المشاهد نت

النهج التدميري لاطراف الصراع يطال الاضرحة والمقامات

الحديدة – خالد الحميري:

الي  يوم الاثنين الماضي كان بوسع أبناء محافظة الحديدة (غربي اليمن) ارتياد مسجد العلامة التهامي ” أحمد الفاز” في منطقة الفازة بمديرية التحيتا جنوبي المحافظة للصلاة والتبرك قبل أن يقوم متشددون تابعون لألوية العمالقة بهدمه وتسويته بالتراب بذريعة محاربة الشركيات.

ووقع خبر هدم المسجد التاريخي الذي أمر ببنائه الصحابي الجليل معاذ بن جبل عند قدومه الى اليمن، على أبناء الحديدة كالصاعقة لما يحظى به المعلم التاريخي من مكانة كبيرة لدى الكثير من سكان المحافظة الساحلية والمحافظات القريبة منها.

ويعد مسجد الفازة الأثري الذي كان ملتقى للأولياء والصوفية وأكابر العلماء أيام الدولة الرسولية على ساحل البحر الأحمر كما تذكر كثير من المصادر التاريخية، من المعالم والمآثر الدينية الشهيرة في محافظة الحديدة وهو واحد من أهم شواهد تهامة الروحانية منذ أكثر من ألف ومائتي عام.

ويقع مسجد الفازة على مرتفع صخري على بعد 30 كيلومتراً من مدينة زبيد التاريخية ويرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي أربعة أمتار فقط ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الهجري وأعاد بناؤه النجاحيون ثم الأيوبيون في القرنين الخامس والسادس الهجري، ويحوي ضريح العلامة التهامي أحمد الفاز الذي ولد ودفن في المنطقة ذاتها.

وسبق أن تعرض المسجد التاريخي المصمم في بنائه لمقاومة الضروف البيئية الساحلية في 24 يونيو الماضي للاعتداء من قبل القوات ذاتها حيث هدمت أجزاء منه لتعيد الكرة مجدداً يوم الاثنين الماضي وتحيل المعلم التاريخي الى كومة من التراب.

وأثار الاعتداء الذي تعرض له المعلم الأثري البارز على أيدي قوات العمالقة موجة غضب عارمة واستنكار شعبي واسع لدى العديد من الناشطين والمثقفين والمهتمين بالتراث اليمني خصوصاً من أبناء محافظة الحديدة معتبرين ذلك جريمة نكراء تستهدف هوية وتاريخ الشعب اليمني.

ورفع نحو 25 ناشطاً من أبناء تهامة شكوى رسمية الى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ، نددوا فيها بما تتعرض له المساجد ودور العبادة من تدمير في الساحل الغربي في ظل صمت الحكومة اليمنية والتحالف العربي.

وحمّل الموقعون على الشكوى التي حصل “المشاهد” على نسخة منها، اليونسكو مسؤولية الحفاظ على ماتبقى من المواقع الأثرية التي تعتبر تراثا عالمياً يستوجب الحفاظ عليه وحمايته بحسب مواثيق الأمم المتحدة، داعين في الوقت ذاته المنظمة الأممية الى ارسال بعثة تقصي الحقائق ومحاسبة من قام بهذا العمل البربري في أسرع وقت ممكن.

وتعليقاً على تفجير المسجد قال ‏أمين الحريات والحقوق باتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين‏ الشاعر التهامي علوان الجيلاني: بتدمير مسجد الفازة وتسويته بالأرض تفقد تهامة وزبيد واليمن كلها، واحداً من أهم شواهدها الروحانية على مدار 1200 عام، هنا كان سلاطين الدولة الرسولية يحتفلون بختم القرآن وليلة البهجة وليلة المحيا وهنا كان يختلي العلماء والصالحون.

وأضاف في تدوينه على صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك”: من هنا مرت عشرات الدول وجحافل كثيرة من الجيوش عبر التاريخ، لم تفكر في إيذاء المسجد ولا تربصت للنيل منه، ليس من الممكن أن تطلق أيدي المتطرفين لتدمر التراث الديني والانساني بهذا الشكل ، هذه جريمة نكراء يجب الوقوف في وجهها.

وتساءل الناشط التهامي سعيد القليصي في تدوينة أخرى بالقول: مالذي يحصل لتراث تهامة؟ اليوم تم دك مسجد الفازة بدون أي مسوغ قانوني وغدا ستتحرر زبيد وفيها ربع الثرات اليمني واذا لم يتوقفوا عن هذه الأعمال الغير مسؤولة سنرى هذا المنظر يتكرر في كل أرجاء تهامة.

وفجر الاعلامي أحمد النعمي أحد أبناء مدينة زبيد التاريخية القريبة مفاجأة حول ضريح العلامة التهامي أحمد الفاز الذي هُدم المسجد بسببه والواقع على بعد 200 مترا شمال شرق سور المسجد مؤكداً أنه تم تسوية الضريح بالأرض قبل نحو 20 عاماُ بإيعاز من أحد علماء زبيد وبطريقة لا تثير العوام ولم يبقى إلا المسجد الذي ظل شاهدا على عظمة الحضارة التهامية.

إقرأ أيضاً   الحلويات الصنعانية... عادة رمضانية

وأوضح في تصريح لـ”المشاهد” أن المسجد كان منذ أكثر من 800 عام إستراحه للمسافرين وفيه مركز دعوي للقادمين من البحر من أهل الحبشة ومأوى لكل من تقطعت به السبل ومنارة للزهاد والنساك تقام بين جنباته الخلوه مع الله للعبادة مشيرا الى قيمة المسجد الفكرية والحضارية والجمالية بما كان يكتنزه من مخطوطات تاريخية وعظمة البناء والتكوين المعماري.

وكشف النعمي عن بدء اجراءات فعلية لبناء مسجد الفازة التاريخي عقب هدمه لافتاً الى لقاء سيجمع الخميس عددا من المهندسين والبنائين بقادة في المقاومة الشعبية من أجل دراسة الموضوع وحساب تكلفته.

وتمثل حادثة الاعتداء على مسجد الفازة جزءاً من سلسلة ممتدة من الاعتداءات التي طالت رموز المدينة التاريخية وإرثها الثقافي والرمزي حيث سبق أن فجر متشددون في ألوية العمالقة ذاتها عددا من الأضرحة في مدينة المخا الساحلية جنوب غرب محافظة تعز والتي يعود عمرها إلى مئات السنين كان آخرها تدمير ضريح الإمام الشاذلي والذي يعود تاريخه إلى حقبة الدولة الصليحية.

ويعد ضريح الإمام الشاذلي من أهم المعالم الأثرية في مدينة المخا، وينسب إلى الشيخ أبو الحسن ” علي بن عمر بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد دعسين القرشي الصوفي الشاذلي” وهو أحد مشائخ الطريقة الصوفية في اليمن خلال القرنيين (الثامن والتاسع من الهجرة).

وأقدمت مجاميع تابعة لتلك القوات بعد سيطرتها على مدينة المخا منتصف العام 2017على هدم ضريح الولي الصديق في حارة الشاذلي وضريح السيد حاتم العلوم بالقرب من السوق المركزي للمدينة وتدمير ضريح العلامة العمودي في حارة العمودي شمال مدينة المخا اضافة الى هدمها ضريح الشيخ إبراهيم البرساني بقرية الغرافي في المخا الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 600 عام.

وفي منتصف العام 2016، أقدم مسلحون يتبعون كتائب أبي العباس السلفية على تفجير ضريح وقبة الشيخ الصوفي الشهير عبد الهادي السودي وسط مدينة تعز والتي تعد قبته من أكبر القباب في اليمن، وإحدى أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة بحجة محاربة مظاهر الشرك.

ومنذ اندلاع الحرب قبل نحو أربع سنوات، لم تسلم المعالم التاريخية والدينية من أيادي أطراف النزاع، فحتى الزوايا وأضرحة الأولياء، التي يتبرك بها اليمنيون في مختلف المحافظات منذ مئات السنين، كانت عرضة للانتهاك والهدم سواء بالرافعات أو بالمتفجرات.

وخلال سيطرة تنظيم القاعدة على محافظة حضرموت (شرقي البلاد) في ابريل 2015، تبنى التنظيم عملية هدم قباب وأضرحة قبور تعود إلى رموز دين من التيار الصوفي وسلاطين حكموا المنطقة في القرون الماضية.

وتشير تقارير حقوقية الى قيام جماعة الحوثي بتفجير عشرات المساجد في اليمن خلال الخمس السنوات الماضية بدءًا بمنطقة دماج في صعدة (شمالي البلاد)، وحتى مديرية حيفان بمحافظة تعز (غربي البلاد).

وتمثل ظاهرة تفجير المساجد والأضرحة في اليمن من قبل أطراف الصراع استفزازا كبيرا لمشاعر الناس الدينية وخرقاً لكل الاعراف والقوانين وعدوان صارخاً على التراث الانساني والتاريخي والثقافي لليمن.

وحذر مراقبون من خطورة هذه الممارسات سواءً كانت فردية أو جماعية كونها تمثل تهديدا كبيرا للتراث الانساني وتخلق صراعا طائفيا مذهبيا داعين المنظمات العالمية للوقوف بحزم أمام تلك الدعوات والأفعال المتطرفة التي تحدث وبشكل مستمر شرخا في العلاقات بين أبناء البلد الواحد وتهدد التراث الإنساني والتاريخي بالفناء والزوال.

مقالات مشابهة