المشاهد نت

مجوهرات النساء… القرش الأبيض تبدده السنوات السود

صنعاء – زكريا حزام:

تتمنى صفية الورافي أن تتوقف الحرب، وأن تعوض مدخراتها التي أنفقتها بعد انقطاع صرف المرتبات في مواجهة سنوات الحرب الأربع الماضية، وما خلفته من أوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع في أسعار المواد الغذائية وبقية مستلزمات الحياة.
صفية التي تعمل في التدريس منذ سنوات، حصلت بعد زواجها على كمية كبيرة من الذهب “مهراً”، فضلاً عن اشتراكها بجزء من راتبها في جمعيات ادخار لتشتري مجوهرات تحتفظ بها للزمن، أو لعمل مشروع صغير في يوم ما، لكنها باعته كله خلال فترة انقطاع الرواتب، لتغطية نفقات المنزل، كما تقول.
ومع اندلاع الحرب، نهاية العام 2014، بدأت تتلاشى أحلام صفية في المشروع الصغير أو شراء منزل يخلصهم من مشاكل الإيجار وتعنت المؤجرين، ورأت المسافات بينها وبين أحلامها تتسع مع مرور الوقت، كما تؤكد الورافي لـ”المشاهد”.
وتضيف أن انقطاع مرتبها ومرتب زوجها كان السبب الرئيسي لتوجه النظرات نحو مدخراتها وبيعها، فلم يعد لدبهم قدرة على توفير متطلبات البيت، إلا بثمن الذهب الذي باعوه على مراحل كلما اقتضت الحاجة.
أم خالد هي الأخرى باعت كل مدخراتها من الذهب، في سنوات الحرب التي تعد كابوساً ثقيلاً جثم على صدور كل اليمنيين، واستنفدت كل ممتلكاتهم.
وتقول أم خالد لـ”المشاهد”: “حاولنا كثيراً، بعد انقطاع راتب زوجي، الذي كان مصدر رزقنا الوحيد، أن نبقي خيار بيع الذهب بعيداً عن تفكيرنا، لكن الظروف كانت أقوى، ولم ندرِ كيف نواجه احتياجاتنا المعيشية والحالات الطارئة كالمرض ومستلزمات المدارس والأعياد؟”.

الأمل المفقود

بقيت أم خالد متمسكة بالأمل، ومع بيع كل قطعة من مجوهراتها، تمني نفسها أن الظروف ستتحسن، ولن تبيع شيئاً بعد هذه المرة، وستعوض ما اضطرت لبيعه، لكن المجوهرات نفدت، وسنوات الحرب لم تنتهِ، والمرتبات لم تُصرف.
وللتشبث بالأمل أدمنت أم خالد سماع أخبار الحرب والمفاوضات، وصدقت إشاعات الانتصارات والحسم القريب، لكن مع تعثر المفاوضات، تصل إلى طريق مسدود. فالحرب مستمرة، وتوقفها بعيد المنال، كما تقول.
كان الناس عامة، والنساء على وجه التحديد، يشترون الذهب، ويقولون: القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، ولم يأتِ يوم أسود، وإنما سنوات سوداء، وانتهى القرش الأبيض، ولم تنتهِ السنوات السوداء، بحسب أم خالد.
ويشاهد الزائر لمنطقة التحرير وسط العاصمة صنعاء، حيث تقع العشرات من محلات الذهب، الكثير من النساء اللواتي يتزاحمن على أبواب تلك المحلات لبيع ما لديهن من الذهب.
وقدرت دراسة اقتصادية حول مدخرات اليمنيين من الذهب، نشرتها مجموعة بوستن الاستشارية الأمريكية، عام 2008، أن كميات الذهب التي يحتفظ بها اليمنيون، أكثر من 10 تريليونات و200 مليار دولار، تراكمت لدى المواطنين بتعاقب الأجيال.
واعتبرت الدراسة أن الأموال المجمدة من كميات الذهب الهائلة تقدر قيمته بـ6.7 تريليون دولار، ضمن مدخرات الأسر داخل البيوت، وما يقارب 3 تريليونات و500 مليار دولار مجمدة في حسابات جارية.
ويصل سعر الجرام الواحد من الذهب “عيار 21″، إلى 22 ألف ريال (40 دولاراً أمريكياً) بيعاً، والشراء 23 ألف ريال.

إقرأ أيضاً  مخيمات النازحين.. تحت رحمة «المنخفض الجوي»

خاتم الزواج

وما يزال وليد يشعر بالحسرة والألم لبيع خاتم زواجه الذي يعد آخر ما تملكه زوجته من الذهب، ليشتري كيس قمح وبعض احتياجات الببت الضرورية، بعد تراكم ديونه لصاحب المحل، ورفض الأخير منحه ديناً آخر، وتراكمت ديونه.
يقول وليد لـ”المشاهد”، وهو يشتم الحرب والسياسة اللتين دمرتا البلد، وأرهقتا الناس: “الخاتم يمثل ذكرى عزيزة على النفس، وقيمته المعنوية أكبر بكثير من قيمته المادية، وبيعه ترك غصة ومرارة في القلب، لكن الموت جوعاً أصعب من بيعه”.
وليد وأم خالد وصفية ليسوا وحدهم من اضطروا لبيع مدخراتهم التي اشتروها بعد سنوات من الجهد والعمل، وإنما أغلب الأسر فقدت مجوهراتها مع فقدان الراتب، فبحسب عبدالله الأشول، صاحب محل مجوهرات بشارع التحرير بصنعاء، فإن الكثير من الأسر تأتي إلى المحل لبيع الذهب بسبب الديون والمشاكل والاحتياجات المعيشية.
ويقول الأشول لـ”المشاهد”: “نسمع كثيراً من الزبائن يتحدثون عن الظروف التي أجبرتهم على بيع الذهب، وكيف يعملون جاهدين على تخطيها، وغالباً ما يكون بيع الذهب آخر الخيارات”.
ويضيف: “نشعر خلال شراء الذهب من أسر مضطرة للبيع، أنها تفارق شيئاً عزيزاً، وله قيمة معنوية، وارتباط نفسي قوي، وأحياناً تبيع امرأة أحد أقراط الأذن، وتتمسك بالآخر، لتبقي جزءاً من ذكرى عزيزة أو مناسبة غالية”.
باع الناس ممتلكاتهم لمواجهة ظروف قاسية فرضتها الحرب عليهم، لكن حلم أم خالد وصفية لم يتوقف في تعويض ما بيع من ذهبهما، كما هو حلمهما في توقف المواجهات العسكرية وارتفاع أوزار الحرب عن كاهل الناس، ليعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية.

مقالات مشابهة