المشاهد نت

الحرب تجبر الطلاب على الهجرة من المدارس الأهلية

صنعاء – معاذ الحيدري:

بدأ العام الدراسي هذا العام، وسط تعقيدات بالغة وصعوبات لا حصر لها، خاصة مع الانهيار الاقتصادي، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع أسعار السلع والمواد الضرورية، ما جعل أولياء أمور كثراً ينقلون أبناءهم من المدارس الأهلية إلى الحكومية، رغم تغيب المعلمين المستمر منها، نتيجة انقطاع الرواتب عنهم منذ عامين.

وتقول مديرة مدرسة التميز، أميرة الوصابي، لـ”المشاهد”، إن نسبة الالتحاق بالتعليم الأهلي تراجعت بسبب الظروف المعيشية للناس، التي وصلت إلى مرحلة الفقر مع استمرار انقطاع المرتبات.
وتضيف أن ولي الأمر الذي لديه ثلاثة طلاب ملتحقين بالمدرسة، يدفع عنهم قرابة 400 ألف ريال في العام، قرر هذا العام نقل اثنين من أبنائه إلى التعليم الحكومي، والإبقاء على الطلبة صغار السن.
وتواجه المدارس الأهلية في اليمن تحدياً حقيقياً كبيراً، نظراً لضعف تمويلها الذي يعتمد على رسوم الطلبة، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الفقر، وفقدان الكثير من الآباء أعمالهم ومصالحهم الخاصة.
هجرة الطلاب من المدارس الأهلية، أدت إلى ازدحام في فصول المدارس الحكومية بصنعاء، ما سبب ضغطاً كبيراً عليها. وفاقم من معاناة المدارس الحكومية استقبالها طلاباً نازحين من مناطق النزاع، بمحافظات صعدة وتعز وحجة، وأضيفت لها محافظة الحديدة هذا العام.
وتقول صباح باهش، الأخصائية الاجتماعية، ومديرة مدرسة عمر بن الخطاب الحكومية الواقعة وسط العاصمة صنعاء، لـ”المشاهد”: “ازدحمت المدارس الحكومية هذا العام كثيراً، بفعل توافد الكثير من الطلاب الذين التحقوا بها، وهم من الطلبة الذين تركوا المدارس الأهلية، بسبب الأوضاع المادية لأولياء الأمور، إضافة إلى الطلاب الذين غيروا مساكنهم من منطقة إلى أخرى، ولكن أكثر الطلاب الذين التحقوا بمدرستنا، هم من النازحين إلى صنعاء”.

آثار نفسية

ويعاني الطلبة الذين أجبروا على النقل إلى المدارس الحكومية، من آثار نفسية، بحسب باهش، مشيرة إلى أن “المدارس الخاصة كانت توفر لهم نوعاً من الرعاية الخاصة، وهذا غير ملموس من قبل الطالب في المدارس الحكومية، إضافة إلى أن المدارس الخاصة لها وضع صحي ونفسي خاص ومختلف، ونحن بدورنا نحاول ترويض الطالب، ونساعده ليصبح مثله مثل بقية الطلاب هنا”.
ويقول الطالب محمد نجيب الشرعبي، (13 عاماً) لـ”المشاهد”: “الدراسة بالمدرسة الحكومية ليست مختلفة عن الدراسة بالأهلية. فالكتب يسلموها لنا في المدرسة الحكومية وهي مستخدمة وشبه تالفة، وهذا العام يبدو أنه ما فيش كتب بالخالص، وما فيش رياضة، والمواد الأخرى مثل الموسيقى والرسم معدومة في المدرسة الحكومية، والفصول هنا مزدحمة، والكراسي لا تكفي، والكثير من الطلبة يجلسون على أرضية الفصول الدراسية”. ومثله الطفلة شهد ذات الــ10 أعوام، إحدى ضحايا ترك التعليم في مدرستها الأهلية والتوجه نحو مدرسة الحكومية تخضع لواقع مختلف ومعقد، كما تقول.
وتسرد شهد بعضاً من جوانب المعاناة لـ”المشاهد”، بالقول: “الحرب حرمتنا من لحظات الانتظار على عتبات المنزل، للباص الذي ينقلنا إلى المدرسة الأهلية، أما اليوم نذهب إلى المدرسة الحكومية مشياً على الأقدام، وبزي مدرسي آخر، ليس ذلك الزي الأنيق الذي يميز طلاب المدارس الأهلية عن طلاب المدارس الحكومية”.
وتضيف شهد بنبرة حزن: “أبي نقلني لمدرسة حكومية بسبب أنه مش قادر على دفع الرسوم”.
يقول محمد رزاز، والد شهد، لـ”المشاهد”: “أنا وكثير من الناس نقلنا أولادنا من التعليم الأهلي إلى الحكومي، بسبب الظروف الصعبة، فلا رواتب ولا أشغال، ولا شيء من هذا القبيل”، مضيفاً أن “التعليم الحكومي فيه قصور ومعاناة مضاعفة للطالب في سنوات الحرب والأزمة الاقتصادية الكبيرة”.

إقرأ أيضاً  من طقوس العيد.. «الحناء الحضرمي» صانع بهجة النساء

ويلعب التعليم الأهلي دوراً كبيراً في التخفيف من ضغط الطلبة على المدارس الحكومية، خصوصاً في المدن الرئيسية التي تتميز بالكثافة الطلابية. كما تعد الحاضن الأول للتعليم المبكر – رياض الأطفال- بنسبة 73%، طبقاً لحديث مهتمين.

تسرب الطلبة من المدارس

 

هذه التحديات الكبيرة، ضاعفت من تسرب الطلاب من المدارس، وخاصة طلبة التعليم الأساسي، بحسب قول المعلمة أشجان عبدالله، لـ”المشاهد”، مؤكدة أن عوامل كثيرة أدت إلى تسرب الطلبة من المدارس، وهي ارتفاع نسبة الفقر وسوء التغذية، والعوامل الاجتماعية والسياسية والأمنية، وعدم جاذبية المدرسة للطلبة في المدارس الحكومية، إلى جانب عوامل أخرى، لكن الجانب الاقتصادي والمعيشي، هو الأخطر واللاعب الرئيسي في استمرار التعليم من عدمه.

عقبات أمام التعليم

ويبدو التعليم في محافظات صعدة وحجة والجوف، المتضرر الأكبر، بحسب أحد العاملين في وزارة التربية والتعليم، مشيراً إلى أن العملية التعليمية في بعض مناطق هذه المحافظات متوقفة تماماً، بسبب تحول تلك المناطق إلى عسكرية وساحات للمواجهات والصراعات، الأمر الذي أجبر مئات الآلاف من الطلاب على البقاء خارج أسوار المدارس.
ويقول المعلم عبد الملك مهيوب، الذي يعمل مدرساً في الجوف: “منذ عام لم أعد أعمل مدرساً في مدرستي بالجوف، بسبب الحرب الدائرة هناك”.
ويؤكد لـ”المشاهد” أن المدرسة التي كان يعمل فيها تعرضت للقصف، وتحولت إلى ثكنة عسكرية لأحد الأطراف المتحاربة. ولفت إلى أن “بعض الطلاب نزحوا إلى صنعاء ومأرب، والبعض توقفوا عن الدراسة بشكل نهائي”.
ويقول محمد العسالي، أحد العاملين في وزارة التربية والتعليم، لـ”المشاهد”: “أعداد الطلاب الذين توقفوا عن التعليم مهولة، خصوصاً في مناطق النزاع المنتشرة في كل من تعز وصعدة وحجة والجوف”، مشيراً إلى أن “هناك فريقاً تربوياً كبيراً يقوم بإعداد دراسة بهذا الشأن، وسيتم الانتهاء منها في الوقت القريب”.

تعقيدات كبيرة تحاصر العملية التعليمية، منها توقف مطابع التربية والتعليم عن طباعة الكتاب المدرسي، وهو الأمر الذي جعل الطلاب بدون كتب، وفاقم من معاناتهم، ولا سيما في المدارس الحكومية.

ما الحل؟

ولمواجهة تلك التحديات يوصي باحثون في مجال التعليم في اليمن، بقيام وزارة التربية والتعليم، بالإسراع في إعداد خطة عمل لمواجهة هذه المشاكل الخطيرة التي تهدد التعليم في اليمن، وتهدد أجيالاً، خاصة أن الكثير من الأطفال الذين باتوا خارج أسوار المدرسة، يصبحون عرضة للاستقطاب في الأعمال المسلحة والحروب وأعمال العنف، بحسب التربوي العسالي، الذي يدعو الباحثين والمهتمين إلى إعداد دراسة بالطلاب النازحين، والذين توقفوا عن التعليم، والتحديات التي تواجههم، ووضع الحلول لها بأسرع وقت ممكن، إلى جانب إعداد سياسة لمواجهة مشكلة الأطفال الذين خارج المدرسة، وإعادتهم إلى المدارس، بالمشاركة مع منظمات المجتمع وجميع المانحين الدوليين، لحماية التعليم في اليمن.

مقالات مشابهة