المشاهد نت

الصحفي الجنيد .. ضحية العند المهمل

عدن – بديع سلطان :
لم يدرك الصحفي نبيل الجنيد أن ذهابه إلى قاعدة العند العكسرية في لحج (جنوبي اليمن)، الخميس الماضي، في مهمةٍ صحفية لتوثيق أحداث العرض العسكري هناك، سيجعله حدثًا تتناقله وسائل الإعلام المحلية.

صباح التاسع من يناير، حضر الجنيد الحفل العسكري الخاص بتدشين العام التدريبي في قاعدة العند، متسلحًا بكاميرته وقلمه، وبدأ بالتجوال في ساحة العرض بحثًا عن زاويةٍ مناسبة لالتقاط الصور، قبل أن يجد نفسه مرميًا وسط ساحةٍ مضطربة.

عمَّ الإضطراب في القاعدة عقب انفجار طائرةٍ مسيّرةٍ فوق منصة العرض الرئيسية، كان نصيب نبيل الجنيد من شظاياها كبيرًا، تسببت بإصابته في الظهر، منعته الحركة، وظل مرميًا على الأرض ووسط كراسي الحفل، دون أن يلتفت إليه أحد.

كان الصحفيون المنتشرون في القاعدة، وفي ساحة العرض، منهمكون في التقاط صور القادة العسكريين المصابين، وهم بين يدي جنودهم ينقلونهم من المنصة إلى السيارات الأمنية، فيما بقيَ الصحفي نبيل الجنيد وحيدًا على الأرض برفقة جراحه.

إصابة بليغة
تم نقل الزميل الجنيد إلى مستشفى الريادة، بمديرية المنصورة، ليبقى حبيس العناية المركزة لمدة يومين، ومُُنعت عنه الزيارات إلا من وراء زجاج، كما مُنع عليه الحديث حتى لأقاربه، قبل أن يتم تحويله إلى مستشفى البريهي، لإجراء رنينٍ مغناطيسي لظهره، ويبقى هناك تحت الرعاية القصوى، واضطررنا الانتظار حتى يوم الاثنين، للسماح له بالحديث أو استقبال الزائرين.
صباح الاثنين تواصل  (المشاهد) مع الصحفي نبيل الجنيد هاتفيًا كان صوته المتقطع من الاعياء
يدل على حالته، في بداية حديثه لنا ظننا أن من يرد على اتصالنا هو أحد إخوانه، بسبب تغير صوته، غير أنه أكد لنا أنه نبيل شخصيًا قال  أنه سيخضع ظهر الاثنين لفحص رنين مغناطيسي آخر، كما قال: إنه قد يخضع لأربع عمليات جراحيةٍ لاحقًا.. طالبًا منا له الدعاء له بالشفاء .
لم نشأ أن نُثقل عليه آلامه، وفضلنا إراحته، خاصة وأنه وضعه الصحي يحتاح للراحة .
وحول ماحدث للزميل الجنيد يقول لصحفي زكي اليوسفي، كانت متواجدا اثناء الانفجار أنا ونبيل وعدد من الزملاء الصحفيين في ساحة العرض العسكري قبيل رصدنا للطائرة المسيرة، ظننا أنها تابعة للحفل وتقوم بمهام التصوير والتوثيق، إلا أننا تفاجئنا بعد دقائق بانفجارها.
ويضيف اليوسفي (للمشاهد): بعد الانفجار تشتت شملنا جميعًا، وحدثت اضطراباتٌ، وركض الجميع بعيدًا عن المنصة الرئيسية للحفل، حيث كان الانفجار، وبعد مسافةٍ غير بعيدة افتقدنا نبيل، وقمنا على الفور بإخفاء كاميراتنا والبحث عن زميلنا.
كان الجنود مشغولون بتغطية ونقل القادة العسكريين المصابين، بينما كنا نبحث عن نبيل، حتى التقينا بأحد الزملاء المصورين الذي أخبرنا أنه كان يلتقط صوراً لنبيل الجنيد وهو مرمي جريحًا على الأرض، يقول اليوسفي.
كانت الدهشة والاستغراب طاغيتان من حديث المصور، الذي تجرأ على التصوير مقابل إهماله بتنفيذ واجبه الإنساني في إنقاذ زميلٍ له، ويؤكد زكي اليوسفي: لم يكن الجنود وحدهم هم من أهمل الجرحى من غير القادة العسكريين، كان بعض الصحفيين منشغلين أيضاً بالبحث عن السبق وتصوير الأحداث.

إقرأ أيضاً  مرصد الحريات يطالب بالكشف عن وضع الصحفيين المخفيين قسرًا

لا توجود سيارة إسعاف
بعد تلقيهم الخبر اندفع زكي وزملاءه إلى حيث مكان الصحفي نبيل الحنيد، ليجدوه مرميًا فاقدًا للحركة نتيجة إصابته بشظيةٍ في ظهره، فقرروا حمله بحثًا عن سيارة إسعاف تنقله إلى أقرب مركز صحي، غير انهم تفاجئوا بخلو القاعدة العسكرية كلها من أي سيارة إسعاف!!.
يشير زكي اليوسفي إلى أن القادة العسكريين والجنود المصابين في الانفجار، تم نقلهم إلى مستشفيات لحج وعدن بالأطقم الأمنية؛ نظرًا لعدم توفر سيارات إسعاف في القاعدة العسكرية.
بطريقةٍ أو بأخرى، تم نقل الصحفي نبيل الجنيد، والصحفيَين الآخريَن المصابَين في الحادث، محمد النقيب ومحمد عوض، إلى مستشفيات عدن، بفضل زملاءهم المتواجدين معهم، دون أن يهتم بهم أحدٌ من القيادات العسكرية أو حتى الجنود.
مؤكدًا أن الجنيد وبقية الصحفيين المصابين يخضعون للعلاج على نفقة وزارة الدفاع، بحكم تواجدهم في حفلٍ خاص بالوزارة.

احترازات ضعيفة
يقول مراسل قناني اليمن والشرعية، صادق الرتيبي، (للمشاهد): كان انعدام سيارات الإسعاف في القاعدة، وأثناء حفل عسكريٍ ضخمٍ كهذا أمراً مستغرباً ومستهجنًا، وهو ما يؤكد ضعف الاستعدادات الأمنية والاحترازية، وإجراءات تأمين القادة العسكريين رفيعي المستوى في الجيش الوطني، والمحسوبة على الحكومة .

بيئة غير ملائمة
“لم يأبه أحدٌ بالصحفي المرمي تحت كراسي الحفل العسكري، كان مجرد صحفيًا في أعين الجميع، حتى أن بعض الصحفيين كان مستمرًا في البحث عن لقطاتٍ وصورٍ حصرية على حساب إنسانيته وواجبه”، يقول الصحفي ماجد العدني.

وضعٌ مخيف
الانتهاكات التي يتعرض لها صحفيو اليمن، تفاقمت خلال الحرب، وفق تقارير 2018، الصادرة عن المؤسسات الصحفية المختصة.
حيث أوضح مرصد الحريات الإعلامية في تقريره السنوي للعام الماضي، أن تزايد الانتهاكات الممارسة ضد الصحفيين من قبل كافة الأطراف في اليمن، بدرجاتٍ متفاوتة، خلقت بيئةً خطرة جعلت من مهنة الصحافة الأكثر خطرًا في اليمن، وأعاقت ممارسة الصحفيين لعملهم بحرية، وأمان، في نقل الأحداث والوقائع.
وسجل المرصد، التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، 144 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية في اليمن، منها 12 حالة قتل تعرض لها صحفيون، خلال 2018 فقط، بالإضافة إلى 43 حالة اختطاف ومحاولة اختطاف، و11 حالة إصابة، و16 اعتقال، و9 حالات فصل عن العمل.
وأكد مرصد الحريات الإعلامية في تقريره السنوي أن وضع الصحفيين أصبح مخيفاً جدًا، فقد قُتل 42 صحفيًا خلال عامي 2014 – 2018، إلى جانب اختطاف أكثر من 400 صحفي في نفس الفترة، مازال بعضهم في المعتقلات حتى الآن.

مقالات مشابهة