المشاهد نت

مرفأ الاصطياد السمكي في الحديدة.. تفاصيل من الوجع التهامي

المشاهد -خالد الحميري-خاص:
رحلة مليئة بالأخطار يشقها الصياد حسن يامي (45 عاماً) قبالة سواحل الحديدة، يبدأ بإشراع قاربه الساعة الثالثة فجراً كالمعتاد، ممارساً مهنة الصيد التي أضحت مغمسة بالدم، حاملاً روحه على كفه خوفاً من الموت بقصف قوات التحالف التي لا تفرق بين قوارب الصيادين البسطاء وقوارب مسلحي الحوثيين التي تستهدف بوارج التحالف الحربية.
وأصبح هم حسن الوحيد هو جلب لقمة العيش لزوجته وأبنائه الستة، غير مكترث للمخاطر التي تحدق به يومياً للحصول على مراده، وربما يعود بخفي حنين بعد ساعات من العمل الشاق تحت جنح الظلام قبالة شواطئ محافظة الحديدة الساحلية (غربي البلاد).
يقول حسن الذي يمتهن الصيد منذ كان طفلاً صغيراً لـ”المشاهد”: “الصياد في الحديدة يعمل بمهنة تحمل كل لحظة فيها الموت، وكما يقول المثل: “اللي داخل مفقود واللي راجع مولود”، فخطورة المهنة وصعوبتها اليوم لا تقتصر على المجهود الجسدي والعناء الذي نكابده، والخطر الذي نتعرض له جراء العوامل الطبيعية، فقد أصبح البحر يعج برائحة الموت بعد أن أصبح الصيادون هدفاً عسكرياً لقوات التحالف”.
ويضيف بأسى: “الصياد في الحديدة يعيش وضعاً مأساوياً، وحياته باتت مليئة بالمرارة. العديد من الصيادين تعرضوا لإصابات، وآخرون قُتلوا ثمناً لهذه المهنة، فيما تم اعتقال آخرين، ومنهم بعض أقاربي الذين أفرجت عنهم السلطات السعودية بعد 5 أشهر من الاعتقال، ليزج بهم الحوثيون في السجن دون أي ذنب اقترفوه”.
ويتابع: لم تقتصر خطورة رحلة الموت التي نخوضها على الاستهداف المتكرر من قبل بوارج التحالف والطائرات أو الاعتقال، فالصيادون هنا يواجهون أخطاراً من نوع آخر تتمثل في الألغام البحرية التي زرعها الحوثيون على طول الساحل الغربي من ميدي شمال غرب البلاد، وصولاً لسواحل المخا غرب محافظة تعز.
ويشير إلى أن الصيادين في الحديدة يتعرضون لانتهاكات متكررة، فتارة تستهدفهم السفن الحربية ومروحيات الأباتشي التابعة للتحالف العربي، والتي قتلت المئات منهم منذ بداية الحرب، وتارة أخرى يتعرضون للاعتقال ومصادرة مراكبهم من قبل قوات التحالف أيضاً، وأحياناً يحظر عليهم دخول البحر لفترات زمنية.
ويؤكد حسن أن المئات من الصيادين في محافظة الحديدة وسواحلها هجروا مهنة الصيد بسبب ممارسات قوات التحالف، والاستهداف المتكرر، ما دفعهم للجلوس على حافة الفقر خوفاً من الموت أو الاعتقال، وألحق أضراراً كبيرة بالصيادين ومهنة الصيد، وخلف ظروفاً معيشية صعبة جداً على الصيادين.
وتزايدت هجمات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، على قوارب الصيادين في الحديدة، الذين يبحرون بالقرب من الجزر اليمنية، ويبرر التحالف هجماته بالاشتباه في أن القوارب تحمل مسلحين حوثيين، وتقترب من السفن والبوارج الحربية التابعة للتحالف.

مصير مجهول
تعتبر مهنة الصيد التي يعتاش منها نحو مليون مواطن في الحديدة، هدفاً مباشراً لبحرية التحالف وطائراته، التي تستهدف الصيادين بحجة الاشتباه بقوارب مفخخة مفترضة تستهدف بوارج التحالف العربي قبالة سواحل محافظة الحديدة.
ويعتبر الصيادون التهاميون من أكثر الفئات التي تعاني من الفقر المدقع في محافظة الحديدة التي يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة، يعيش غالبيتهم تحت خط الفقر، حيث إن نزولهم إلى عرض البحر قد يكلفهم فقدان معداتهم من قوارب وشباك، وفي حالات ليست قليلة، قد يكلفهم حياتهم.
محمد فتيني، عضو جمعية الصيادين في الخوبة شمالي الحديدة، يبلغ من العمر 50 عاماً، ويعيل عائلته المكونة من 8 أفراد، أحد الناجين من المجزرة التي ارتكبها طيران التحالف بحق الصيادين البسطاء في جزيرة عقبان الواقعة في الشمال الغربي لجزيرة كمران، الخميس الماضي.
ويوضح فتيني، في تصريح خاص لـ”المشاهد”، أن الطيران استهدف بأربع غارات ثلاثة قوارب صيد أحدها قاربه، في جزيرة عقبان، وقتل في الغارات خمسة صيادين وجرح ثلاثة آخرون، فيما لايزال 14 آخرون في عداد المفقودين، من بينهم أربعة أطفال.
ويضيف بصوت يغلبه الحزن: “نجوت من القصف بأعجوبة، وكتب الله لي عمراً جديداً. فقدت أبناء عمي وأصدقائي جراء غارات طائرات التحالف، وفقدت أيضاً قاربي الذي يعد رأسمالي الوحيد، بعد أن تحول إلى كومة من الرماد”.
ويؤكد فتيني أن الصيادين في محافظة الحديدة يتعرضون بشكل مستمر لعمليات استهداف مباشرة، في الجزر اليمنية ومراكز الإنزال السمكي، ويسقط مئات الضحايا الأبرياء، بسبب الاشتباه بقوارب التهريب أو تلك التي تستهدف بوارج التحالف في سواحل الحديدة.
ويشير إلى تقلص نشاط الصيادين في الحديدة حوالي 70%، جراء الحرب وتوقف حركة نقل السمك من البحر إلى الأسواق في المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى توقف التصدير إلى أهم سوق خارجي للسمك اليمني؛ وهو السوق السعودي، بعد إغلاق منفذ الطوال البري بمدينة حرض الحدودية.

إقرأ أيضاً  رغم العروض المغرية.. «الخضروات» بعيدة عن متناول الناس بصنعاء

مهنة الموت
ترسو العديد من مراكب الصيد في مرفأ الاصطياد السمكي بمدينة الحديدة، بعدما تركها أصحابها، وتوجهوا للعمل في مهنة أخرى تحت شعار “الصيد مهنة لا تجلب إلا الموت”، بينما نزح آخرون إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان، بعد الاستهداف المتواصل لقواربهم.
ويمنع الاستهداف المتكرر للصيادين في الحديدة من مزاولتهم للمهنة بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى استحالة استمرارهم بالعمل بهذه المهنة، وإجبارهم على التخلي عنها، ليُتركوا للبطالة والفقر، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً منهم لعرض قواربهم للبيع، آملين تدبير لقمة العيش لأسرهم.
وتتفاقم معاناة الصيادين في الحديدة يوماً بعد آخر، نتيجة الحرب المندلعة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والتي حولتهم إلى فريسة للبطالة والظروف المعيشية القاسية بعد توقف الكثير من قوارب صيد الأسماك التي تعد مصدر رزق للعديد من الأسر على امتداد الشريط الساحلي الغربي.
ويعتمد على نشاط الاصطياد السمكي في مدينة الحديدة الساحلية أكثر من مليون نسمة كمصدر دخل وحيد، باعتبار المحافظة تطل على شريط ساحلي طويل وغني بالأسماك والأحياء البحرية كماً ونوعاً، ومروراً بالأوضاع المتدهورة في الوقت الحالي، فإن أكثر من 50% تركوا مهنة الاصطياد خوفاً من الاستهداف، بحسب تقرير صادر عن المركز الإنمائي التابع للأمم المتحدة.
ويقدر الاتحاد اليمني لصيادي السمك في الساحل الغربي عدد الصيادين في الساحل الغربي الممتد من ميدي شمالاً إلى المخا جنوباً، بنحو 150 ألف صياد اضطروا إلى تقليص عملهم أو التوقف عنه، مما أدى إلى وقوع 70% منهم في براثن الفقر بعد أن فقدوا سبل العيش والدخل والأمن الغذائي للأسرة، ولم يعد بإمكانهم الحفاظ على رفاهية أسرهم.

تحذير حكومي
حذرت الحكومة الشرعية، في بيان لها، مطلع أغسطس الماضي، الصيادين اليمنيين من تجاوز المياه الإقليمية اليمنية، وطالبتهم بعدم الاقتراب من سفن التحالف في ظل التصعيد المستمر لمسلحي جماعة الحوثي واستهدافهم للسفن التجارية في البحر الأحمر.
ونبه بيان الحكومة الصيادين من الخروج إلى خارج المياه الإقليمية، والاقتراب من سفن التحالف، حرصاً على حياتهم، ومنعاً لاستخدام الحوثيين لقوارب الصيد كغطاءٍ لتنفيذ عملياتهم الإرهابية في المياه الدولية.
ووجهت الحكومة وزارة الداخلية ووزارة الثروة السمكية ومختلف الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة، والعمل بالتوجيهات، وإرشاد الصيادين وتوعيتهم بالأماكن الآمنة للصيد، بما يتيح لهم توفير لقمة العيش، والحفاظ على سلامتهم في آن واحد.

خسائر كبيرة
بلغت خسائر القطاع السمكي في محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، أكثر من 5 مليارات و500 ألف دولار، جراء الحرب، بحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر، مطلع أغسطس الماضي.
وتتزايد الخسائر المادية والبشرية في الموانئ البحرية والمراكز السمكية في البحر الأحمر، جراء غارات التحالف على الصيادين ومراكز الإنزال السمكي، حيث بلغ عدد الصيادين القتلى، بحسب التقرير، أكثر من 217 صياداً، وجرح 204 آخرون، قبل المجزرة الأخيرة على ميناء الاصطياد بمحافظة الحديدة، ومجزرة جزيرة عقبان، الخميس الماضي.
وقُتل 52 مدنياً، وجُرح أكثر من 100 آخرين، في الثالث من أغسطس الماضي، بقصف استهدف سوق السمك بميناء الاصطياد وبوابة مستشفى الثورة بمدينة الحديدة، وسط تبادل اتهامات بالمسؤولية عنها بين جماعة الحوثيين وقوات التحالف العربي.
وأشار التقرير إلى أن عدد قوارب الصيد التي دمرها التحالف بلغ 222 قارباً، فيما بلغ عدد القوارب التي توقف نشاطها نتيجة استهداف وتدمير 11 مركز إنزال سمكي، 4586 قارباً، معظمها في مديرية ميدي بمحافظة حجة ومحافظة الحديدة المجاورة لها.
وكان فريق الخبراء التابع لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والذي أصدر تقريره مؤخراً حول انتهاكات “التحالف” في اليمن، استعرض العديد من الهجمات الجوية لـ”التحالف”، التي طاولت قوارب صيادين قبالة الحديدة غربي البلاد.

مقالات مشابهة