المشاهد نت

إجتياز الحدود شمال اليمن مجازفة خطرة للهاربين من واقع الحرب والفقر الى السعودية

المشاهد-خاص:

حين طالت غيبة الفتى وحيد ابراهيم موسى (17 عاماً) ولم يعد مساءً للمنزل، تقصّى والده أخباره صبيحة اليوم التالي فلم يحصل على إجابة، حتى جاءت الأنباء من أصدقائه أن وحيد ربما اجتاز الحدود نحو “السعودية” بحثاً عن عمل لتحسين وضعه المعيشي كما كان يردد مؤخراً.

تفاجأ والد وحيد عندما اتضح مع مرور الوقت أن ولده سافر مع ابن عمه محمد (20 عاماً) الى محافظة صعدة ومنها الى السعودية عن طريق التهريب وهو ما لم يكن يخطر له على بال ما أثار حالة من القلق في الأسرة عن مصيرهما.

ويقع منزل وحيد في قرية المواطرة بمديرية كعيدنة، التابعة محافظة حجة (شمال غرب اليمن)، وكان يعمل مع والده في الزراعة وتربية المواشي بعد أن ترك الدراسة وهو في الصف التاسع أساسي.

يقول والده في حديثه لـ”المشاهد”: كثير من الأطفال والشبان من مختلف مناطق المديرية كانوا يتجهون خلال السنوات الماضية للحدود السعودية بحثاً عن فرص عمل خصوصاً قبل اندلاع الحرب وتحول مديرية حرض الحدودية الى منطقة مواجهات لكني لم أتوقع أن يصبح ابني واحداً منهم !!

ويضيف بلهجة يغلبها الندم: “وافقت على تركه وحيد المدرسة بناءً على رغبته وتراجع مستواه الدراسي وبدأ يساعدني في زراعة الأرض التي نملكها واطعام الماشية التي نربيها وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي ولم يدر ببالي أنه يفكر في الرحيل.

ويأسف والد وحيد لما أقدم عليه ابنه الأكبر وابن عمه محمد
خوفاً عليهم ولكونه أصبح كبيراً في السن ويحتاج لمن يساعده في زراعة الأرض وتربية المواشي التي يأكلون من خيراتها منذ عشرات السنين.

إجتياز الحدود شمال اليمن مجازفة خطرة للهاربين من واقع الحرب والفقر الى السعودية
دورية لحرس الحدود السعودية

ورغم اشتداد المعارك على الحدود اليمنية السعودية منذ نحو عامين ونصف، ما زال آلاف الشبان اليمنيين والمهاجرين الأفارقة يخاطرون بحياتهم للعبور إلى الأراضي السعودية، بحثاً عن فرص عمل أفضل نتيجة الأوضاع الاقتصادية الكارثية في اليمن التي تعيش حرباً مستمرة منذ أربع سنوات.

وتوقفت عمليات التهريب عبر مديرية حرض الحدودية مع السعودية بعد اندلاع المواجهات فيها بين مسلحي الحوثيين من جهة وقوات الجيش المسنودة بالتحالف العربي بقيادة السعودية وتحولها الى منطقة عسكرية مغلقة قبل نحو ثلاث سنوات.

وعقب اندلاع المواجهات في حرض انتقلت مافيا التهريب الى محافظة صعدة أقصى (شمال اليمن) لتنشط فيها ظاهرة التهريب بشكل غير مسبوق وتصبح قبلة للشباب اليمنيين الباحثين عن العمل وحتى الأسر الهاربة من جحيم الحرب.

ويشمل تهريب البشر من صعدة عبر الحدود السعودية، مختلف الفئات العمرية، وحتى النساء والأطفال الذين دفعتهم الحرب والفقر والبطالة والعوز لخوض مخاطر الموت أو مواجهة السقوط في قبضة حرس الحدود السعودي وسجنهم إعادتهم إلى مجدداً الى اليمن محملين بخيبات الأمل ومزيد من الانكسار.

وتتراوح أعداد المتسللين، الذين يلقى القبض عليهم يومياً على الحدود بين العشرات والمئات، حيث تشير الإحصائيات والمحاضر الرسمية، إلى أن حوالي 3 آلاف شخص يتم إلقاء القبض عليهم شهرياً، أثناء محاولتهم تسلل الى السعودية من محافظة صعدة.

إقرأ أيضاً  توقف حوافز المعلمين في مأرب

وأعلنت السلطات السعودية في تقرير حديث صدر يوم السبت الماضي، ضبط 21 ألفا و112 متسلل لحدودها خلال آخر 8 أشهر، غالبيتهم العظمى يحملون الجنسيتين اليمنية والاثيوبية.

وأوضحت أن 52% ممن تم ضبطهم من اليمن، و45 بالمائة من إثيوبيا، و3 بالمائة من جنسيات أخرى. وفقاً للبيانات التي تغطي الفترة الممتدة من 15 نوفمبر2017، وحتى 5 يوليو 2018.

وتشير مصادر غير رسمية إلى أن الأعداد التي تنجح في التسلل والوصول الى الأراضي السعودية من خلال عصابات التهريب اليمنية والاثيوبية تتجاوز الأعداد التى يتم احباط تسللها.

وعادةً ما يبرر الشبان محاولاتهم اجتياز الحدود اليمنية السعودية بذريعة البحث عن العمل داخل “المملكة” ظناً منهم  أن مستوى الأجور مرتفع وفرص العمل متاحة بشكل كبير لكن أحلامهم قد تتحطم على بعد أمتار من الحدود.

وكشف مصدر “خاص” “للمشاهد” سبق أن شارك فى أعمال التهريب  أن عمليات التهريب عبر الحدود السعودية معقدة وخطرة، وقد نشطت مجموعات من المهربين بشكل كبير في المديريات الحدودية من محافظة صعدة بعد الحرب واشتعال المعارك في حرض.

وأشار المصدر الذي رفض الكشف عن إسمه لأسباب أمنية، الى اتساع أنشطة التهريب والتي أصبحت تضم حلقات متصلة ومتشابكة داخل اليمن والسعودية، رغم الانتشار الأمني الكبير لحرس الحدود السعودي على طول الحدود لمنع التسلل مستخدماً تقنيات حديثة لمراقبة الحدود.

وأوضح أن المهربين يقومون بعملية تهريب الأشخاص من محافظة صعدة بمقابل مادي يتفاوت بين ألفي ريال سعودي الى ألف ريال عن كل شخص وبحسب المفاوضات والوضع المالي للأشخاص الراغبين في التسلل الى السعودية مشيرا بأن البدل المادي ارتفع كثيراً خلال العامين الماضيين بسبب زيادة المخاطر على المهربين.

 

وبيّن بأن البعض يقومون بالدفع مقدماً مقابل عملية التهريب وقبل أن يتحرك من مكانه وأحياناً يتم دفع عربون ويقوم بسداد باقي المبلغ حال وصوله الى المدينة السعودية التي يمتلك فيها بعض المعارف أو الأقارب الذين يقومون بدفع بقية المبلغ عنه،بعد أخذ الضمانات اللازمة منه أو من أحد أفراد أسرته.

ولفت الى قيام المهربين اليمنيين بالتنسيق مع مجموعات المهربين السعوديين على الجانب السعودي لتولي إكمال الرحلة داخل السعودية عبر سيارات بعد أن يتم نقل مجموعات المتسللين إلى داخل الحدود السعودية مشياً على الأقدام من خلال عمليات معقدة وعلى مراحل وعبر طرق ودروب بعيدة عن الرقابة الأمنية.

وأضاف بأنه ابتعد عن العمل في التهريب بعدما تزايدت المخاطر والتشديد الأمني، كما أنه شاهد مآسي كثيرة وأرواحا كثيرة أزهقت برصاص حرس الحدىد خلال رحلتها للبحث عن لقمة العيش، وكثيرون سقطوا فى قبضة الأمن السعودي بعد رحلات طويلة من العذاب والمخاطرة.

ودفعت الحرب وسوء الأوضاع الاقتصادية بآلاف الشباب اليمنيين الراغبين في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم لخوض رحلة الموت عبر الحدود اليمنية السعودية بحثاً عن الحياة، بعضهم كُتبت له النجاة والبعض الآخر كان مصيره القتل أو الاعتقال.

مقالات مشابهة