المشاهد نت

يمنيات يبرعن في مجال الأعمال في زمن الحرب

صنعاء – فارس قاسم :

في مجتمع ذكوري ومحافظ كاليمن، لا يبتلع الناس فكرة نجاح النساء في مجال الأعمال، وقيامهن بتأسيس مشاريع خاصة بهن.
وتروي نساء لـ”المشاهد” كيف استطعن من خلال مشاريعهن الصغيرة، النجاح، ومنح فرص عمل لغيرهن من النساء والرجال، وسط تحديات كثيرة، أبرزها العنف والحرب الدائرة هناك منذ أكثر من 4 أعوام. ومنهن ابتسام الشرجبي (42 عاماً)، التي لم تستسلم لظروف النزوح التي عايشتها منذ أن أجبرت على مغادرة منزلها في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، منذ نحو عامين، قبل أن تتوفق في تأمين مصدر رزق لها ولأسرتها المكونة من 7 أولاد وبنات وزوجها.

مشاريع ناجحة

واضطرت المرأة الطموحة التي تتكفل برعاية أسرتها، للنزوح إلى العاصمة صنعاء، بعد أن توقف صرف راتبها وراتب زوجها الحكومي (معلمين)، واشتداد المعارك الدامية في مدينة تعز المضطربة.
وتقول الشرجبي لـ”المشاهد”: “في البداية سكنت مع أبنائي لأيام عند أقاربي، ثم في منزل بالإيجار، بحكم أن أسرتي كثيرة العدد، وواجهت صعوبات كثيرة في الإنفاق على أطفالي، وسداد الإيجار”.
ابتسام، التي تحمل مؤهلاً جامعياً في مجال التربية، وعملت معلمة في تعز لمدة 30 عاماً، تقدمت بطلب إلى مديرة إحدى المدارس، للعمل معلمة، بحكم تخصصها، بعد أيام من وصولها صنعاء. لكن طلبها رفض بسبب كثرة المعلمات في تلك المدرسة، الأمر الذي دفعها إلى البدء بمزاولة مهنة شراء وبيع ﺍﻹﻛﺴﺴﻮﺍﺭﺍﺕ للطالبات في المدرسة، قبل أن تتحول إلى بيع السندوتشات والعصائر في المكان ذاته، كما تقول.
بالتزامن مع عملها ذاك، التحقت بمنظمة مجتمع مدني، وتعلمت كيفية تحضير البخور والعطور، وحازت على المركز الأول بين المتدربات (قبل عام)، وتم تكريمها بسلتي بخور وعطور، بدأت بهما مشروعها الجديد.
وتحولت، بعد ذلك، إلى مدربة في المنظمة ذاتها، تساعد النساء على كيفية إعداد البخور والعطور.
وتقول الشرجبي: “أصنع الآن مختلف أنواع البخور والعطور، وبجودة عالية جداً. نستخدم في صناعته العود والأخضرين ومواد نباتية أخرى وفيتامينات وزيوتاً”.
وأسست ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﺟﺪﻳﺪﺓ، بقروض ميسرة، ودعم شخصي. فقبل شهرين افتتحت عيادة طبية متكاملة لابنتها التي تخرجت حديثاً بدرجة بكالوريوس تخصص صيدلة وتمريض.
وأحدث مشاريعها هو محل صغير لبيع الشبس (بطاطس)، يعمل فيه اثنان من أبنائها، مع الاستمرار في بيع سندوتشات وعصائر في إحدى المدارس بصنعاء، عبر رائدات الفصول، لانشغالها بمشاريعها الأخرى، بحسب ما روت.
وتضيف: “تحسنت أوضاعنا المادية والمعيشية أكثر مما كنا نتوقع من خلال جني أرباح جيدة. ساعدت زوجي في رعاية وعلاج ابنتنا البكر المعاقة حركياً وذهنياً، والإنفاق على ﺃﺑﻨﺎﺋﻨﺎ ﻭﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ. نجحت في حياتي الزوجية وأعمالي. كنا نعيش بسبب الحرب في مأساة”.
وتطمح الشرجبي أن تتوسع مشاريعها وتكبر، وأن “أفتتح مركزاً طبياً ضخماً، سأخصص جزءاً منه للجانب الخيري، وسأوفر عشرات فرص العمل”.

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

قصة نجاح

يقوم مشروع “ستايل للتحف اليدوية” الذي أطلقته أمة الإله عبدالله، منذ حوالي عام، على إنتاج حقائب ومحافظ يد وميداليات وسلل وتحف وهدايا يدوياً، جميعها مستوحاة من الفنون اليمنية.
أمة الإله، لم يمنعها عدم التحاقها بالتعليم، من أن تصبح مالكة مشروع صغير، وبجهد شخصي بات مصدراً أساسياً لدخلها وأسرتها، التي تضررت كثيراً بسبب الحرب الدائرة في اليمن، قبل أن تتحسن أوضاعهم من خلال هذا المشروع.
وتقول أمة الإله لـ”المشاهد”: “في البداية هناك من راهن على فشلي، وانتقدوا كيف يمكنني كامرأة أن أصنع من أشياء بسيطة يدوياً أشياء جيدة وصالحة للاستخدام، ناهيك عن التسويق وغيره، بمن فيهم أسرتي”.
وتوضح أنها تدربت في مؤسسة كل البنات (منظمة مدنية) وغيرها، وبدأت بأشياء بسيطة، حتى نجحت وتخطت كل هذه التحديات.
وتسوق أمة الإله منتجاتها عبر عرضها على مراكز تسوق وغيرها في صنعاء، بمساعدة شقيقتها. لكن “نحتاج فعلاً إلى اهتمام حكومي وخاص لتسويق منتجاتنا. لا أحد مهتم بنا حتى الآن”.
وتؤكد أن عمل المرأة ليس عيباً، بل ضروري لمساعدة زوجها في الإنفاق على الأسرة، وتحقيق اكتفاء ذاتي.
وتعتقد أن أمام اليمنيات فرصاً كثيرة لتأسيس مشاريعهن الخاصة، “يجب أن يعملن بمشاريع لا تتنافى وعاداتنا وتقاليدنا، على الأقل يتعلمن حرفاً يدوية”.

روضة أطفال

ذكرى سعد (39 عاماً)، أم لـ3 أطفال، هي الأخرى أطلقت مشروعها الخاص منذ حوالي عامين، وهو عبارة عن “روضة أطفال”، بمديرية شبام كوكبان بمحافظة المحويت، التي التحق فيها، خلال عامين، عشرات الأطفال، وتعمل في روضتها 3 معلمات حالياً.
ذكرى، التي تخرجت من جامعة صنعاء، عام 2001، بدرجة بكالوريوس تربية قسم الأحياء، توقف راتبها في مدرستها الحكومية، كما توقف راتب زوجها الذي توفي عام 2011، بحادث مروري. وتقول لـ”المشاهد”: “غياب بيئة تعليمية مهيأة في منطقتي، دفعني لافتتاح مشروع روضة مميزة للأطفال. الحمد لله، جميع من تخرجوا منها حققوا مراكز متقدمة بين زملائهم في المراحل اللاحقة، سواء في مدارس خاصة أو حكومية”، مضيفة أن مشروعها فتح لها آفاقاً واسعة، بينها العمل كمدربة نفسية للأطفال، فضلاً عن التحاقها ببرنامج تدريبي “البرمجة الإيجابية”، بهدف تدريب المعلمات حول كيفية التعامل مع الأطفال والطلاب.
وتوضح بالقول: “أولياء الأمور يطالبونني الآن بافتتاح مدرسة خاصة، نظراً لجودة التعليم في روضتي، وهذا ما أسعى إليه. سأخصصها للتلاميذ من الصف الأول وحتى السادس، وستكون مختلفة، لأن هدفي الرئيس تغذية الأطفال بشكل جيد فكرياً وتعليمياً وعاطفياً وجسدياً، خدمة لهم ومجتمعاتهم وللوطن عموماً، حتى يكونوا أسوياء، بعد أن أثرت الحرب عليهم”.

مقالات مشابهة