المشاهد نت

التحرش الجنسي… فتيات يعشن القلق اليومي في شوارع تعز

تعز – آية خالد:
تحاول العشرينية هيفاء تحاشي التحرش الجنسي اللفظي، الذي تتعرض له عند خروجها من منزلها في شارع التحرير، وسط مدينة تعز، من قبل شبان يقفون على قارعة الطريق. تحاول تحاشيهم من خلال السير في طرقات أكثر أماناً، لكنها في نهاية المطاف تعجز عن ذلك، لأن التحرش يحاصرها، كما تقول لـ”المشاهد”، في الشارع ووسائل النقل، والجامعة التي تدرس بها.
وتتعرض النساء يوميًا للعديد من محاولات التحرش في جميع الأماكن العامة، مثل الأسواق، ووسائل المواصلات، وأماكن العمل والدراسة، حسب قول المحامية إشراق المقطري، حيث لا تعد الحالة الاجتماعية حائلاً دون التحرش، فمهما كان حال المرأة، متزوجة أم عازبة، عاملة أم عاطلة عن العمل، فإنها تظل عرضة للتحرش. وفي ظل الانفلات الأمني والوضع المأساوي، الذي يعيشه بلدنا، ومع تغير الأدوار المجتمعية، حيث أصبحت النساء هن من يقمن بإعالة الأسرة، وتوفير الاحتياج اللازم لها، فإنها تتعرض لكافة أنواع التحرشات. وعلى الأغلب تفضل النساء السكوت.

التحرش يحاصر الفتيات

وتقول المقطري إن التحرش سلوك غير لائق، له طبيعة جنسية يضايق المرأة، أو يعطيها إحساسًا بعدم الأمان، ويختلف نوع التحرش وطريقته من شخص لآخر، فمنهم من يستخدم النظر المتفحص، وآخر تعبيرات الوجه ونداءات وتعليقات ملاحقة، وتتبع مكالمات هاتفية، وأيضاً اللمس والتعري والتهديد والترهيب، ويصل إلى الاعتداء الجنسي أحياناً، وهو ما حدث للفتاة العشرينية (ع.م) التي نجت من محاولة اغتصاب عند خروجها صباحاً من حي الدائري، وهي في طريقها إلى أقرب مرفق صحي لأخذ حقنة التيفوئيد، فلم تجد باصاً، فاضطرت للسير مشياً في حوارٍ وأزقة لم تعتد عليها من قبل، لكنها فوجئت بشخص مرمي على الأرض، فاعتقدت أنه مجنون نائم، فأسرعت الخطى، لكنها سقطت على الأرض، فلحق بها واشار بأصبعه أن تسكت وإلا سيقتلها، وبدأ بخلع ملابسه، قبل أن يناديه صوت من أول الشارع: “يا نادر يلا تعال”، فصفعها على وجهها، وصرخ قائلاً: “أنقذك مني هذا الحيوان”، وفق روايتها لـ”المشاهد”، والتي تتابع بالقول: “قبل أن يغادر مرر يده على جسدي بعنف، وأنا هربت إلى أقرب باب منزل طرقته، وأُغمي عليّ بعدها، ولم أجد نفسي إلا في أحد المستشفيات، وبجواري رجل وزوجته، فأحرجت أن أخبرهما عما حدث لي، لكنهما استدرجاني بالكلام، وحذراني من أن أمر بذلك الحي بمفردي، فأخبرتهما بأنني كنت مريضة جدًا، وهذا سبب إغمائي، فأوصلاني إلى منزلي. تفاصيل ذلك اليوم لن أنساها طوال حياتي”.
ويؤكد مدير قسم شرطة الحصب، عاصم قاسم، أن ظاهرة التحرش زادت في الفترة الأخيرة، لكن لا توجد إحصائيات بها، لعدم تبليغ الفتيات بتعرضهن للتحرش، والذي قال لـ”المشاهد”: صحيح أنه تصلنا الكثير من قضايا التحرش، لكنها لم تكن مكتملة الأركان، وبعضها يتم إنقاذهن بسرعة. حتى وإن وصلنا عدد من القضايا، يبقى أغلب الأهالي على تحفظ تام بشأنها”، مضيفاً أن الأهل يتجاهلون خطورتها، والقليل منها يتحول للجهات الأمنية المختصة.
وتقول المقطري إن غياب قانون يجرم التحرش أدى إلى تفشي هذه الظاهرة وانتشارها، كون المتحرش يعرف مسبقًا أنه بإمكانه الهروب من العقوبة، إضافة إلى أن المجتمع اليمني بطبيعته مجتمع محافظ يجبر المرأة على السكوت عن جريمة التحرش بدعوى العيب، ناهيك عن أن المجتمع لعب دورًا رئيسيًا في تحميل المرأة النسبة الأكبر في المسؤولية عن التحرش، واتهامها بالإغواء، كالقول بأنها ترتدي ملابس غير لائقة. بالمقابل لا تتم إدانة الرجل ولا نبذه اجتماعيًا، كما يتم التعامل مع المرأة.. كل ذلك جعلها – كما أسلفنا – تتحمل التحرش بصمت، وتكتم معاناتها، وهذا ما فاقم من ظاهرة التحرش، في ظل مجتمع ذكوري، وتقاليد اجتماعية عمياء.

إقرأ أيضاً  رمضان... موسم المديح والإنشاد الديني

آثار نفسية واجتماعية

وتختلف انعكاسات التحرش الجنسي على حال الفتيات، بين ما هو نفسي، أو صحي، أو اجتماعي، حسب تأكيد أستاذة علم النفس وعميدة كلية الآداب بجامعة تعز الحكومية، الدكتورة نبيلة الشرجبي، لـ”المشاهد”، مشيرة إلى الناحية النفسية، حين يتولد لدى الضحايا الخوف، كخوف الفتاة من ردة فعل أسرتها، أو من المجتمع، والخوف من الفضيحة، أو الخوف من انتقام المتحرش، وخوفًا على سمعتها. ويمكن لهذا الخوف أن يتطور إلى رعب شديد، قد يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي، ومن مختلف أوجه النشاطات الاجتماعية، ويجعلها انطوائية.
تكمل الشرجبي حديثها بالقول: “ثانيًا، التوتر العصبي والإحساس بالإهانة، ينتج عن إحساس الفتاة بالحط من كرامتها، أو قيمتها كإنسانة، ما ينعكس سلبًا على شخصيتها”، مضيفة أن الاكتئاب والرغبة في الانعزال يكونان نابعين في الغالب من عدم قدرتها على مصارحة أي أحد بما حدث لها، وبالتالي تعيش معاناتها بشكل فردي.
الناحية الدراسية والمهنية، تؤكد الدكتورة الشرجبي على أن التحرش الجنسي يؤثر على التلميذة بشكل سيئ جدًا، وذلك يتضح من ضعف التركيز، أو انعدامه، وتراجع نتائج التحصيل الدراسي، والفشل الدراسي، والتخلي عن الدراسة.

وتتأثر الضحية صحياً، بحسب الدكتورة الشرجبي، ومن هذه الآثار – كما تقول – اضطرابات النوم، وظهور أعراض مرضية، كالإحساس بالأرق والصداع، وهذا يعد تطوراً للمشاعر السلبية لديها، وظهورها على شكل حالات مرضية تدل على معاناة نفسية حقيقية.
وتشير الدكتورة نبيلة إلى أنه “قد تتغير علاقة الفتاة التي تعرضت للتحرش مع ذاتها، أو محيطها الخارجي تدريجيًا، وتبدأ من علاقتها مع نفسها، وتفقدها ثقتها بذاتها، أو قد تلوم نفسها مرارًا، لأنها تعرضت للتحرش، وتعتبر ذاتها مذنبة، وقد تتغير علاقتها بالمحيط الخارجي، من خلال شعورها الدائم بالحقد والكراهية تجاه الجنس الآخر بشكل كبير، وقد يؤثر هذا على علاقتها بأفراد أسرتها من الذكور، كما يؤثر على نظرتها للمجتمع ككل.

عوامل زادت من الظاهرة

ويفاقم من حجم ظاهرة التحرش انتشار السلاح بين أيدي المتحرشين، ما جعل النساء الضحايا، إلى جانب اتخاذهن قرار الصمت، أكثر خوفًا على ذويهن، طالما أن التحرش جريمة غير مجرّمة قانونًا، وبالتالي قد يكون من التهور تبليغ الأهل بالحادثة، وما ينتج عنه من خطر مواجهة رجال مسلحين، ناهيك عن عبثية إبلاغ السلطات المختصة التي هي الأخرى مقيدة بنصوص وقوانين، حيث لا يوجد في القانون اليمني غير نقطتين: 1- العمل الفاضح المخل بالحياء، 2- العقوبة، وذلك في نصوص المواد 273، 274، و275، الأمر الذي يزيد من هذه الظاهرة، طالما لا يوجد نص واضح يجرم الفعل، ويردع المتحرش، مع غياب التوعية المجتمعية بضرورة الإبلاغ عن مثل تلك الجرائم، التي قد تتطور من تحرش إلى اغتصاب.

على الأغلب، تتحاشى الضحية إبلاغ الأهل، وهو ما حدث مع الفتاة (ع.ن) التي قالت: “خفت أن أخبر أهلي، واكتفيت بإخبارهم أنه أُغمي عليّ في الشارع، وخفت أن أبلغ الجهات الأمنية، خشية من الفضيحة، رغم أنني ما زلت أتذكر المكان والرجل. وحتى اليوم مرت شهور كثيرة على الحادثة، وما زلت أخشى الخروج من المنزل بمفردي، أو المرور من ذلك الحي، أو أن يقترب مني أحد”.

 

مقالات مشابهة