المشاهد نت

ترحيل العمال من عدن .. مواقف محلية ودولية غاضبة

عدن – بديع سلطان
يصرخ السبعيني ياسين الحسني، أثناء خروجه من سوق الخضار المركزي بمديرية المنصورة بعدن (جنوب اليمن)، منتقدًا ارتفاع الأسعار، بسبب غياب تجار الخضار من أبناء المحافظات الشمالية.
كانت صيحات الحاج الحسني المستهجنة عالية، وهو يتساءل (اتقوا الله.. الكيلو البطاط بألف ريال؟؟).. ويضيف: “مش كفاية بتنا أمس بلا روتي ولا رغيف”، ويتابع: “الله ينتقم ممن كان السبب”.
يقول ياسين الحسني (للمشاهد): إن الإجراءات التي طالت العمال الشماليين في عدن، انقلب أثرها على أهالي المدينة، وهذا يدل أنها أعمال عشوائية، هدفها سياسي، ونابعة من جهات وأشخاص لا يعون ما يعملون.
وأضاف الحسني: تضرر أهالي عدن، بإغلاق المحلات التي كانت تشغلها العمالة الشمالية، مثل بسطات الخضروات، ومخابز الروتي والرغيف، والمطاعم والبوفيات، وحتى أسواق القات خلت من الباعة الشمالية.
ويؤكد: أن كل ذلك انعكس على ارتفاع الأسعار، وافتقار الناس في عدن للخدمات التي كان يقوم بها ويوفرها العمال الشماليون، لافتًا إلى أن شباب عدن قلما تجد فيهم من يعمل مثل هذه الأعمال.
وقال الحسني “بعفوية”: من الظلم التجني على عمال بسطاء، لم نعرف عنهم سوى العمل، وتوفير خدمات لأهالي عدن منذ ثلاثة عقود، وليس بعد الحرب الأخيرة.
وطالب القادة الأمنيين ومن يقومون بهذه الأعمال بمراجعة عمليات الترحيل، وعدم التجني على من ليس لهم علاقة، لافتًا إلى أن مهمة الكشف عن الخلايا المتعاونة مع الحوثيين أو غيرهم هي مهمة الأجهزة الإستخباراتية.
وأضاف – بخبرة السنين – أن تلك الأعمال لا إنسانية وتسيء الى الجنوبيين، وتحرض المنظمات الدولية الحقوقية ضدنا، ولا تخدم قضية الجنوب.
وتعيش مدينة عدن على وقع حملات ترحيل تقوم بها قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيًا، تستهدف أبناء الشمالية.
يأتي ذلك بعد أيامٍ على تفجيراتٍ شهدتها المدينة الخميس الماضي، طالت مقرات أمنية وعسكرية، تبنتها جماعة الحوثي، وتنظيم داعش في اليمن، راح ضحيتها نحو 40 شخصًا بينهم قادة عسكريون وجنود أمن.
ومن بين الضحايا قائد اللواء الأول دعم وإسناد (الحزام الأمني) العميد منير اليافعي المكنى “بأبي اليمامة”، والذي تنفذ قوات تابعة للحزام حملات الترحيل بحق الشماليين.

تبرير
في المقابل يرى قادة عسكريون جنوبيون، أن حملات ترحيل الشماليين كان لابد منها منذ فترة، متهمين أبناء تلك المحافظات المتواجدين في عدن بأنهم يواطئون جماعة الحوثي.
حيث يستغرب القائد العسكري في قوات الحزام الأمني بعدن، عبدالرؤوف ياسر الصبيحي (للمشاهد)، من أن أبناء تعز وإب والحديدة وريمة، وغيرها تركوا قراهم ومدنهم تحت سيطرة الحوثيين وجاءوا إلى عدن طلبًا للرزق.
وأضاف الصبيحي متهكمًا: نحن نقوم بخدمة جليلة لأبناء المحافظات الشمالية، من خلال ترحيل مواطنيها وحثهم على مواجهة الحوثيين هناك، ومقاومته، بدلاً من الجلوس في عدن.

دعواتٌ للترحيل
توجهات متشددة تحاه المواطنين الشماليين كشفت عنها تصريحات وتغريدات عدد من قادة ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وإعلامييه.
حيث حذر نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، قبل يومين، في تغريدةٍ على تويتر، أبناء المحافظات الشمالية من التوجه مجددًا إلى عدن.
فيما ذكر الإعلامي ياسين اليافعي (للمشاهد) أن عمليات الترحيل إجراءٌ احترازي، تجاه عناصر وأيادي الحوثيين في عدن، حد وصفه.. مشيرًا إلى أن جماعة الحوثي عجزت عن السيطرة على الجنوب، أو استهداف قادته في الجبهات، فلجأت إلى تحريك عناصرها داخل عدن، لتحقيق ما عجزت عنه.

إقرأ أيضاً  تعز: العيد دون زيارات في ظل الحصار

ظلم.. وأهداف سياسية
وكان خطباء مساجد ودعاة قد نددوا بالأعمال الجارية في عدن بترحيل الشماليين، أحدهم خطيب وإمام أحد مساجد مديرية دارسعد بعدن، هبدالله النعماني، الذي دعا إلى عدم التجني على البسطاء من أبناء الشمال، باعتبار أن ذلك ظلم وتعدي، وأن المجتمع كله مساءل ومعني بإيقاف هذه الممارسات.
ووافقه الرأي الإعلامي ماجد العدني، الذي قال (للمشاهد)، أن عمليات الترحيل ذات أهداف سياسية بامتياز، مشيرًا إلى أن جهات سياسية في الجنوب عملت وستعمل على استغلال حادثة تفجيرات عدن للابتزاز السياسي وتحقيق مكاسب معينة.
مؤكدًا أنه رغم تبني الحوثيين ومن بعدهم تنظيم داعش للتفجيرات إلا أن أحد المكونات السياسية في الجنوب مصمم على إلصاق التهمة بالحكومة الشرعية، وأبناء الشمال، دون أي دليل منطقي.
وأضاف العدني: أن أبناء تعز مستهدفين أكثر من غيرهم في المحافظات الشمالية من عمليات الترحيل تلك، نظرًا لتوجيهات من قوى إقليمية تقوم بتحريك المكونات الجنوبية لأغراض محددة.

فراغ
وترك ترحيل الشماليين من عدن فراغًا من الصعب عدم ملاحظته داخل عدن، حيث خلت الجولات والأسواق الشعبية من العمالة الشمالية، الذين كانوا يفترشون بضائعهم في شوارع وطرقات المدينة.
كما أغلقت كثيرٌ من المطاعم الكبرى أبوابها، وغدت المدينة وكأنها خاوية، رغم أن الأيام الحالية أيام مواسم تجارية وفترة تسوق لأغلب السكان.

موقف أهالي عدن
مواطنو عدن سجلوا مواقف في حماية أهالي المناطق الشمالية، حيث وقف شباب مسلحون في دار سعد، شمال عدن، في وجه حملات قوات الحزام الأمني التي هدفت إلى ترحيل الشماليين.
كما شهدت مديريتي المنصورة والشيخ عثمان تحركاتٍ مماثلة من أهالي عدن، وإن كانت أكثر سلمية.
غير أن مديرية الشيخ عثمان عاشت مساء الأحد، مواجهاتٍ مسلحة بين قوات الحماية الرئاسية التابعة للقائد بسام المحضار، الموالي للحكومة الشرعية، وبين قوات الحزام الأمني التي حاولت ترحيل الشماليين ومصادرة بضائعهم.
وأسفرت المواجهات عن استيلاء قوات الحماية الرئاسية لآليتين تابعتين للحزام الأمني، بالإضافة إلى تراجع هذه الأخيرة دون أن تقوم بمهامها.. في الوقت الذي مازالت قوات الحماية الرئاسية منتشرةً في المدينة وتمنع أية أعمال مماثلة.

إدانات المنظمات الحقوقية
إلى ذلك دعت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان، الحكومة اليمنية والسلطات المحلية بعدن إلى وقف أعمال العنف والعنصرية التي تقوم بها مجموعات مسلحة ضد العمال والنازحين من المحافظات الشمالية في مدينة عدن.
وقالت المنظمة في بيانٍ تلقى (المشاهد) نسخةً منه: إنأعمال العنف ضد العمال والنازحين الشماليين انتشرت في عدن بشكل يتنافى مع مقتضيات القانون الإنساني الدولي فضلاً عن إتخاذها طابعاً عنصرياً.
وطالبت المنظمة، الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بالتدخل للحد من ترحيل النازحين الشماليين الذين وقعوا ضحايا الحملات العنصرية العشوائية، خصوصاً وأن المئات منهم لديهم أسر وأطفال وأجبروا على الترحيل، ناهيك عن تعرضهم للحرمان القسري من مصادر عيشهم التي تعرضت للإتلاف والدمار من قبل المجموعات المسلحة.
وشهدت مدينة عدن على مدى الأيام القليلة الماضية، حملات أمنية من قبل قوات الحزام الأمني لإيقاف المئات من العمال والنازحين المحافظات الشمالية، وإعادتهم إلى مناطقهم على متن شاحنات نقل، بدعوى “تأمين عدن” عقب تعرضها لهجومين داميين الخميس الماضي.

مقالات مشابهة