المشاهد نت

الدواء المهرب.. الموت الذي يُباع في الصيدليات

صنعاء – نجيب العدوفي:

تنعدم الكثير من العقاقير الطبية في العاصمة صنعاء، خاصة تلك التي ترتبط بها حياة الآلاف ممن يعانون الأمراض المزمنة، وقد تظهر بعض العقاقير الطبية البديلة، لكنها غير رسمية (مهربة)، وعادة ما تكون مجهولة المصدر.
هذه الأدوية التي يُطلق عليها بأنها مُهربة، باتت تحتل مساحات كبيرة في أروقة الصيدليات بالعاصمة صنعاء، وغيرها من المدن اليمنية والرقابة غائبة.
بكل صراحة يباشرك الصيدلاني، عندما تعطيه وصفة العلاج، قائلاً: “هذا العلاج معدوم، ولدينا المُهرب، وله نفس المفعول، ويؤدي الغرض”.
ويقول أحد الصيادلة بصنعاء لـ”المشاهد”، عن الأدوية المهربة: “نحن لا نريد أن نبيع الدواء المُهرب، لكن الدواء الرسمي والمعروف مصدره منعدم تماماً، ونلجأ إلى الدواء المُهرب من باب إنقاذ حياة المرضى”.
لا يستبعد الصيدلاني الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن بعضاً من الأدوية المُهربة قد تكون تالفة بسبب سوء التخزين، كونها تُنقل بطرق غير رسمية، من خلال شحنها مع بضائع أخرى، وعادة ما يتم إدخالها إلى البلد من منافذ غير رسمية، ويستغرق ذلك وقتاً أطول من الدخول عبر المنافذ الرسمية، الأمر الذي يعرضها لأشعة الشمس، وغيرها من العوامل التي تقلل من جودتها وعمرها الافتراضي، لكن الضرورة قد تدفع الطبيب والصيدلاني والمريض إلى التعاطي مع هذا الدواء غير الرسمي، وإن كانت ثمة خطورة.
من جانبه، يقول الدكتور الصيدلاني إبراهيم أحمد، لـ”المشاهد”: “باتت عملية تهريب الدواء تجارة رائجة لها تجارها الذين يملكون نفوذاً كبيراً يمكنهم من الاستحواذ على السوق، وتقليص نفوذ الدواء الرسمي والقانوني، وفي أغلب الأحيان نشعر بأن هناك تغييباً للدواء السليم لصالح الدواء المُهرب، وفي هذه الحالة تكون حياة الآلاف، إن لم يكن الملايين، في خطر، خاصة الذين يستخدمون أدوية مدى الحياة، ويكون الدواء غير الرسمي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياتهم، رغم خطورته”.
في ظل ازدهار تجارة الدواء غير الرسمي (المُهَرّب)، يقترح الصيدلاني إبراهيم على السلطات المعنية، إخضاع هذا الدواء لفحص سلامته، ومنحه صفة الدخول الرسمي إلى البلد، بعد التأكد من سلامة استخدامه، بدلاً من الطرق التي يتم التعامل بها حالياً، حيث يدخل الدواء المُهرب ويُباع أمام مرأى ومسمع الجميع، وله نفوذه، دون أن يخضع للتأكد من سلامته للمستخدم، وإذا لم يكن هناك نفود لتُجار هذا الدواء، فمن المستحيل أن نجده بارزاً على رفوف الصيدليات.

75% من حجم الدواء مُهرب

وكانت منظمات غير حكومية وصفت سوق الدواء في اليمن بأنها خاضعة للدواء المهرب، والذي قدرت حجمه خلال الفترة 2012–2014، بـ60% من حجم سوق الدواء، إلا أن السنوات الأربع الأخيرة زادت فيها عملية تهريب الدواء، وفقاً لمصدر في نقابة الصيادلة اليمنيين، متوقعاً في حديثه لـ”المشاهد” أن يكون حجم الدواء المهرب في السوق اليمنية قد استحوذ على ثلاثة أرباع السوق كأقل تقدير، أي ما نسبته 75% من حجم سوق الدواء في اليمن، حيث يُشكل ذلك خطراً كبيراً يهدد حياة اليمنيين.

إقرأ أيضاً  الإصابة بالسرطان في ظل الحرب

معاناة المرضى

في منطقة التحرير، وعلى جانبي البنك المركزي اليمني بصنعاء، تتمركز شركات ووكالات الدواء، ومنذ أن بدأ سعر صرف الدولار بالهبوط في أكتوبر 2018، أوقفت هذه الشركات عملية البيع للصيدليات، وأبرزت على الواجهات الزجاجية لمحلاتها عبارة اعتذار تقول فيها “نعتذر عن البيع إلى حين نحصل على التعويض من الشركات”، في إشارة منها إلى الحصول من الشركات الأم على تعويضات فارق سعر صرف الدولار أمام الريال اليمني الذي تراجع من عتبة 800 ريال للدولار الواحد إلى حوالي 450 ريالاً، واستمر ذلك التوقف لمدة شهر تقريباً، ليتم بعد ذلك معاودة البيع إلى السوق.
تسبب هذا التوقف عن البيع في نهاية العام 2018، والذي استمر لحوالي شهر، في إحداث أزمة في الدواء لدى الصيدليات، وبات الآلاف من المرضى لا يجدون الدواء، خاصة من يعانون من الأمراض المزمنة، والذين باتت حياتهم مهددة بالتوقف المقرون بتوقف بيع الدواء.
وفي ذلك يقول الصيدلاني محمد المجيدي لـ”المشاهد”: “يواجه العديد من المرضى تحديات غياب الدواء من الصيدليات، خاصة أولئك الذين يستخدمون الدواء بصورة دائمة، ونواجه نحن أيضاً مسؤولية توفير هذا الدواء، لكن الأمر ليس بأيدينا، فالمستوردون هم المسؤول الأول، وكذلك الجهات الرسمية التي لا تكترث لما يحدث، فالواقع أن أزمة الضمير أشد من أزمة الدواء، وبالرغم من معاودة البيع للصيدليات، إلا أننا نتوقع أن تقوم الشركات المستوردة للدواء بإيقاف تزويدنا بالعقاقير الطبية، فهي عادة ما تُمارس نفس الأسلوب بصورة متكررة في ظل غياب الرقابة.

الرقابة الرسمية غائبة

ينافس الضمير الإنساني، أزمة الدواء التي يعيشها بلد يُعاني من انتشار الأمراض، والأوبئة المختلفة.
ويقول أحد الأطباء بصنعاء (فضل عدم ذكر اسمه): “لا توجد رقابة من قبل السلطة المعنية، كما أنه لا توجد الرقابة التي تُعرف برقابة الضمير، فأصبح الدواء تجارة، ومهنة الطب تجارة أيضاً، والكثير من الأطباء يتعاملون مع المريض بأنه سلعة يتم الكسب من ورائها”.
ويضيف لـ”المشاهد”: “الواقع الصحي في اليمن يُعاني من الإهمال المزمن، ويُعد القطاع الصحي هشاً للغاية، وبالرغم من اتساع المستشفيات الخاصة، إلا أنها أيضاً لا تسهم في الارتقاء بالقطاع الصحي في اليمن، فهي كغيرها تتعامل مع هذه المهنة بأنها تجارة، لذا عندما نتحدث عن اتساع تجارة الدواء المُهرب، لا يبدو غريباً، لأن الكثير ممن يمتلكون القرار يقفون وراء هذه المعضلة، ويتعاملون مع حياة الناس بأنها رخيصة أمام الحصول على حفنة من المال، وما يتطلبه الأمر وجود دولة حقيقية تضع الإنسان على رأس اهتماماتها، وتتعامل معه بأنه أهم ثروة، وحينها سنرى النهوض والتطور لهذا البلد الذي يغرق في الفساد والجهل والمرض”.

مقالات مشابهة