المشاهد نت

الطرقات المغلقة بتعز تضاعف معاناة مرضى الكلى.

تعز – وفاء المطري : 

يقطع خالد عبدالحميد (52 عاماً) 94 كم من مدينة المخا الساحلية الواقعة غرب محافظة تعز، إلى وسط المدينة، من أجل جلسة غسيل في قسم الفشل الكلوي بهيئة مستشفى الثورة الحكومي بتعز، لكنه لا يحصل على علاج مجاني مكتمل، إذ يتوجب عليه شراء الدم الكافي في بعض المرات، لكي يتمكن من إجراء الغسيل، الذي تفتقده المركز الصحية في مدينته.
في كل مرة يضطر خالد للمجيء إلى مستشفى الثورة، سيقطع المسافة ذاتها في ظل استمرار الحصار على مدينة تعز من قبل مسلحي جماعة الحوثي، وإغلاق المنفذ الغربي المؤدي إلى وسط المدينة، حيث كان يمر قبل اندلاع الحرب في العام 2015.
تكاليف كبيرة يتكبدها الرجل، عند سفره، عبر طرق أخرى، أكثر أمناً، كما يقول لـ”المشاهد”، مضيفاً أنه يحتاج 30 ألف ريال يمني (45 دولاراً) تكاليف المواصلات فقط في المرة الواحدة، بشكل أسبوعي، ما يجعله يبقى في مدينة تعز لأشهر نتيجة لحاجته للغسيل الكلوي الأسبوعي.
وتبقى عائلته المكونة من 6 أبناء بينهم 4 إناث، وزوجة، طوال فترة غيابه، دون مصاريف يومية، وهو ما يضاعف من معاناته كلما داهمته الحاجة للغسيل، وفق ما يقول.
ويتابع بألم: “نخسر ما فوقنا وما تحتنا من أجل تكاليف المواصلات، وأحياناً تكون الطرق مغلقة بسبب الاشتباكات التي تندلع بين الحين والآخر، ولا نتمكن من الوصول إلى مدينة تعز، بسببها”.

الطرقات مغلقة

رفيق خالد في المرض والسفر، حسن ناجي، يعيش نفس الألم، والمعاناة الأسبوعية التي تحرم عائلته من الطعام، لكي يحصل على جلسة غسيل كلوي في مستشفى الثورة الحكومي بتعز، بعد أن يتكبد عناء السفر من مدينة المخا إلى وسط مدينة تعز، وينفق الكثر من المال نتيجة الحصار الجائر على المدينة منذ 4 أعوام.
وتفتقر مدينة المخا التي تقع على ساحل البحر الأحمر، لمركز غسيل كلوي في مراكزها الصحية المتواضعة.
وشهدت المدينة حرباً ضروساً بين القوات الحكومية وعناصر جماعة الحوثي التي كانت تسيطر على المدينة، أفضت إلى سيطرة القوات الحكومية عليها مطلع العام 2017.
ويقع في مدينة المخا، أقدم ميناء على مستوى شبه الجزيرة العربية، ومثلت شريان تعز البحري إلى العالم، الذي كان يصدر البن اليمني عبره.
وعزلت جماعة الحوثي مدينة تعز عن بقية مدنها والكثير من مناطقها الريفية، منذ العام 2015، ما صعب على السكان التنقل بين مناطقهم، ومدينتهم، التي لم تكن تبعدهم سوى ساعة واحدة على أكثر تقدير في الأوقات الطبيعية.
ساعات طوال يقضيها السكان في قطع الطرقات حتى يصلوا إلى مدينة تعز، فيما يموت بعض المرضى قبل الوصول إليها، بسبب عدم وجود طرقات بديلة.
وضرب محافظة تعز وباء الكوليرا مؤخراً، ليضاعف من معاناة سكانها، ويزيد من شتاتهم المستمر حتى اللحظة.

معاناة في مشافي المدينة

وفوق هذا وذاك، تبرز مشاكل أخرى في المشافي التي يقصدونها وسط مدينة تعز، كما هو الحال مع خالد وحسن، اللذين يخشيان من توقف قسم غسيل الكلى بهيئة مستشفى الثورة الحكومي، عن العمل، علماً أنه القسم الوحيد الذي يستقبل حالات من محافظة يصل تعداد سكانها 3 ملايين، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء.
وهو ما يخشاه الدكتور أحمد أنعم، رئيس هيئة مستشفى الثورة الحكومي بتعز، مؤكداً لـ”المشاهد” أن الهيئة تعاني من الكثير من الصعوبات في ظل الحرب والحصار الذي تعيشه المدينة، والمتمثلة بتوقيف الميزانية التشغيلية السنوية منذ منتصف 2016م، والمقدرة بمليار ونصف، والتي لم تصل منها عدا 44 مليوناً، تم توظيفها لصالح الجرحى المدنيين والعسكريين الذين تقدم لهم كافة الخدمات بصورة مجانية، في حين أن الإيرادات الشهرية للهيئة لا تفي بتوفير المشتقات النفطية والمستلزمات الطبية الضرورية لاستمرار عمل الأقسام بالهيئة.
وأحدث الاحتياج القائم بالجانب الصحي في المحافظة، فجوة حقيقية تسببت في تعرض حياة الكثير من أبناء المحافظة للخطر أو الوفاة.
وكانت الهيئة تعمل قبل الحرب بطاقم صحي قوامه 740 موظفاً، لكنه تضاءل إلى 450 موظفاً من أطباء وأخصائيين وممرضين وإداريين، خلال فترة الحرب.
واستقبلت الهيئة ربع مليون مواطن مستفيد، قدمت لهم كافة الخدمات الطبية اللازمة، من أدوية وعمليات كبرى وصغرى وجراحة مختلفة، بحسب الدكتور أنعم، مشيراً إلى أن هناك أقساماً توقف عملها وأغلقت، منها قسم الباطنية وقسم الولادة، نتيجة التدمير الذي طال المستشفى بسبب قصف جماعة الحوثي، وعدم وجود استشاريين وأطباء متخصصين، ناهيك عن نقص بالمستلزمات الطبية الخاصة بالهيئة.
ويعاني موظفو الهيئة من انقطاع رواتبهم وعدم صرفها بصورة مستمرة، ما يدفعهم إلى تنفيذ العديد من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقوقهم، ناهيك عن الإجراءات التعسفية وسياسة التخويف والتجويع، وإحالة كل من يطالب بحقوقه إلى الشؤون القانونية، بحسب تأكيد عبدالسلام الهمداني، رئيس نقابة هيئة مستشفى الثورة بتعز، لـ”المشاهد”.

إقرأ أيضاً  نوران.. رفض القيود المجتمعية 

الدعم لا يكفي

يناشد حسن المنظمات الدولية فك حصار المدينة، وتوفير ما تحتاجه المستشفيات، حتى لا تتوقف عن تقديم الخدمات الصحية للمرضى.
وتعمل الهيئة حالياً بدعم من المنظمات الدولية، مثل “أطباء بلا حدود” ومركز الملك سلمان، من خلال تقديم الدعم لقسمي الطوارئ والعمليات، وقسم العظام الذي خصص له مبلغ 120 ألف دولار لعام 2018، ومبالغ أخرى للعلاجات والمشتقات النفطية والمياه، بحسب الهمداني، مشيراً إلى أن الرعاية الطبية والعمليات المجانية تقدم لجرحى الحرب المدنيين والعسكريين فقط، أما المرضى من المواطنين فهم يدفعون تكاليف العلاجات والعمليات باهظة الثمن، وأقل عملية تجرى بتكلفة 200 ألف ريال.
ويلجأ المرضى إلى المستشفيات الحكومية التي يجب أن تقدم لهم الخدمات الطبية بأقل تكلفة من تلك الخاصة، خاصة أن المدينة تمر بظروف معيشية صعبة.
وطالب الهمداني الحكومة والسلطة المحلية في محافظة تعز، بسرعة بإيجاد حلول جذرية للهيئة، وإطلاق ميزانيتها التشغيلية، وتوفير أجهزة طبية حديثة، لتتمكن من القيام بمهامها الطبية والصحية في خدمة المرضى.

مقالات مشابهة