المشاهد نت

في الذكرى الـ8 لثورة الحرية.. الصحافة اليمنية في مرمى النيران

صنعاء – صلاح الدين نضال:

إذا كانت ثورة الـ11 من فبراير 2011، أحدثت قفزة نوعية في مجال الحريات وحق التعبير عن الرأي، بكسرها حجز الخوف لدى معظم اليمنيين، وإعلائها لقيمة الكلمة في مواجهة القوة والظلم والاستفراد بالسلطة، فإن الفترة اللاحقة من الثورة المضادة أحدثت ردة شنيعة بحق الحريات الإعلامية في اليمن.
وكان الصحفيون في طليعة من أحدث هذا التغيير، سواء من خلال حضورهم في قلب الحدث ومساندته إعلامياً، وإيصال صوت هذه الحدث التاريخي الهام، أو من خلال المشاركة في صنعه.
وقدم الصحفيون اليمنيون في ثورة فبراير، 5 صحفيين ومصورين شهداء استهدفتهم بنادق القناصين، لحجب الحقيقة، ولإقصاء الشهود، فتعمدت الحقيقة بدماء الزملاء: جمال الشرعبي، حسن الوظاف، عبد المجيد السماوي، عبد الحكيم النور، وفؤاد الشميري. ناهيك عن عشرات الجرحى والمعتقلين.
ونحن نحتفي بالذكرى الـ8 لثورة فبراير، تظهر الصورة أكثر قتامة، بعد أن كان الإعلام والصحفيون هدفاً رئيسياً لأطراف الحرب في اليمن.
وبحسب تقارير نقابة الصحفيين اليمنيين، فإن عدد من استشهدوا من الصحفيين منذ العام 2011 وحتى اليوم، بلغ 41 صحفياً ومصوراً وعاملاً في مجال الإعلام، منهم 34 صحفياً قتلوا منذ بداية الحرب وحتى الآن، و5 قتلوا في العام 2011، وصحفيان قتلا قبل الحرب.
قصص مؤلمة لصحفيين فقدوا حياتهم من أجل الحقيقة وقداسة مهنتهم، وهنا تتجلى فدائية المصور محمد اليماني الذي فقد في هذه الحرب.
كعادته، كان محمد يتنقل في مدينة تعز من منطقة لأخرى، لتغطية المواجهات الدائرة هناك، هو و4 من زملائه المصورين والصحفيين، لكنهم كانوا يومها هدفاً لقناص حوثي وجه رصاصته تجاههم، ليستشهد محمد ويصاب زملاؤه.
قدم محمد اليمني روحه فداء لمهنته وحرصه على تقديم المعلومات، لكن حقوقه بعد مقتله صارت مهدورة. فلا حقوق مادية ولا تأمينية على حياته، كغيره من الصحفيين والمصورين اليمنيين الذين يعملون بلا تأمين على حياتهم أو عقود عمل تحفظ حقوقهم.
منذ ثورة الشباب 2011، وعدسة اليمني كانت توثق مراحل هامة من تاريخ اليمن، لكن رحيله أفقد الناس عدسة كانت غالباً في أماكن الحدث والخطر، ليترك أطفالاً بلا أب، يواجهون مصيراً مجهولاً في ظل غياب ضمانات حقيقية لحقوق الصحفيين.
محمد واحد من 34 صحفياً استشهدوا منذ 2015 حتى اليوم، أثناء تغطية الحرب في اليمن، سواء برصاص وقذائف الحوثيين، أو بقصف طيران التحالف العربي، حسب تقارير نقابة الصحفيين، وغيرهم العشرات من المصابين الذين تعرض بعضهم لإعاقات جسدية.
هكذا هو وضع الصحفيين اليمنيين، الذين يعملون بلا عقود عمل أو تأمين على الحياة أو تأمين صحي، في حكاية محزنة عنوانها استغلال أوضاع الصحفيين البائسة، وضعف البنية الصحفية والإعلامية في البلد.
لقد كشفت الحرب الدائرة في اليمن، مأساة الصحفيين، وسلطت الضوء على ظروفهم المهنية والمعيشية القاسية، وعلى حجم الاستهتار بالحقوق الأساسية لأبناء هذه المهنة التي طالما شكلت مرآة للمجتمع.
صورة أخرى لمعاناة الصحفيين، تتجسد بقصة أحمد، الصحفي في صحيفة حزبية، والذي اضطر للعودة إلى قريته، بعد أن أغلقت صحيفته، وأعلنت عدم قدرتها على دفع مستحقات العاملين فيها، وهم من يعملون فيها بأجور متدنية وبلا عقود عمل، بحجة عدم قدرتها على دفع مرتبات العاملين فيها، شأنها شأن العديد من وسائل الإعلام، لتتواصل معاناة الصحفيين.
وفي ظل ظروف معيشية صعبة في المدينة، اضطر أحمد للعمل في أعمال حرة وشاقة، بغية توفير الحد الأدنى من مستلزمات أسرته النازحة.
صاحبت هذه الحرب المشؤومة، سياسة عدائية تجاه الصحافة والصحفيين، حيث صار الصحفيون وعدساتهم هدفاً رئيسياً لأطراف الحرب، فأغلق الانقلابيون الحوثيون عشرات القنوات والصحف، وطاردوا عشرات الصحفيين، واستولوا على المؤسسات الإعلامية بقوة السلاح.
ولعل الأرقام خير شاهد على ضراوة هذه الحرب، عندما نعرف أن الحريات الإعلامية في اليمن تعرضت لـ1050 حالة انتهاك منذ مطلع العام 2015 وحتى نهاية العام 2018م، حسب تقارير النقابة، تورطت في أغلبها جماعة الحوثي، ومن ثم الحكومة والتحالف العربي.
ومن بين 317 حالة اختطاف واعتقال طالت الصحفيين منذ بداية الحرب، لايزال هناك 17 صحفياً في معتقلات الحوثي، تعرضوا للتعذيب والإخفاء والحرمان من حقوقهم في التطبيب والزيارة، وكذا الاعتقال في أماكن لائقة.
ولم تتوقف الحرب على الاعتداءات على الصحفيين وملاحقتهم، وإيقاف وسائلهم الإعلامية ورواتبهم، وقتلهم والتنكيل بهم، بل توسع هذا الاستهداف لحجب المواقع الإلكترونية، ما مثل حجباً للمعلومات.
وتفيد الإحصائيات أن جماعة الحوثي التي سيطرت على وزارة الاتصالات، حجبت حوالي 180 موقعاً إخبارياً محلياً وعربياً ودولياً، منذ العام 2015، كما قامت بتبطيء الإنترنت، وحجب عدد من التطبيقات الاجتماعية لمدد محددة، مثل التيليجرام والواتساب، ناهيك عن حالة الرقابة الشديدة على خطوط الإنترنت للصحفيين والناشطين.
تتسع مأساة الإعلاميين في اليمن؛ فمن نجا من الموت، تتجاذبه مآسي الاعتقال والمطاردة، أو التشرد خارج البلد، أو فقدان العمل.

مقالات مشابهة