المشاهد نت

قبيلة في مأرب تعيش في العراء

مأرب – عارف الواقدي:

 

في إحدى القرى السكنية بمديرية مجزر الواقعة غربي محافظة مأرب، يمر عيسى (11 عاماً)، ظهيرة كل يوم، بجانب كومة كبيرة من الدمار، يجلس على إحدى الأحجار المتناثرة من بقايا منزله، شارداً ببصره وتفكيره اللامحدود.
اعتاد عيسى، على الجلوس يومياً، بعد عودته من مدرسته، على هذا الكوم الهائل المتبقي من منزله المدمر على يد جماعة الحوثي، قبل 4 سنوات.
ولم يكن منزل عيسى الواقع في منطقة حصون آل حميضة، بمديرية مجزر، الحدودية مع محافظة الجوف، هو المنزل الوحيد الذي دمرته جماعة الحوثي، بل واحد من 80 منزلاً في القرية، بينها 3 منازل تعود لملكيته، بحسب ما يقول والده، حمد بن محمد العكيمي آل حميضة، لـ”المشاهد”.

قرية مدمرة والأهالي بالعراء

ويقول حمد، إنه بعد المواجهات العنيفة التي خاضها مع الحوثيين، واستمرت لأكثر من 3 أشهر، نهاية العام 2014، باغتهم الحوثيون في إحدى الليالي، وأجبروهم على النزوح من قريتهم، وقاموا خلالها بتفجير 80 منزلاً، 60 منزلاً منها دمرت بقذائف الدبابات، و20 آخرين بالديناميت، إضافة إلى نهب محتويات وممتلكات المواطنين.
أهالي المنطقة، تحدثوا لـ”المشاهد” عن وقفات احتجاجية مستمرة قاموا بتنفيذها، تطالب الحكومة الشرعية والتحالف العربي بلفت النظر إلى معاناتهم ومنازلهم المدمرة، ونهب ممتلكاتهم من قبل الحوثيين، وحرمانهم من أي تعويض أو إعادة إعمار أو مشاريع أو مصالح خدمية في المنطقة التي تفتقر لأبسط الخدمات الضرورية، لكن دون فائدة.
علي آل حميضة، أحد أبناء القبيلة، يقول لـ”المشاهد” إن ظروف الحرب الصعبة التي خضناها ضد الحوثيين أجبرتنا على ترك بيوتنا وأملاكنا في منطقتنا حصون آل حميضة، نهاية العام 2014، وكنا ننتظر العودة بفارغ الصبر إليها، وعند تحريرها من الحوثيين، “كنت من أوائل من دخل إلى القرية، وصدمني ما رأيته من دمار للمنازل والأبنية، والتي كان من ضمنها منزلي”، مضيفاً: “وصلت إلى منزلي، وكانت الصدمة الكبرى، فلم أجد منه إلا ركاماً وأحجاراً، إضافة إلى قيام الحوثيين بنهب كافة ممتلكاتنا من سيارات وحراثات وغيرها”.

منطقة مفخخة

وفي جولة لـ”المشاهد” في المنطقة، اطلع خلالها على العديد من مشاهد ضحايا الألغام من أبناء المنطقة، بينهم امرأة تدعى “س.م. آل حميضة” (50 عاماً)، أدى لغم أرضي زرعته جماعة الحوثي في المنطقة، إلى بتر قدميها.
وتقول “س.م” إن لغماً أرضياً انفجر بسيارة كانت على متنها برفقة عدد من أبنائها، أدى إلى إصابتها وبتر رجليها، إضافة إلى استشهاد أحد أبنائها وإصابة آخر.
وأوضح العديد من سكان القرية أنهم فوجئوا بعد تحرير منطقتهم وعودتهم إليها، بآلاف الألغام المزروعة في الطرقات والمنازل، تسببت باستشهاد أكثر من 7 من أبناء المنطقة، علاوة على إصابة آخرين، والتسبب بإعاقات لأكثر من 15 آخرين، بينهم نساء وأطفال، ومنهم علي الذي هاله منظر قريته عقب عودته إليها.
وضع إنساني صعب تعيشه أسر وسكان القبيلة، خصوصاً أن معظم أفرادها يعيشون بدون أطراف، جراء الألغام والعبوات الناسفة التي خلفتها جماعة الحوثي، إضافة إلى الإصابات المتعددة والمتنوعة للأسر في كافة الفئات العمرية بالقذائف والصواريخ، والذين مايزال معظمهم يعانون ويتألمون دون أية لفتة إنسانية ومسؤولة من الجهات الحكومية، وفق ما وثقه “المشاهد”.

إقرأ أيضاً  مشكلة الأرقام المؤقتة للوحات المركبات بتعز

رسائل للحكومة والسلطة المحلية

في بيان لأبناء القبيلة، وجهوا من خلاله رسائل هامة للحكومة ومحافظ المحافظة اللواء سلطان بن علي العرادة، تضمنت دعوتهما إلى الاحتكام لما وصفته بالضمير والمسؤولية تجاه مواطنيهم من أفراد وأبناء القبيلة الواقعة في مديرية مجزر، لما لحق بهم من أضرار جسيمة وكلية في منازلهم وممتلكاتهم وأرواحهم جراء الحرب التي شنتها عليهم جماعة الحوثي على القرية.
ولفت البيان إلى أن القبيلة قدمت تضحيات كبيرة في مواجهة الحوثيين، مقدمة أكثر من 30 شهيداً من أبنائها، ونحو 50 جريحاً، منهم ما يقارب 20 معاقاً، غير أن الحكومة والسلطة المحلية، بحسب ما يؤكد أبناء القبيلة، لم تبديا أي اهتمام بما قدمه أبناء هذه القبيلة من تضحيات في التصدي لزحوف الحوثيين.
ويؤكد أبناء القبيلة في بيانهم أن عشرات المنازل الأخرى من منازلهم بعد تضررها بقصف الحوثيين، لم تعد صالحة للعيش جراء القذائف التي هدمت أجزاء رئيسية منها.
ويعيش أبناء قبيلة آل حميضة مصاباً مؤلماً لما لحق بهم من أضرار لا تحصى، إضافة إلى ما عمدت إليه جماعة الحوثي أثناء مقاومتهم لاجتياحها في الثلاثة الشهور الأولى من القتال، مع أضرار نفسية لعدم التفات السلطة المحلية لهم في محافظة مأرب، وفق ما جاء في بيانهم، مشيراً إلى أن الناس في القرية يلتحفون بالعراء جراء تدمير منازلهم الواقعة بين مناطق الأشراف، والجدعان.
وأشار البيان إلى أنه ورغم الدعوات المستمرة منذ أن حررت مناطق المديرية قبل 3 أعوام، للجهات المختصة والمعنية، بوقف نزيف أبنائها، كأقل واجب ومسؤولية إنسانية ووطنية، إلا أنهم لم يتلقوا أية استجابة تذكر سوى وعود شفهية، وفقاً لما يقولون -“لن تقينا وأطفالنا قسوة الطقس ولهيب الصحارى”.

الحياة في الخرابة

لم تكن معاناة العيش في العراء بعد فقدانهم منازلهم التي فجرها الحوثيون، هي المعاناة الوحيدة التي يعيشها أبناء قبيلة آل حميضة، فحسب، بل إن معاناتهم تتواصل بافتقادهم أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ويجدون صعوبات كبيرة في تأمين منازل لهم، إضافة إلى انعدام توفر المياه، والصحة والتعليم، والكهرباء، بحسب حمد وعلي.
ووضع أهالي المنطقة هذه الخدمات في أولى قائمة مطالبهم التي وجهوها للحكومة والسلطة المحلية والتحالف العربي والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، التي أكدوا أنهم لم يروا منها شيئاً سوى الحديث فقط، كما يقول علي آل حميضة.
يذكر أن قبيلة حصون آل حميضة، من أولى المناطق في مديرية مجزر، بمحافظة مأرب، التي خرجت ضد جماعة الحوثي، وشهدت خلال تلك الفترة معارك عنيفة استمرت 3 أشهر، قبل أن تتمكن جماعة الحوثي من مباغتة القبيلة ليلاً، من اتجاه محافظة الجوف المجاورة، نزح على إثرها أهالي القبيلة، تاركين خلفهم كل ممتلكاتهم، ومن ثم عادوا إلى مواجهة الحوثيين مرة أخرى، وتحرير منطقتهم والعودة إليها، مطلع العام 2016.

مقالات مشابهة