المشاهد نت

مدينة تعز القديمة.. معالم تاريخية تبحث عن منقذ

تعز – هشام المحيا:

منذ قرون عديدة والمدينة القديمة بتعز تروي تاريخ الدولة الرسولية التي أنشئت في النصف الثاني من القرن السابع الهجري. لكن غياب الاهتمام بالحفاظ عليها جعلها تختفي شيئاً فشيئاً، ولم يتبقَّ من معالمها سوى القليل.
ومن هذه المعالم، مسجدا ومدرستا المظفر والمعتبية، التي تحاول منذ سنوات طويلة الصمود وفاء لتاريخ المدينة، غير أنها على ما يبدو في طريقها إلى الزوال، فالإهمال واللامبالاة يجعلانها غير قادرة على البقاء في وجه طغيان عوامل التعرية من جهة، وطغيان الحرب التي أصابتها كثيراً من جهة أخرى.
وأنشأ السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر، وهو أحد ملوك بني رسول، مسجد ومدرسة المظفر، في النصف الأول من حكمه (648هـ/1250م). ومثل العهد الرسولي استثناء لافتاً في تاريخ اليمن الوسيط، حيث كانت تعز حاضرة اليمن الأولى، وفق المصادر التاريخية.
وتعد المدينة القديمة الواقعة وسط مدينة تعز، من أقدم المدن التاريخية في محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، وأكثرها حضوراً على مر تاريخ اليمن القديم والمعاصر.
وتضم المدينة القديمة، التي يسكنها 458 ألف، بحسب آخر نتائج التعداد السكاني الذي جرى في العام 2004، مديريات المظفر والقاهرة وصالة.

مسجد ومدرسة المظفر

وذكر المؤرخ عبدالله بن محمد الحبْشي، في كتابه “حياة الأدب اليمني”، أن عدد المدارس الرسولية بلغ 49 مدرسة، في عدن، وزبيد (تتبع محافظة الحديدة (غربي اليمن)، وتعز، منها مدرستا ومسجدا المظفر والمعتبية.
ويتألف مسجد ومدرسة المظفر من صدر وجناحين، وتغطيه قبة كبيرة مدعمة بعقود، ويقع في جنوب بيت الصلاة فناء مكشوف تحيط به الأشجار، أما المئذنة فتشغل الزاوية الجنوبية الشرقية منه، وعلى امتداد الصحن في الجهة الغربية توجد مجنة (مقابر)، أما الجهة الشرقية للمسجد فقد أزيلت معالمها القديمة.
ويتكون المسجد من طابقين مرتفعين، الطابق الأرضي فيه عدد من الممرات والحجرات التي كانت تستخدم كسكن لطلبة العلم، واستخدمت في فترات لاحقة كمخازن، سقف أحد هذه الدهاليز عبارة عن قبو نصف برميلي الشكل.
ويشغل الطابق الثاني الجامع ومرافقه، المكونة من فناء (صوح) مكشوف تحيط به من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية 3 أروقة؛ ويحيط به من الجهة الشمالية بيت الصلاة.
وتعلو سطح مسجد المظفر 28 قبة، 3 منها كبيرة في الواجهة القِبلية للمسجد، وفق ما جاء في كتاب المؤرخ عبدالله بن محمد الحبْشي، في كتابه “حياة الأدب اليمني”.

تهالك مساجد ومآثر المدينة القديمة

جرت على مسجد ومدرسة المظفر بعض الإضافات والتعديلات خلال العصور المتعاقبة، إذ كانت هذه المنشأة الدينية، محور اهتمام الحكام منذُ إقامتها، وعلى مر العصور المتعاقبة؛ لأنها تقوم بدور الجامع الكبير في المدينة. لكنه يبدو اليوم أكثر تهالكاً عما كان عليه الحال حتى وقت قريب. القباب التي تعلو سطح المسجد لم تعد متماسكة، والسطح تعرض لعوامل التعرية، ما جعله يسرب مياه الأمطار إلى داخل المسجد، كما هو الحال على الجدران، وسطح المسجد، بحسب مشاهدات محرر “المشاهد”.
وقال إمام مسجد المظفر، عبدالرحمن عبدالنور لـ”المشاهد” إن المسجد يعاني من مشاكل كثيرة، أبرزها تآكل سطحه، وتهالك أعمدته، واندثار نقوش قبابه وجدرانه، مناشداً السلطة المحلية سرعة إنقاذ المسجد التاريخي، قبل أن يختفي من الوجود.
الحال نفسه طغى على مدرسة ومسجد المعتبية اللذين أنشأتهما زوجة السلطان الملك الأشرف بن إسماعيل الأفضل، عام 1397م، إذ طمست أغلب نفوشه التاريخية، وتآكلت جدرانه وأرضيته بفعل عوامل التعرية وغياب أعمال الصيانة والترميم، وتحول جانب منه إلى سلة للمهملات، وفق مشاهدات محرر “المشاهد” الذي طاف في المدينة القديمة، موثقاً بالصورة ما آلت إليه حالها اليوم.

إقرأ أيضاً  فتيات في العمل برواتب ضئيلة وساعات طويلة

الحرب تعرقل مشروع الترميم

لم تنجح محاولات ترميم مسجدي المظفر والمعتبية حتى الآن، الأمر الذي قد يجعلهما عرضة للاندثار كلياً، في حال استمر الوضع على حاله.
وقالت مديرة مركز التراث في محافظة تعز، سعاد العبسي، لـ”المشاهد”: “كان قد تم إدراج بعض المواقع ضمن التراث العالمي، وكنا على وشك استقبال وفد للتوقيع على شراكة تشمل الترميم، لكن للأسف انتهى كل شيء بعد أن دخلت تعز في نفق الحرب الذي لا يعلم أحد نهايته”، مؤكدة أن خطة متكاملة وضعت لإعادة ترميم كل المعالم الأثرية في مدينة وريف تعز، بما في ذلك المساجد الأثرية في المدينة القديمة، لكن الحرب قوضت كل شيء.
وجرت آلة الحرب في المدينة القديمة، مطلع مارس 2015، عندما حاولت جماعة الحوثي السيطرة عليها وعلى مواقع أخرى في مدينة تعز، لكن بعد عجزها ذهبت إلى قصف المدينة من مواقعها شرق مدينة تعز (منطقة الحوبان).
ومطلع العام الجاري، تعرضت المدينة ذاتها، ولاسيما مسجدا المظفر والمعتبية، للتأثير، جراء الاشتباكات بين كتيبة أبو العباس (أحد فصائل المقاومة الشعبية بتعز) وبين القوات الأمنية في المحافظة، قبل أن يخرج الأول منها إلى تخوم مدينة تعز جنوباً.

مقالات مشابهة