المشاهد نت

المدفعي الأشهر.. قصة تعز مع علي حمود في رمضان

تعز – سالم الصبري:

كانت البهجة والسعادة تغمر وليد علي حمود، في طفولته، حينما كان اسم والده يتردد على ألسنة أطفال مدينة تعز، وهم يرددون قبيل مغرب كل يوم من شهر رمضان، أهزوجتهم المشهورة: “دفِّع، دفِّع يا علي حمود”.
وليد هو نجل المدفعي الأشهر في اليمن “على حمود”، الذي تولى العمل على مدفع رمضان في تعز، لأكثر من 30 عاماً، كما قال لـ”المشاهد”، مضيفاً أنه يفخر كثيراً بعمل والده الذي كان يؤدي وظيفة مهمة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بشهر رمضان المبارك وروحانيته.
وكان والد وليد يستمتع جداً بعمله في مدفع رمضان، كونه يبث البهجة والسرور في قلوب سكان مدينة تعز، خصوصاً الأطفال.
بدأ المدفعي علي حمود صالح البلطة، المشهور بـ”علي حمود”، عمله في مدفع رمضان، في عهد الإمام أحمد حميد الدين، الذي عينه في تولي هذه الوظيفة في “أكمة العكابر” بمنطقة العرضي، قبل قيام الثورة اليمنية 1962، بحسب نجله وليد.
ويضيف وليد: “انتقل عمل المدفع إلى قلعة القاهرة التاريخية المطلة على مدينة تعز القديمة. وفي 1983 انتقل مدفع رمضان إلى منطقة الكريفة بجبل صبر، وهي مرتفع يعلو قلعة القاهرة التاريخية من جهة الجنوب، وذلك بعد شكوى عدد من السكان المجاورين للقلعة من أن الصوت القوي للمدفع يتسبب لهم بأضرار في المنازل.

المدفعي الأشهر.. قصة تعز مع علي حمود في رمضان

قصة رمضان مع المدفع

يستخدم مدفع رمضان، للإعلان عن موعد الإفطار، وإخبار العامة عن هذا الموعد. وهو تقليد متبع في العديد من الدول الإسلامية، بحيث يقوم جيش البلد بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية لحظة مغيب الشمس، معلناً فك الصوم خلال شهر رمضان.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن المسلمين في أيامهم الأولى، كانوا يأكلون ويشربون من الغروب حتى وقت النوم، وعندما بدأ استخدام الأذان اشتهر بلال وابن أم مكتوم بأدائه.
ومع تزايد الرقعة المكانية للإسلام، حاول المسلمون أن يبتكروا الوسائل المختلفة، إلى جانب الأذان، للإشارة إلى موعد الإفطار، إلى أن ظهر مدفع الإفطار إلى الوجود.
كانت القاهرة، عاصمة مصر، أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان. فعند غروب أول يوم من رمضان عام 865هـ، أراد السلطان المملوكي خشقدم أن يجرب مدفعاً جديداً وصل إليه. وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذاناً بالإفطار.
بعدها بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الشام أولاً؛ القدس ودمشق، ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد، في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان، وحتى دول غرب أفريقيا، مثل تشاد والنيجر ومالي، ودول شرق آسيا، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونيسيا سنة 1944، وفق ما تناقلته الكتب التاريخية.

إقرأ أيضاً  بعد مرور عام من الوساطة الصينية بين السُّعُودية و إيران، أين يسير اليمن؟

طقس رمضاني

ارتبط مدفع رمضان بفترات زمنية كانت وسائل التواصل بين الناس فيها شبه معدومة. فكان المدفع هو الوسيلة المثلى حينها في تنبيه الصائمين بمواعيد الإفطار والإمساك، بحسب أحمد ناصر، صاحب منزل مجاور لموقع المدفع، مؤكداً لـ”المشاهد” أنه لم يعد هناك أية أهمية لعودة مدفع رمضان للعمل، بعد أن أضحت أصوات مدافع المتحاربين في تعز تقلق سكان المدينة، وبالتالي لن يكون لمدفع رمضان تلك الأهمية والحميمية التي كانت راسخة في أذهان الناس في العقود الماضية.
لكن وليد علي حمود يؤكد على ضرورة عودة مدفع رمضان، باعتباره يمثل تراث وحضارة تعز.
وارتبط شهر رمضان في العالم الإسلامي، ومنه اليمن، بطقوس متعددة تميز رمضان عن غيره من الشهور، ومن هذه الطقوس مدفع رمضان الذي يبلغ الناس بمواعيد الإفطار والسحور والإمساك، منذ عقود من السنين، بحسب عبدالقدوس أسحم، مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف بتعز، مشيراً في حديثه لـ”المشاهد” إلى أن مدينة تعز واحدة من المدن التي حافظت على هذه الطقوس الرمضانية، وأهمها مدفع رمضان الذي ظل لسنوات طويلة ينطلق من قلعة القاهرة التاريخية، في كل يوم رمضاني، ليبلغ سكان مدينة تعز وضواحيها بمواعيد الإفطار والإمساك، مشيراً إلى أن هيئة الآثار تنظر لمدفع رمضان باعتباره جزءاً من تاريخ وتراث مدينة تعز، ينبغي الحفاظ عليه وإعادته للعمل، لكن توقيت عودته يعتمد على استقرار الأوضاع الأمنية في المدينة.

الصيانة والموقع المناسب

ظل علي حمود في وظيفته في مدفع رمضان، حوالي 30 عاماً، كان آخرها في 1989، قبل أن يتوفى، ليخلفه في عمله زميله أحمد الحجابي، كما يقول وليد.
واستمر المدفع بالعمل من منطقة الكريفة حتى توقفه نتيجة الحرب التي شنها مسلحو جماعة الحوثي على محافظة تعز.
وبحسب الناشط الحقوقي رضوان سعيد، فإن الحرب على تعز تسببت في إيقاف هذه العادة الرمضانية الجميلة، واستبدلت مدفع رمضان الذي كان يزف البشرى للصائمين في الحالمة تعز، بمدافع الموت والخراب التي أوغلت في قتل أبناء هذه المدينة وسفك دمائهم وتشريدهم في جميع أرجاء المعمورة، كما يقول لـ”المشاهد”.
وبعد توقف مدفع رمضان في مدينة تعز، لسنوات مضت، نتيجة لعطل، بات بحاجة إلى إعادته للعمل من جديد، وهذا بحاجة إلى تعاون وتنسيق الجهات ذات العلاقة، من أجل إعادة صيانة المدفع، كما يقول أحمد علي جامل، مدير عام مديرية القاهرة بمدينة تعز، موضحاً لـ”المشاهد” بالقول: “ينبغي عند إعادة مدفع رمضان للعمل، مراعاة اختيار الموقع المناسب، بحيث يكون موقعه في مكان بعيد عن الأحياء السكنية، خصوصاً أن الأهالي القريبين من موقع المدفع رفعوا شكاوى عديدة، خلال السنوات الماضية، من تضرر منازلهم جراء قوة انفجار المدفع”.
ويضيف جامل: “مدفع رمضان من الطقوس التي اعتادت عليها مدينة تعز وضواحيها، وله دلالة هامة في تاريخ المدينة”، متمنياً أن يعود المدفع للعمل خلال الأعوام القادمة، وأن يعود معه الأمن والاستقرار والسلام إلى ربوع تعز قبل كل شيء.

مقالات مشابهة