المشاهد نت

ستة من بين كل عشرة يمنيين عرضة للتنمر: ظاهرة مدمرة نفسياً وقد تفضي للانتحار

صنعاء – علياء يوسف:
عانى مختار الوصابي (31 عاماً) من المضايقات التي تحمل ألفاظاً عنصرية طوال فترة إقامته في مدينة عدن (جنوب اليمن)، والممتدة من 2016 حتى 2018.
ومن المضايقات التي أثرت على نفسيته، لفظ “دحباشي”، كونه ينتمي إلى محافظة ذمار الشمالية، وهو ما يحدث مع العشريني هيثم الضبيبي، الذي يعيش في العاصمة صنعاء من العام 2005، بالكثير من المضايقات، أبرزها يا “ريمي”، نسبة إلى محافظته ريمه (غرب اليمن)، ولكن بلهجة تدل على الدونية والاحتقار، وتارة يطلقون عليه اسم “عربية”، لأنه يعمل في بيع الملابس أو المواد الغذائية على عربية متنقلة، كما يقول لـ”المشاهد”.
ويعد العنف اللفظي، واحدة من ظواهر التنمر الكثيرة، والتي من أبرزها، العنف الجسدي والابتزاز الإلكتروني والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنصرية القائمة على التصنيف المجتمعي والديموغرافي، بحسب منظمة الهجرة الدولية في تقاريرها حول الجندر والقضايا الاجتماعية الحساسة وتصنيفات البنك الدولي.
ويعرف التنمر على أنه تصرف مادي أو معنوي، يصدر من طرف أو كيان، ويلحق الضرر الجسدي أو المعنوي بالطرف الآخر.
وتتعرض الفتيات، والناشطون والصحفيون، للنمر في المجتمع اليمني، الذي يعاني من ويلات الحرب الدائرة، منذ مارس 2015.
وبات هؤلاء، عرضة للتهديد بالقتل والشتم، والقذف، لمجرد إبدائهم الرأي، الذي لا يروق للطرف المعتدي.

التنمر في المجتمع اليمني


تؤكد الدراسة الميدانية “ظاهرة التنمر في اليمن”، التي أجرتها شبكة صحفيي البيانات، خلال الفترة من يوليو 2018 حتى مارس 2019، في 6 محافظات، هي “صنعاء، حجة، الحديدة، حضرموت، عدن، وتعز”، أن التنمر تعددت أنواعه في المجتمع اليمني.
الدراسة التي شملت 150 شخصاً؛ 72 من الإناث، و40 من الأطفال، و32 من الذكور، توصلت إلى أن 29 حالة يعانون من التنمر الجسدي، و102 حالة من اللفظي، و73 من الاجتماعي، و60 حالة من الإلكتروني، و37 حالة من الجنسي، و54 حالة من التنمر العرقي.
ويقول الصحفي محمد الخياط (42 عاماً)، إن حسابه على “فيسبوك”، تعرض للاختراق من قبل جماعة الحوثي، عقب نشره سلسلة منشورات تتحدث عن الجرائم التي ارتكبتها الجماعة في عدة محافظات.
وأضاف: “قبل اختراق حسابي، تعرضت للكثير من الرسائل التي تهددني بالقتل أنا وعائلتي، بالإضافة إلى التعليقات والشتائم التي كانت كثيراً ما تؤثر عليَّ، خصوصاً أمام أولادي. لقد أصابني الأمر بالاكتئاب والخوف الشديد على عائلتي، بعد ذلك تعرض حسابي للاختراق”.
وتعرضت الطالبة في جامعة حضرموت، نسيبة مختار (23 عاماً)، لتهديد وتعنيف متكرر، ومنها تحرش لفظي وجسدي، كما تقول، مضيفة: “أصابني الخوف في أكثر من موقف”.
وقالت: “تعرضت للتحرش اللفظي أنا ومجموعة من الزميلات، الأمر الذي يصيب الكثير بالخوف والامتناع عن أداء الحياة بصورة مستقرة”.


ما هي أسباب التنمر؟


تعيد الدكتورة فاتن عبده محمد، أستاذة الطب النفسي بجامعة صنعاء، أسباب التنمر، إلى عدم وعي الشارع بها، وأن الغالب في مجتمعنا اليمني يعاني منه، حتى دون دراية مسبقة بماهيته.
وقالت إن التنمر ينتج في الغالب عن شخص يحمل عقدة نقص ناتجة عن تدني مستوى الوعي والتعليم.
وليس بغريب أن ينتشر التنمر في أوساط المجتمع اليمني، في ظل مجتمع يحمل كبتاً في كل المجالات، الأمر الذي يشعره بضرورة الانتقام وإصابة الآخر بالضرر.
وقال الدكتور عبدالباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، إن للتنمر في المجتمع اليمني، أسباباً مختلفة، ولها ارتباط بالبنية الاجتماعية التقليدية القائمة على التراتب الاجتماعي بين الفئات، أي أن هناك فئات تدعي أنها تنتمي إلى مرتبة عليا، وهناك فئات مهمشة تنتمي إلى الفئات الدنيا؛ هذا التراتب الاجتماعي يؤدي إلى أن الفئات المهيمنة أو التي في المراتب العليا تمارس نوعاً من التنمر على بقية الفئات التي تأتي في أسفل سلم التراتب كـ”الأخدام والجزارين واليهود”، وغيرهم من الفئات.

الدكتورة فاتن عبده محمد : لا نستبعد أن يكون هناك 6 أشخاص من كل 10 يتعرضون للتنمر بأنواعه


ويذكر شمسان أن ضعف سيادة القانون يؤدي إلى المزيد من التنمر، موضحاً بالقول: “ليس هناك تطبيق للنظام والقانون على جميع المواطنين بالتساوي. أيضاً الفساد المنتشر في القضاء وفي المؤسسة الأمنية، يجعل الفئات المهيمنة تتنمر على البقية، بحكم أنها تستطيع أن تتنمر، وأن تمر دون أي عقاب”.

إقرأ أيضاً  مبادرة مجتمعية تنجز صيانة طريق بطول 32 كيلو مترا


آثار مدمرة


من النتائج المتوقعة لحوادث التنمر ضد الأشخاص، الخوف والاكتئاب والانتحار في بعض الحالات، كما تقول الدكتورة فاتن، مضيفة أن “الحالات كثيرة، ولا نستبعد أن يكون هناك 6 أشخاص من كل 10 يتعرضون للتنمر بأنواعه”. لكنها تشير إلى أن الوعي وسيلة للتخلص منه.
وتضمنت نتائج دراسة “ظاهرة التنمر في اليمن”، أن الخوف والاكتئاب والانعزال عن العامة والرغبة في الانتقام، هي أبرز الظواهر التي لحقت بـ”المشاركين”، عقب تعرضهم لحوادث التنمر.
ويؤدي التنمر إلى آثار كبيرة، ومنها انخفاض منسوب السلوك الحضاري لدى الشعب، وهذا يؤدي، بدوره، إلى استمرار كثير من السلوكيات التي تعيق عملية المواطنة وسيادة القانون؛ بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى خوف الفئة المهيمن عليها، ويجعل الانسجام الاجتماعي منخفضاً، أيضاً عدم القبول بالآخر والتعايش، كما يقول الدكتور شمسان.
سلوى أحمد (٢٤ عاماً)، تحدثت عن تعرضها لحوادث ابتزاز وانتحال لشخصيتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ودخولها في حالة من الخوف الشديد والاكتئاب.
وتقول: “في البداية، تواصلت معي بعض الزميلات عن تلقيهن طلبات صداقة من حساب يحمل معلوماتي الشخصية، بعدها تمت مراسلتي شخصياً على “واتساب” بتنفيذ طلبات المبتز وإلا سيتم نشر صوري. الأمر تكرر مع موسى خفيف (٣٢ عاماً)، أحد سكان محافظة حجة، الذي تعرض للاكتئاب طوال فترة تواجده في أمانة العاصمة من ٢٠١٣ حتى ٢٠١٧، مثل نعته بـ”الخادم”، بسبب لون بشرته.
ويقول موسى: “عند انتقالي إلى أمانة العاصمة للعمل في أحد المطاعم، تعرضت للعديد من المضايقات بسبب سواد بشرتي، وأصبح الجميع ينادونني بالخادم والعبد. كان الأمر مزعجاً لي، فقد دخلت في مشادات كلامية مع الكثير”، لكن الخوف من فقدان عمله جعله يتقبل الأمر، ما أصابه بالاكتئاب، كما يقول.

مقالات مشابهة