المشاهد نت

هرباً من الموت.. نازحون يقطعون مسافات شاسعة مشياً على الأقدام

المشاهد-خالد الحميري -خاص:

يصل يومياً إلى مديرية عبس بمحافظة حجة، المئات من سكان مديرية حيران، الذين فرّوا من قراهم مع اتساع المعارك الدائرة بين قوات الجيش المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ومسلحي جماعة الحوثيين، قاطعين بذلك مسافات شاسعة في ظل حرارة الشمس المرتفعة، مشياً على الأقدام أو على ظهور الحمير، وهم في حالة صحية وإنسانية سيئة.
وسيطر الجيش الوطني، بدعم من التحالف، منتصف الشهر الحالي، على مركز مديرية حيران في محافظة حجة، والطريق الدولي الرابط بين حجة والحديدة، فيما لاتزال بعض القرى جنوب المديرية تحت سيطرة مسلحي جماعة الحوثيين الذين يشنون هجمات متواصلة على مركز المديرية، في محاولات مستميتة لاستعادته.
أطفال ونساء وكبار في السن اضطروا للفرار من جحيم المواجهات مشياً على الأقدام في حر الصيف من حيران إلى عبس، تاركين وراءهم منازلهم وما لم يستطيعوا حمله، ليلحقوا بأهالي مديريتي حرض وحيران المجاورتين، الذين تشرد جميعهم من منازلهم قبل أكثر من ثلاث سنوات.
ولا تزال معاناة ساعات المشي على الأقدام في رحلة تزدحم بالمشقة والخوف، هرباً من جحيم المعارك في مديريتهم، تلازم النازحين، حتى تتلاشى عند لقائهم أقارب لهم سبقوهم في الفرار من المنطقة، حتى وإن كان اللقاء في إحدى المدارس بمديرية عبس أو حتى تحت بعض الأشجار.
وتتجمع عشرات العائلات النازحة من مديرية حيران في بعض قرى وبلدات مديرية عبس المجاورة، في ظل ظروف معيشية صعبة، يقطنون في المدارس أو في منازل أقاربهم ومعارفهم، في حين اضطرت عائلات أخرى إلى العيش في العراء أو تحت الأشجار في ظروف مأساوية.
ويروي بعض النازحين الذين التقى بهم “المشاهد” في مديرية عبس، شهاداتهم من لحظة خروجهم من منازلهم عند اندلاع المعارك، حتى وصولهم إلى قرى مديرية عبس، في مدة استغرقت مسيرة نصف يوم قطعوا فيها نحو 25 كيلومتراً تحت هجير الشمس الحارقة.
يقول عبده طاهر – نازح من قرية السادة بمديرية حيران – لـ”المشاهد” إن معظم النازحين لم يتمكنوا من إخراج أمتعتهم وحتى ملابسهم، نظراً لاندلاع المعارك، بوتيرة متسارعة خلال الأيام الماضية، وسط قصف مدفعي مكثف وغارات مستمرة من طيران التحالف.
وأضاف: “أكثر ما أرقنا خلال رحلة النزوح التي قطعناها مشياً على الأقدام، هو الحر الشديد في هذا الصيف، وفي الأخص وقت الظهيرة، وعائلتي مؤلفة من 10 أشخاص، بينهم أطفال لا يحتملون الحر ومسافة الطريق، ونحن الآن لا نملك خيمة نلتجئ إليها، ونشكو همنا لرب العالمين”.
وتابع: “أغلبية النازحين من المديرية فقراء، كونهم عمالاً بالأجر اليومي ومزارعين بسطاء أو سائقي دراجات نارية، وبيننا موظفون انقطعت رواتبهم منذ عامين، لذلك نعيش ظروفاً مأساوية هنا، ولا توجد مخيمات تؤوينا أو من يقدم لنا المساعدات الضرورية”.
وأشار طاهر إلى أن الكثير من الأسر لجأت إلى مدارس حكومية في مديرية عبس وريفها، وقدمت مبادرات شبابية الفراش والبطانيات، في وقت غابت المنظمات الدولية والعاملة في مجال الإغاثة عن استقبال النازحين.
أما الحاج حسن النازح من حيران إلى قرية المحاترة بمديرية عبس، فعبر عن مأساته بالقول: “هربنا من القصف، وحظنا جيد أننا وجدنا أحد صفوف المدارس التي تؤوينا، نتقاسم صفوفها مع عشرات الأسر النازحة، لا يوجد منازل فارغة ولا مخيمات.. ونحن لنا الله”.
بدورها، تصف النازحة سعدية مقبول، الحياة تحت إحدى الأشجار جنوب مدينة عبس بالمأساوية، مشيرة في حديثها لـ”المشاهد” إلى أن “الحر والجوع يفتكان بنازحي حيران، وأغلبهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، إذ لا مخيمات ولا غذاء ولا خيام تقيهم من لهيب الشمس الحارقة”.
وتضيف سعدية، وهي تحاول إسكات طفلها الرضيع: “رغم معاناتنا هنا فإننا سعداء بنجاتنا من موت مؤكد، وقد كنا لا نعلم ما يخفيه لنا قادم الأيام، لذا قررت مع عائلتي الرحيل وترك منزلنا وإنقاذ أرواحنا وأطفالنا”.
صور النازحين من مديرية حيران وهم يحملون ما خف وزنه من متاع على ظهور الحمير هرباً من دوي القذائف وأزيز الرصاص، بعد عجزهم عن استئجار سيارات لنقلهم، باتت تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، وتحكي قصصاً من الوجع.
ولا توجد إحصائيات دقيقة بعدد النازحين وحركة النزوح من مديرية حيران حتى الآن، ومعظمهم اتجهوا إلى مديرية عبس المجاورة وريفها، حسب ما يقول الناشط الحقوقي محمد الطيب.
ويضيف الطيب لـ”المشاهد” أن النازحين من مديرية حيران لا يملكون مقومات النزوح، مشيرا إلى أن العائلات النازحة تعيش معاناة كبيرة وسط غياب تام لعمل المنظمات الإغاثية في تأمين مأوى وطعام لهم، مما قد ينذر بأزمة إنسانية كبيرة.
وأشار إلى أن أعداد النازحين في تزايد مستمر، وهو ما شكل معاناة كبيرة زاد في قساوتها الظروف المناخية الصعبة، وموجة الحر الشديدة في المنطقة، لافتا إلى أن الكثير قد يصابون بمجاعة لعدم توفر الطعام والمياه الصحية، في ظل انتشار النازحين في مدارس المنطقة وبقائهم في العراء.
وحذر الطيب من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بسبب تدهور الوضع الصحي، خصوصاً مع ارتفاع نسبة النازحين من مناطق القتال في حيران إلى مديرية عبس دون توفر مراكز إيواء لاستيعابهم، موضحاً أن الوضع الراهن يتطلب إغاثة عاجلة.

مقالات مشابهة