله المعروفة بالحوثيين، تليها الحكومة الشرعية والأذرع التابعة لها، ثم مجهولون فتنظيم القاعدة، بحسب مركز دراسات الإعلام الاقتصادي. فلم يعد هذا غريباً في بلد غارق في حربٍ أهلية منذ نحو أربع سنوات، يصنف دولة غير حرة على مؤشر “فريدم هاوس” منذ عام 2011. كما يتصدّر الدول الفاشلة في العالم على مؤشر الدول الهشّة

أنجز هذه التحقيق بدعم من “شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (أريج) وبإشراف الزميل مصعب الشوابكة

مقالات مشابهة