المشاهد نت

الصيادون اليمنيون الخمسة وقصة الهروب المر إلى السودان

الحديدة – ناصر  شمسان :
تقطعت السبل بالصياد اليمني سلمان عمر مجهصي، ورفاقه الأربعة، لدى وصولهم إلى السودان للعمل في إحدى شركات الأسماك، وخذلهم الحظ، وبقي السؤال الماثل أمامهم: كيف سيحصلون على عمل يوفرون من خلاله لقمة العيش لأطفالهم وأسرهم، بعد أن أسهمت الحرب اللعينة في ضياع عملهم كصيادين في محافظة الحديدة؟ كما يقول سلمان لـ”المشاهد”. ومع اشتداد وتيرة الحرب في محافظة الحديدة، بات الصيادون على بعد خطوة من الموت، خاصة بعد أن شاهدوا وفاة العديد من زملائهم، واختفاء البعض منهم، في ظل كثافة نيران البوارج البحرية وقصف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ومنعهم للصيادين من تجاوز خطوط المياه الإقليمية، واستهداف مسلحي جماعة الحوثي لقوارب الصيد بقذائف الهاون، فالصيادون لا يستطيعون العيش دون البحر، وهناك ارتباط حقيقي وحب وعشق له، وقد نسجوا معه علاقة وطيدة تعمقت بالتعامل المتبادل بالأخذ والعطاء، ما جعلهم يغيرون من قناعاتهم وطريقة التفكير التي قد تمكنهم من العودة إلى البحر مجدداً، بعد وصولهم إلى قناعة باستحالة الاستمرار بالعمل في المكان، والمحافظة التي احتضنتهم 20 عاماً، بعد تصاعد وتيرة الحرب فيها.
رحلة معاناة الصيادين الخمسة
بدأت رحلة معاناة الصيادين من محافظة الحديدة، إذ استغل سمسار يمني حاجتهم للعمل، من خلال إقناعهم بوجود شركة أسماك تونسية في السودان، تبحث عن صيادين يمنيين، وأنه رشحهم للعمل لديها، وفق رواية سلمان الذي تابع بالقول: “ولأننا كنا بحاجة للعمل قمنا بالموافقة، واقترضنا من المال الشيء الكثير من أجل الذهاب للعمل، وقمنا بإنهاء استخراج جوازات السفر والذهاب إلى عدن، حيث كانت محطة السفر للسودان من مطار عدن، وتحملنا مشقة وتعب السفر من الحديدة إلى عدن، وقامت الشركة بحجز تذاكر الطيران لنا على أن تخصم من حساباتنا في ما بعد، وحين سألنا السمسار عن آلية، ونظام العمل والمستحقات هناك، أوهمنا أننا سوف نعيش في نعيم، وأن المقابل مجزٍ ومغرٍ جداً، وتحمسنا لذلك، ولم نكن نعلم أننا ضحية، ومصيرنا المظلم هناك”. وصل سلمان ورفاقه إلى السودان، وهناك عملت الشركة على تخصيص حوش كسكن لهم، وطلبوا منهم الانتقال للعمل، “وحين اتجهنا للعمل، فوجئنا بتعطل مكائن قوارب الاصطياد، غير الصالحة للعمل، وكنا غير قادرين على الذهاب للاصطياد، خاطبنا الشركة مراراً بإصلاح المكائن، أو تبديل القوارب، وإحضار قوارب أخرى، لكن الشركة لم تلتفت إلينا، تواصلنا مع السمسار، وشرحنا له المشكلة، فقال لا أستطيع فعل شيء لكم، عدنا للشركة، وأبلغناهم أننا جئنا للعمل، ومعدات العمل غير موجودة، ونحن بلا مصاريف وأكل، نريد فلوساً، فكان ردهم الفلوس تأتي من البحر: انزلوا البحر واصطادوا، غير هذا لن تجدوا مليم”. وعلى الرغم من أن الصيادين الخمسة الذين يعملون في مهنة الاصطياد منذ 20 عاماً، لديهم خبرة كبيرة في التعامل مع موجات البحر وتقلبات الأمواج، لكنهم كانوا عاجزين عن التعامل مع تقلبات الحياة وقسوة العيش، ومرارة الفقر، واشتداد المعارك في مدينة أغلب سكانها يعملون بالاصطياد، بحسب سلمان. ظل الصيادون على ذلك الحال لفترة طويلة، رغم طلبهم جوازاتهم كي يعودوا إلى اليمن، إلا أن الشركة رفضت ذلك، وأبلغوهم بعدم تسليم الجوازات، إلا بعد تسديد قيمة تذاكر الطيران، الأمر الذي جعلهم يعودون إلى السمسار الذي كان قد قبض عمولة إحضارهم، فلم يرد عليهم، وعاشوا أياماً صعبة وقاسية من مرارة الغربة والجوع والمرض، كما يقول سلمان.
ويتابع سلمان بالقول: “أحد السودانيين من رجال الخير والشهامة، كان رحيماً بحالنا ووضعنا، وبعد أن شرحنا له قضيتنا قام  بتوفير  سكن، لنا وبعض المال كنا نخصصه لتناول وجبة واحدة باليوم طوال 7 أشهر، هي فترة احتجازنا بالسودان،

إقرأ أيضاً  التغلب على النزوح من خلال حياكة المعاوز

ويتابع سرد معاناتهم “وكنا حقيقة في غاية الحرج والحياء من كرمه وتقديره، ولكننا بعد فترة طلبنا منه التدخل ووضع حل حتى لا يتحمل أكثر، وربما الرجل استحى أن يبلغنا بظروفه، وطلبنا منه عمل لنا، أي عمل، حتى لا نكون عبئاً عليه”.

ويضيف سلمان ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد أصدرت الحكومة السودانية قراراً بعدم السماح لأي يمني بالعمل بالسودان، بعد ضبط أحد اليمنيين متسللاً إلى السودان بطريقة غير شرعية، باحثاً عن عمل، وحين أخبرنا صديقنا السوداني بذلك، قلنا له يبلغ الحكومة بكل براءة أنهم لا يتحملون خطأ ذلك الشخص عنهم، لأنهم دخلوا بطريقة شرعية، لكن صديقنا السوداني أكد لنا أنه لا يستطيع ذلك، خشية من سجنه، وحينها أعلن عن تكفله بمحامٍ لقضيتنا، لكننا رفضنا، لكون المحاكم والقضاء يحتاجان وقتاً طويلاً وفلوساً، وقلنا له لا نريد الانتظار والدخول في مهاترات المحاكم، نريد فقط العودة إلى وطننا”.
العودة المرة
ويواصل سلمان مجهصي سرد معاناتهم الأليمة بالقول: “تواصلنا مع السمسار، وتوسلنا له أن يعيدنا إلى بلدنا، كما أحضرنا، فقال لنا تواصلوا مع المحافظة، وبحثنا عن رقم وكيل محافظة الحديدة في الحكومة الشرعية وليد القديمي، الذي تكفل مشكوراً بالتواصل مع الشركة، وحل مشكلتنا، وقام بحجز تذاكر عودة لنا إلى اليمن على نفقة قيادة المحافظة”.
“صحيح أننا حالياً بدون عمل، لكننا بين أسرنا وأطفالنا، والموت هنا أفضل لنا من الموت بالخارج”، كما يقول سلمان.

مقالات مشابهة