المشاهد نت

العصيان المدني في مناطق الشرعية .. هل انحرف عن مساره ؟

عدن- بديع سلطان :

كان الشاب ياسر الصبيحي يسابق المصلين للخروج من مسجد مدينة البريقة بمحافظة عدن عقب صلاة الجمعة؛ ليقف أمام البوابة الرئيسية ويوزع ما بيده من حزمة القصاصات على المصلين، لدعوتهم للمشاركة في عصيانٍ مدني؛ احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية.

كانت الدعوات بريئة، بحسب ياسر، عُنونت باسم تكتل الشباب المستقل، وذُيلت بالتأكيد على عدم انتماء التكتل لأي جهةٍ حزبيةٍ أو سياسيةٍ.
امتلك ياسر أملاً بأن يخرج أبناء البريقة، غرب عدن، بعفويةٍ وسلمية، ويعملوا على تحقيق أهدافهم في رفع وطأة الغلاء من على كاهل المواطنين، وتحسين الظروف ألاقتصادية حيث كانت البريقة أولى مديريات محافظة عدن التي دعت للعصيان المدني رفضاً لتدهور سعر الريال وارتفاع أسعار المواد الغذائية .. غير أن نتائج العصيان المدني الذي دعا إليه تكتل ياسر الشبابي لم تكن كما يشتهي.
تتجدد وتتكرر دعوات التظاهر والاحتجاجات الشعبية بين الحين والآخر، رفضاً لاستمرار تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد .

وخلال شهري أغسطس وسبتمبر من العام الجاري، شهدت عدد من المحافظات دعوات للعصيان المدني، وتظاهرات واحتجاجات متكررة، رفضاً لاستمرار سقوط العملة الوطنية، كان آخرها مظاهرة الخميس الماضي، في مدينة كريتر بمديرية صيرة، محافظة عدن.
حيث طافت مظاهرة احتجاجية ضد تهاوي سعر الريال وارتفاع الأسعار، أرجاء المدينة وانطلقت من ساحة البنوك، ووصلت إلى تخوم قصر المعاشيق في صيرة، مقر الحكومة الشرعية، قبل أن تفرقها قوات الأمن بإطلاق النار في الهواء.

ينظر البعض إلى دعوات العصيان المدني أو التظاهر السلمي باعتبارها أسلوباً حضارياً وديمقراطياً للضغط على الحكومات، وانتزاع الحقوق.
يقول ياسر الصبيحي لـ(لمشاهد) : كنا أصحاب أولى الدعوات لتنفيذ عصيانٍ مدني حضاري في مديرية البريقة، قبل غيرها من المديريات، كان هدفه الضغط على التحالف والحكومة للتدخل ووضع حلول جذرية توقف تهاوي الريال اليمني.

ويضيف: تنفيذ العصيان المدني، يجب أن يكون طوعياً من المواطنين، لأنه (مدني) باختصار، وبالفعل تفاعل مع دعواتنا الكثير من الشباب الناشطين، وأصحاب المحلات التجارية، وحتى نقابة سائقي حافلات الأجرة ومركبات المواصلات، ووصل صدى دعوتنا إلى بقية مديريات عدن.

ويستطرد الصبيحي: إلا إننا تفاجئنا، وخلال الساعات الأولى من العصيان في اليوم المحدد له، بقيام أشخاص لا نعرفهم من خارج مدينة البريقة، بإحراق الإطارات أمام جولة البريقة والشارع الرئيسي، ويمنعون السيارات الخاصة وحافلات المرافق الحكومية والشركات من الخروج أو الدخول إلى المدينة.. وبالقوة.
الصبيحي يؤكد أن هذه الأفعال ليست عصياناً مدنياً، بل هو عصيان بالإرغام، وتخريب لا يمت للأساليب الحضارية بأي صلةٍ.

تمركزت دعوات العصيان المدني، بداية شهر سبتمبر، في محافظات عدن، الضالع، حضرموت، وكانت على استحياء في محافظتي لحج وأبين.
وفي مدينة عدن، كانت المعلا، والشيخ عثمان، وبدرجة أقل من خور مكسر التي تتصدر عناوين الاحتجاجات الشعبية..
شهود عيان أكدوا (للمشاهد): أن المحتجين في تلك المناطق أغلقوا الشوارع العامة بالأحجار والإطارات في وجه الموظفين والعمال، غير أنهم كانوا يفتحون الطرق لمواكب القيادات العسكرية والأمنية، كما حدث مع موكب مدير أمن عدن..
محمود الزوعري، مالك إحدى الصيدليات الخاصة في مركز بانافع التجاري بمديرية البريقة، قال:” إن محتجون أرغموه على إغلاق صيدليته”.
وأكد محمود أن دعوات العصيان الأولية استثنت المستشفيات والصيدليات والمراكز الصحية من العصيان، منذ الدعوات الأولى.. مشيراً إلى أن بعض المشاركين لا يعي ما يقوم به، ولا يدرك ما هو معنى العصيان المدني.
وفي الضالع تحول العصيان إلى احتجاجاتٍ دامية أدت إلى مقتل مواطن، وتخريب عدد من المتاجر بعد رفض أصحابها إغلاق المحلات، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية.

إقرأ أيضاً  نظرة قاصرة تجاه الصيدلانية في اليمن

المصادر الصحفية تلك أشارت إلى تحول العصيان المدني في الضالع إلى إرغام أصحاب المحلات التجارية على إغلاق أبوابها، وباتت مظاهرة تخريبية ليس أكثر.
وفي شرق البلاد، كان العصيان المدني في حضرموت أقل حدة من نظيراتها في عدن والضالع، بل لاقى دعماً من السلطة المحلية في مديريات الوادي.
مواطنون وموظفين أكدوا أن دعوات العصيان المدني انحرفت عن مسارها الرئيسي، وسقطت بيد الغوغائيين، وربما بعض الجهات السياسية، بحسب ما أورده بعض الصحفيين.
الصحفي فتحي بن لزرق كان قد حذر ما يسمى بالمجلس الانتقالي من ركوب موجة الاحتجاجات السلمية.

 

وكان بن لزرق قد انسحب من مظاهرة سلمية في كريتر، بداية سبتمبر، حين شارك فيها أشخاص محسوبون على ما يسمى بالمجلس الانتقالي، وقاموا برفع شعارات سياسية، بعيدة عن المطالب المعيشية.
هذه الدعوات ذاتها جاءت من داخل ما يسمى بالمجلس الانتقالي ذاته، فقيادات المجلس في الضالع دعت إلى عدم حرف مسار الشارع الجنوبي عن مطالبه السياسية، والحذر من حصر تلك المطالب في الجوانب الاقتصادية فقط.

وأكد صلاح الحريري رئيس الدائرة السياسية للمجلس في الضالع، والتي شهدت العصيان الأعنف، أن ما يحدث من أعمال تقطع وسلب لأملاك المواطنين مرفوضة، ولا تعبر عن توجه المجلس وقناعاته.. معتبراً من يفعل ذلك يسعى إلى تشويه للقضية الجنوبية، حد وصفه.

في المقابل لم تحرك الحكومة الشرعية ساكناً، تجاه ما شهدته المحافظات من أعمال تقطعٍ وتخريب تحت عنوان العصيان المدني ، واكتفت السلطة المحلية في محافظة عدن باجتماعٍ روتيني برئاسة القائم بأعمال المحافظ أحمد سالم ربيع دعا فيه المواطنين إلى الهدوء والسكينة، وعدم الانصياع لدعوات تعطيل الحياة الطبيعية في عدن.

الاجتماع حمل محلات الصرافة سبب تدهور سعر صرف الريال، وانعكاساته على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبناءاً على ذلك تم التوجيه بإقفال عدد من محلات الصرافة، تحديداً في مديرية المنصورة، بحجة تلاعبها بأسعار الصرف.

أما في سيئون، بوادي حضرموت، فقد دعمت السلطة المحلية المتظاهرين ومطالبهم، غير أنها دعتهم إلى الالتزام بالعصيان وعدم الإنجرار وراء دعوات التخريب.
ولم تعلق الجهات الأمنية على نتائج ما يسمى بالعصيان المدني، واستغرب ناشطون عدم تدخل الأمن لمنع حوادث الاعتداءات على الممتلكات العامة، وقطع الشوارع.

وعلق بعضهم على ذلك بالقول، أن قيادات أمنية في أعلى الهرم الأمني كانت تمر أمام متقطعي الشوارع وبين الإطارات والأحجار، دون أن تقوم بواجبها، كما حدث مع موكب مدير أمن عدن شلال شايع، وموكب القيادي في المقاومة منير اليافعي أبو اليمامة.
واعتبر آخرون أن عدم قيام تلك القيادات الأمنية بما يتوجب عليها، يوحي بالكثير من الأسرار التي مازالت مجهولة، تجاه ما شهدته المحافظات من أعمال غير مسئولة وغير مدنيه تسترت تحت جلباب العصيان المدني.

ولعل استمرار وتفاقم الوضع المعيشي اليوم، وتواصل مسلسل انهيار العملة المحلية يؤكد أن دعوات العصيان المدني لم تؤتِ أكلها، حيث يبدو أن هناك من قام بقطف ثمارها قبل أن تنضج.

مقالات مشابهة