المشاهد نت

أمهات يواجهن حواجز إسمنتية !

عدن – عاد نعمان :

[box type=”info” align=”” class=”” width=””]فاز هذا التقرير الذي أعدته للزميل “عاد نعمان “من عدن، بالمركز الثاني من بين التقارير الصحفية التي قام بإعدادها الصحفيون اليمنيون، عقب دورات تدريبية تلقوها حول هذا النوع من الكتابة نظمها صندوق الأمم المتحدة للسكان ومركز الاعلام الاقتصادي واتحاد نساء اليمن .[/box]

ونشر هذا التقرير في “المشاهد” في سبتمبر الماضي.

نص التقرير

أم ليث، امرأة خمسينية من مدينة عدن ألف المارة في شوارع المدينة ملامح وجهها المتعب، ونظرات عيونها القلقة، فمنذ ما يزيد عن سنة ظلت تتابع قضية ابنها المخفي في احد السجون بمدينة عدن، تتسمر نظراتها خلال الفراغات بين الحواجز الأمنية الإسمنتية، تترقب لحظة خروج ابنها المختطف.

تقول ام ليث في حديثة “للمشاهد” وهي تستعيد ما حصل لها في وقفة احتجاجية، “وقفنا بسلمية أمام مقر المعسكر في مدينة الشعب ؛ لنجدد مطالبنا، هددنا جنود الحاجز الأول بالاعتقال، ولكننا رفضنا المغادرة، وأصرينا على البقاء، ليستقدموا قوة أمنية نسائية، اعتقلت عدد منا، وكنت بينهن”.
تواصل بصوت مبحوح ممزوج بدموع القهر: “تم ترحيلنا على ظهر عربة عسكرية – شاص – إلى مقر أمني، تعرضت للكمات في عيني اليمنى، ما أدى لتورمها، وتعرضت أخريات للركل واللكم في أماكن متفرقة من أجسادهن، ونُزعت أغطية رؤوسهن، وبقيت اثنتان منا رهن الاعتقال هناك”.

من جهتها أم حميد احدي الأمهات التي شاركن في تلك الوقفة تتحدث بمرارة حول ما حصل لهم من قمع “واجهنا صعوباتٍ عدة خلال قيامنا بالوقفة الاحتجاجية أمام المعسكر، بالرغم من كونها تمت بسلمية أمام الحاجز الأمني الأول، إلا أن الجنود قاموا بترويعنا ومضايقتنا ومنعنا من التجمع، وهددوا باعتقال كل من توقف وفكر بالانضمام لنا أو التوثيق بالتصوير”.

تساؤل مر !

وتتسأل بحسرة في حديثها “للمشاهد” : ماذا تبقى لنا في مدينة عدن ؟ صار الاحتجاج – خيارنا الوحيد – للبحث عن ذوينا، مرصود بالعنف ومحتوم بالمخاطر!.
العشرات من الأمهات من مثل أم ليث وأم حميد في مدينة عدن لديهم أبناء مخفييين ومعتقلين بشكل تعسفي في سجون التحالف والامن يشاركن ذات الآلام والهموم، يتحرين الفرص ومن يقابلن في طرقهن؛ للتذكير بما جمع ذويهن من آباء وأزواج وأبناء من مصير مجهول، يتجمعن متى ما سمحت الظروف؛ لتكون وقفة احتجاجية أمام معسكر أو مرفق أمني، يقبع داخله معتقل، يصطفين ويطلقن العنان لأصواتهن الغاضبة؛ لتملئ أرجاء المكان، لعل الأصداء ترسم الطرق إلى ذويهن.
وتؤكد ام ليث انهن رغم تنفيذ العشرات من الوقفات الاحتجاجية لم يجدن حل او بصيص من امل من اجل الافراج عن ابنائهن وازواجهن. وتضيف” الوقفات الاحتجاجية وسيلة لإيصال رسائلنا إلى السلطات العليا، وملاذنا الأخير بعد أن أوصدت أمامهن كافة أبواب الجهات المعنية، خاصةً الأمنية، التي لم تكتفِ بعدم التعامل بمسئولية مع القضية وتجاههن، لتزداد وطأة القمع، بتوجيه الإساءات المباشرة لهن، وتصل سوء المعاملة إلى إطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي؛ لتفريق جموعهن في وقفات احتجاجية سابقة، وبلغة أشد قسوة يلقي جندي سؤال مهين على مسمع إحدى الأمهات: “ما فيش معكم رجال؟”؛ ليردنّ عليه: “رجالنا في السجون”.
واستنكرت مؤسسة “وجود” للأمن الإنساني الممارسات التعسفية التي طالت الأمهات، وأصدرت بيانًا يدين أشكال الانتهاكات ضد حق التجمع في التعبير عن المطالب، والحق في الحرية والآمن الشخصي، التي تشكل التزامات تشريعية قانونية على المستويين الوطني والدولي.
وشدد البيان على جسامة تلك الأفعال التي تنذر بمستقبل خطير للغاية على حقوق الانسان والمدافعين عنها، وأختتم بتحميل الدولة مسئوليتها.
وفي ذات السياق حذر ائتلاف “أصوات النساء” من تزايد وطأة العنف ضد النوع الاجتماعي نتيجة الحرب المستمرة التي تشهدها البلاد وتسارع الأحداث خلال السنوات الأخيرة وانعدام الأمن، وجدد الدعوة إلى المطالبة باتخاذ إجراءات ومواقف حتمية تجاه قضايا النساء، واعلاء المزيد من الأصوات والمبادرات التي تسهم بفاعلية – لا على سبيل رد الفعل المؤقت – في معالجة الأسباب الجذرية لكافة أشكال العنف ضد المرأة.
من جانب آخر تتلاقى معاناة الأمهات مع اهتمامات لجنة متابعة قضايا المعتقلين لتتكامل المطالب في
مصفوفة حقوقية، تبدأ بالتأكيد على حقهن القانوني المكفول بالاحتجاج السلمي، ومعرفة أماكن احتجاز ذويهن، مرورًا بالسماح لهن بزيارتهم خلف القضبان، وصولًا إلى توجيه تهم واضحة وصريحة لهم، الإسراع بإحالتهم إلى قضاء مستقل ونزيه، ومثولهم أمام محاكمات عادلة، اوالإفراج عنهم – إن ثبتت براءتهم.

إقرأ أيضاً  القيود الأسرية تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن

وقد سلمت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان مدير امن عدن وقائد قوات مكافحة الإرهاب في عدن قائمة بـ ٤١ شخصيا من المخفيين ممن تقوم اللجنة بالتحقيق في قضاياهم الا أنها لم تتلقى اية ردود بشأنهم.

“الحرية للمعتقلين”، “لا للتعذيب.. لا للإخفاء القسري”، “أظهروا أبنائنا.. أطلقوا سراحهم”، “نريد القانون.. نريد العدالة” وغيرها من العبارات المثقلة بالتنديد والإدانة، كُتبت باللون الأسود على لافتات قماشية ولوحات ورقية بيضاء؛ ترفعها الأمهات فوق رؤوسهن، يشدنها بأياديهن لتبدو أكثر وضوحًا، يرافق المشهد ترديدهن بأنفاس قوية ومتقاربة شعارات مماثلة، عن تلك المطالب، التي تتوحد في: معرفة مصير ذويهن!!..

حتى موعد تنفرج، فيه يتوقف البحث ويُكشف عن المصير، تتوق الأمهات إلى زيارات خاطفة لذويهن خلف القضبان، الأمر الذي أوصت به منظمة
“هيومن رايتس ووتش” في آخر تقاريرها الحقوقية، عن قضايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والوصول إلى المعتقلات؛ بمعاملة المحتجزين بإنسانية تمامًا، ووجوب السماح بالزيارات العائلية – إن كانت ممكنة، بموجب القانون الدولي الإنساني.
يقترب اليوم من نهايته، تجمع أم ليث أحزانها وأشواقها، تتفقد حولها الأمهات الصامدات؛ ليغادرن سويةً مكان الاحتجاج، ويسرن خلف بصيص أمل، ولا تنسى قبل ذلك أن ترفض الاستسلام، وتجدد الوعد مع الغد، فجره لا يشبه ذاك الذي
غُيب فيه ابنها، فجر يبشر بطلوع شمس الحرية ولم الشمل.

مقالات مشابهة